لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

مصراوي يحاور الطالب الذي أجبر الدولة على التقهقر

09:43 م الأحد 08 نوفمبر 2015

حوار مصراوي مع الطالب نور أسامة

حوار-أحمد الليثي ودعاء الفولي:

ظهر الأمر كزوبعة مؤقتة يفتعلها طلاب الثانوية العامة، وستذهب لحالها بعد قليل. بدت الدولة واثقة من قرار اعتبار العشر درجات -خمسة للسلوك وأخرى للحضور- رقما أساسيا في مجموع الطالب آخر العام، فيما كان نور أسامة وإيمان أحمد أصحاب الـ17 عاما مصممين على خوض التحدي ولو بطرق بسيطة؛ أوّلها فيسبوك، وآخرها وقفة على باب وزارة التربية والتعليم، استمرا في الاحتجاج، دون معرفة أن الدولة ستنصاع لاعتراض الطلاب عقب ثلاثة أشهر؛ فكان الانتصار للطالب والتراجع من نصيب الدولة.

من صفحة على موقع فيسبوك كانت البداية، رأى نور في نفسه القدرة على الكتابة عن مطالبهم بشكل جيد، أنشأت إيمان الصفحة، وقاما بإدارتها منذ يوليو الماضي "أول حاجة بعتنا رسائل للصفحات الرسمية في الدولة ومنهم صفحة الرئيس نفسها"، ورغم أن محاولاتهما باءت بالفشل، إذ لم يرد عليهما أحد، لكنهم استمرا في الكتابة عن مطالبهم "وكنا بنتواصل مع صحفيين عشان يدعمونا".

حوار مصراوي مع الطالب نور أسامة

السادس والعشرين من يوليو هو الميعاد الأول لرافضي "العشر درجات" مع وزارة التربية والتعليم، وقفوا أمام بوّابتها صباحًا عارضين مبتغاهم بلافتات خطوا عليها "طلاب ثانوية عامة ضد العشر درجات" و"معترضين مش متظاهرين"، وكان عددهم سبعة.

لم يكن قرار العشر درجات يشمل الثانوي الأزهري في البداية، إلا أن ذلك لم يمنع نور من الاهتمام، ما يجري بالمدارس العادية يعاني هو منه أضعافًا. فشل المنظومة التعليمية جعلت الشاب الصغير يتمرد، المدارس الأزهرية تحتكر الإحباط بجدارة "التعليم في أزمة، مفيش أنشطة أو قدرات بيطوروها.. كل ما أخش المدرسة اتعقد"، يشرح نور الأحوال التي تحيط به، من طالب حاصل على 98% ببداية المرحلة الإعدادية، إلى شخص يجاوره الراسبون "اللي بيجيب أقل من 5 ملاحق بيبقى بطل"، ومن لا يتمكن من كتابة اسمه صحيحا، وكذا أخلاقيات تنحدر دون رادع.


من السابعة صباحا حتى الثانية ظهرا يتواجد نور داخل المعهد الأزهري، بعدها يجوب الأرض إنجازا للدروس الخصوصية "محدش بيشرح في المدرسة هنعمل أيه.. وفي مواد مالهاش أساتذة"، في غالبية الأيام ينتهي صاحب الـ17 ربيعا من دروسه قرب منتصف الليل، لذا كان الحضور الإلزامي –مدرسيا- كابوس يسيطر على تفكيره، ومعه نحو 650 ألف طالب بالثانوية العامة والأزهرية، بعد إضافة بند الـ10 درجات.

حوار مصراوي مع الطالب نور أسامة

18 مادة تجول في رأس "نور" بين دراسات عامة وأخرى شرعية، الكتب يصل عدد صفحات بعضها إلى 500 "إحنا مش شغلنا نصم.. إحنا المفروض بنحصل على علم وللأسف المدرسين معندهمش حاجة مفيدة يقدموها".

أكبر فصل بمدرسة عقبة بن نافع التي يدرس بها نور، لا تزيد مساحته عن 3 أمتار في مترين، مقاعد التلاميذ سيئة للغاية، بعض المدرسين لا يهتمون بتوصيل المعلومة للتلاميذ حسب وصف نور "المدرس بيحط المسألة ع السبورة ويحلها من غير ما يفهمنا ولما نسأل يقول متخرجنيش برة الموضوع ولو جادلته يطردني برة الفصل".

أما إيمان فمشكلتها تتعدى ذلك "عندنا مدرسة الأحياء بترسم القلب غلط ولما بنقولها مبتعبرناش"، تشكو الطالبة كذلك من بعض المعلومات الخاطئة يسردها المدرس على مرأى التلاميذ عن عمد "عشان يقنعنا إن المدرس اللي بناخد معاه درس غلط ونسيبه وناخد عند اللي بيشرح وحصلت معانا كتير".

حوار مصراوي مع الطالب نور أسامة

7 مظاهرات كانت حصيلة حركتهم الاحتجاجية على مدار ثلاثة أشهر "العدد زاد من تالت مرة، كنت بكلم الناس على الصفحة عن معنى القرار وأقنعهم بحجم الأزمة"، كاد الملل يتسرب إلى نفوسهم "في كل مرة بنعمل نفس الكلام ومفيش رد"، بشائر بدأت في الظهور في كل مرة يتواجدون فيها أمام الوزارة منها دعم بعض المدرسين لوقفاتهم، وكذلك انضمام الأهالي لهم "وده كان بيحفظنا من الشرطة"، فيما كان انضمام بعض أصحاب الشكاوى وخريجي الثانوية للعام السابق وإحداثهم للشغب سببا في دخولهم مرحلة الخطر.

طموحات نور تواجه روتين الوزارة، يتمنى الطالب أن تنمي المدرسة قدراته بدلا من إهدارها، يقرض الشعر، وشغوف بالأحياء "نفسي اشتغل على مخ الإنسان.. بيجنني تكوينه ومهتم أكشف الجديد عنه"، يتمنى لو كانت المناهج تُدرس كمشاهدة "ناشيونال جيوجرافيك" بدلا من معامل نالها العطب وكتب لم تتبدل من عشرات السنين، لذا يبحث دوما عن إطار غير نمطي لأفكاره "خدت دراسات في الجامعة الأمريكية وكان قدامي منحة في 4 ولايات أمريكية بس أهلي رفضوا موضوع السفر".

حوار مصراوي مع الطالب نور أسامة

لم يكن يبحث الطالبان عن شهرة بقدر ما ينقبان عن بادرة أمل تأتي عقب مجهود وسعي لا يشوبه غرض، غير أن عثرات عدة سقطت في الطريق "في ناس طلعوا في التليفزيون اتكلموا وهما مش تبعنا.. وللأسف أضروا بالقضية لإنهم معندهمش خلفيات ومش مهتمين غير بالشو وطلعوا مع وائل الإبراشي وكانوا حُجة ضدنا".

حين اشتعلت الثورة لم يلحقا –نور وإيمان- بالركب، كان عمريهما لا يجاوز الثالثة عشر، فلم يصدهما عن الإيمان بها كأنما شاركوا "كنت هموت وانزل بس مرضيوش عندي" تذكر إيمان، بينما نجح نور في التملص من المنزل لبضعة ساعات يوم الخميس 27 يناير والعودة، منذ الثورة تغيرت الشخصيتان، صار نور عنيدا حين يتعلق الأمر بحق مشروع له، وأصبح مؤمنا أن عناده كافيًا كي يصل مبتغاه.

فيما تبقى قبس من نور الثورة يهتديان به "طريقة المسيرات وشكل الوقفات الاحتجاجية وعدم السكوت على الحق اتعلمناه من يناير"، فحديث إيمان لا يخلو من حقوق المواطن، وتطبيق الدستور ووجود قرار تشريعي لأمور تمس قطاع كبير من الشعب، وتؤمن بشروع كل صاحب حق في قضيته مهما طال المسير، أما نور فله سوابق حسنة السمعة، منها حين قررت المعاهد الأزهرية إلغاء إجازة يوم السبت، فما كان منه إلا أن دعا رفاقه في مدارس عدة واستأجر أتوبيس، فكانت وقفة احتجاجية أمام مشيخة الأزهر، وكان القرار بعودة السبت "إجازة".. وفي واقعة أخرى سبه مدرس بألفاظ بذيئة واتخذ منه مادة للسخرية، فكتب مذكرة لمدير المعهد وجمع توقيعات من الطلاب، ولما قدم والده للمدرسة تعرضا لتهديد لكنه سجل الحوار، فتبدل رد فعل الإدارة رأسا على العقب وتم طرد المدرس بسبب سوء سلوكه.

بينما كانت إيمان وزميلها يواصلان توعية الطلاب على صفحتهم، لاقوا سخرية بعض أقرانهم "كانوا بيقولوا إنتو مزودينها الموضوع مش هيفرق كتير"؛ فقررا عمل بعض الكوميكس البسيطة التي توضح مشكلة العشر درجات، لتنهال عليهم الاستفسارات من الطلاب، حتى صار بعضهم يخرج للاعتراض أمام الوزارة بغض النظر عن دعوة الصفحة أم لا.

حوار مصراوي مع الطالب نور أسامة

لم تكن الـ10 درجات مجرد نسبة مئوية تضيف لمجموع نور أو تخصم منه، بقدر ما كانت طريقا لفساد البعض "القرار كان هيخلي الرشوة على ودنه، وكل واحد هيدفع 200 جنيه يتشال له الغياب وياخد الدرجات عادي.. لإن مفيش رقابة على التعليم نفسه أو الشرح، هيلتزموا إزاي بحضورنا وسلوكنا".

اللامركزية كانت شعار نور وإيمان أثناء العمل على الصفحة، يطلب الشاب أن يتواصل معه أهل الإسكندرية "فأبدأ أكلم الناس لحد ما حد يقولي انا معايا 60 واحد مثلا مؤمنين بالفكرة"، حاولا إكمال الأمر بباقي المحافظات ولم يستجب سوى طلاب بورسعيد والإسكندرية.

لم يكن نور وإيمان من الذين يتحججون بالعشر درجات للتهرب من مسئولياتهم كطلاب، فهما متفوقان في مراحلهم الدراسية السابقة، ولا يمانعان تطبيق القرار في المطلق "بس قبل ما يطبقوه يفكروا فينا" قال نور، مضيفًا أن الدروس الخصوصية التي يحصل عليها تستنزفه بشكل شخصي وتستهلك مبلغ يصل إلى 1500 جنيهًا بالشهر يدفعهم والده، لذا فإن وفرت له المدرسة تعليم جيد سيرحب بوجودها، على الأقل سيحصل على عُطلة يوم الجمعة، بدلًا من قضائه دائرا بين الدروس، ولن يمانع الذهاب للمدرسة يوميا غير أن عليهم إصلاح نوافذ فصله المُطل على كورنيش النيل "في الشتا بلبس 3 جواكت ومبستحملش القعدة.. فصلنا فيه فتحات شبابيك بس من غير إزاز".

لم يتحدث نور داخل المنزل عن رحلته مع العشر درجات "قلتلهم بعد ما القرار اتلغى"، لم يمانعوا الفكرة ككل. إيمان على الجانب الآخر صارحت أهلها منذ البداية ولم يعترضوا على نزولها الوقفات "طالما فيه حق"، لكن ذلك لم يمنع القلق خاصة بعد ازدياد عددهم ووجود الشرطة بشكل أكبر في المشهد "كان فيه ضباط مباحث في المرة التالتة اللي نزلنا فيها"، لكن الفتاة لم تأبه عمومًا "مادام مبنعملش حاجة غلط ومبنعطلش الناس".

اتصل أحد الأصدقاء بنور ليخبره بإلغاء القرار -24 أكتوبر الماضي، لم يفاجئه ما حدث رغم فرحته العارمة "كنت واثق إنه هيتلغي بس مكنتش متخيل إن دة هيحصل بدري كدة"، على الفور هاتف طالب الأزهر رفيقة الصفحة "مصدقتش لحد ما روحت المدرسة تاني يوم ولقيت الفصل فيه خمسة" تذكر الفتاة المشهد ضاحكة، فالطلاب سمعوا بالأمر كما سمعت وعادت نسبة الغياب كما هي للمدارس "لدرجة إن المدرس اللي دخل لنا ساعتها كان مستغرب من سرعة الاستجابة".

حوار مصراوي مع الطالب نور أسامة

عقب "الانتصار" لم يتواصل أحد من الوزارة مع التلميذين، لم يزعجهما ذلك طالما الهدف تحقق في النهاية، حتى أن صفحتهما لم تعد مكانًا ليكتبا فيه "أدت غرضها فمش هنستغلها ولا نكتب فيها حاجة تاني"، وإمعانًا في توضيح وجهة النظر كتب الأدمن الثالث الذي التحق بإدارة الصفحة مؤخرا منشور قال فيه "لينا الفخر إننا الدفعة اللى قدرنا نلغى قرار زى دا.. ركزوا في مذاكرتكم ومستقبلكم.. وفرحتنا الكبيرة آخر السنة لما نحقق اللي حلمنا بيه".

خلال إحدى المظاهرات خرج أحد قيادات الوزارة "قالنا كل حاجة هتتعمل عشان خاطركم.. متقلقوش وخلال أسبوع الموضوع يتحل"، وبعد أيام صرح الوزير في حوار تليفزيوني بثقة "مش هنتراجع".. فيما كان غضب الطلاب أقوى من تصريحات المسئولين بتراجع الحكومة عن قرارها لينتصر نور وإيمان لزملاء لا يعرفونهم شخصيا، لكنهم قررا أن يذودا عن حقوقهم، فكان لهما ما أرادا.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان