"معندناش" و"ضبط النفس" و"حالات فردية".. دليل الداخلية للرد على الاتهامات
كتبت-دعاء الفولي:
تنقضي الأحداث وتتبعها أخرى، اشتباكات وضحايا تعذيب داخل السجون، مرورا بفض التجمعات؛ تفاصيل بعضها فجّ، تتداولها وسائل الإعلام على مر الأنظمة السياسية، عن أداء وزارة الداخلية، اتهامات تلاحق الشرطة من كل صوب، كانت سببًا رئيسًا في اندلاع ثورة 25 يناير بيوم عيدهم، احتجاجًا على "قمع" المواطنين.
ورغم مرور أكثر من أربع سنوات إلا أن الاتهامات ظلت موجودة، تخفت أو تزداد، فيما يبقى للوزارة ردود ثابتة لا تتغير.
"التجاوزات داخل جهاز الشرطة تحدث من قلة قليلة لا تعد على أصابع اليد الواحدة، وبالتالي لم نجد من هذه التجاوزات أزمة، فهناك مبالغة ومحاولة متعمدة لإسقاط جهاز الشرطة.. فإذا أخطأ 10 أو 15 ضابطا، ما ذنب ال40 ألف الباقيين.. كرامة المواطن على دماغي ودماغ الوزارة.. احنا لا نترك أي تجاوز دون التعامل معه ومحاسبة من يقف وراءه"، جاء ذلك التصريح على لسان وزير الداخلية، اللواء مجدي عبد الغفار، أول أمس، نافيًا ما قيل عن منهجية التعذيب في السجون المصرية، وذلك بعد حادثتين في أيام متقاربة، قُتل خلالهما مواطن بالأقصر وتم الاعتداء على آخر بشبين القناطر.
"حالات فردية"
وصلت حالات الوفاة داخل أقسام الشرطة إلى 80 حالة، طبقًا لتقرير منظمة العفو الدولية، الصادر في يونيو 2014، أما مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف، فقد وثق وجود 289 حالة تعذيب في الفترة من يونيو 2013 وحتى مايو 2014، وقد أفاد المركز في تقرير "كشف حساب" أن "التعذيب لازال منهج الشرطة".
جُملة "حالات فردية" كانت حاضرة في ردود وزير الداخلية الأسبق، حبيب العادلي، فخلال عام 2007 سقط عدة ضحايا للتعذيب، ما أدى لحالة من الغضب، صرّح العادلي على إثرها "سنواجه التجاوزات الفردية للضباط والأفراد"، وكان الوزير الذي حوكم عقب الثورة، قد أنشأ جهاز لحقوق الإنسان داخل الوزارة، وكان يشدد على التزام الشرطة بمبادئ ذلك الجهاز.
الأزمة ليست في كونها حالات فردية أم لا، بل في المحاسبة وإعادة الهيكلة، على حد قول مجدي عبد الفتاح، مدير مركز البيت العربي للبحوث والدراسات، إذ يرى أن سلوك التبرير لن ينتهي طالما الداخلية تتعامل مع الضباط بمنطق أنهم "أبناءها"، وليس موظفين يؤدون خدمة للمواطنين.
وأضاف المحامي لمصراوي، أن وزارة الداخلية تستخدم كارت "من يعارض فهو خائن أو لا يقدر مجهوداتنا في محاربة الإرهاب أو يتشفّى في مقتل الضباط والجنود"، كما يعتقد أن الاعتذار فقط لا يكفي، كما حدث بعد مقتل المحامي كريم حمدي بسبب التعذيب داخل قسم المطرية، بل محاسبة المسئول أولى، فمفهوم العدالة الانتقالية الصحيح يقوم على محاسبة الخاطئ أولًا ثم الاعتذار للمظلوم، وله أن يقبل أو يرفض.
وقد أصدرت الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية بموقع فيسبوك، الأحد الماضي، بيانًا تؤكد فيه عدم تهاونها مع مرتكبي الأخطاء وأنها لن تسمح لبعض الأعمال الفردية بإفساد تاريخ الشرطة المصرية، فيما قال اللواء أبو بكر عبد الكريم، المتحدث باسم الوزارة، بأحد البرامج التليفزيونية، إن البيان جاء لإبعاد محاولات جماعة الإخوان المسلمين وبعض النشطاء السياسيين، لاستثمار الموقف من أجل تشويه صورة الوزارة، ومحاولة الوقيعة بين الشرطة والشعب.
لعنة "معندناش"
ميعاده مع السجن كان بالذكرى الثالثة لثورة يناير، حين خرج طارق محمد أو "تيتو"، للتظاهر فتم القبض عليه وإيداعه بقسم المعادي، بالسجن عايش الشاب العشريني "التشريفة أو الضرب اللي بيستقبلوا بيه المعتقلين والشتيمة بالأب والأم والكهرباء والتعليق"، تلك تفاصيل تقفز إلى ذهنه كلما قال أحد القائمين على الوزارة "مفيش تعذيب"، لا سيما وأن أخيه "محمود" الذي أكمل عامه الواحد والعشرين لازال قابعًا بالسجن منذ 2014، بسبب "تي "شيرت" كُتب عليه "حملة وطن بلا تعذيب"، وقد تعرض للصعق بالكهرباء والضرب والسحل داخل قسم المرج، طبقًا لشهادة "تيتو".
التفاصيل التي تتزاحم بعقل "تيتو" كثيرة، أحد المحتجزين معه بقسم المعادي، كان على وشك الخروج من المرحاض، حين اصطدم بسلك كهرباء مكشوف على الأرض فسقط قتيلًا "لكن اتحرر محضر وقتها إن المواطن ده اعتدى على السلك عشان يموت نفسه"، تلك الحادثة أكثر ما يصيب الشاب -رئيس لجنة الحريات بحزب الدستور- بالغصّة من ذكريات الحبس، لذا فـ"كل الكلام اللي بيتقال عن إن السجون فنادق ومفهاش إهمال كدب" على حد تعبيره.
مُبكرًا بدأ الإنكار على ألسنة وزراء الداخلية. في عام 1982 وبجريدة الأهرام، كان للوزير، حسن أبو باشا، تصريح يقول "مفيش معتقلين"، وتفاوتت الأشياء التي يتم نفيها مع الوقت.
النفي لا يتوقف على التعذيب أو الاعتقال، بل وخلال الاشتباكات، ففي أحداث شارع محمد محمود، نوفمبر 2011، ظهرت عدة فيديوهات وروايات تؤكد إطلاق الشرطة الخرطوش على المتظاهرين، ليخرج منصور عيسوي -وزير الداخلية- مُصرحًا "الشرطة لم تستخدم الخرطوش أو الرصاص بل الغاز المسيل للدموع"، وهو ما أكده مساعد وزير الداخلية الأسبق لشئون الأمن، هاني سيدهم، مضيفًا "ما نستخدمه هو الغاز فقط، والشرطة معندهاش بنادق خرطوش في المظاهرات أو بنادق مطاطي".
فيما بعد تحول ذلك التصريح إلى نكتة يتداولها شباب التواصل الاجتماعي كلما نفت الوزارة أي اتهام مُوجه لها. كما أن حبيب العادلي، استخدم نفس الجملة أثناء دفاعه عن نفسه في تهمة قتل المتظاهرين بالتحرير، إذ قال "معندناش قناصة..هو واحد شايل بندقية يبقى قناص.. كل الضباط بيعرفوا يضربوا نار".
"الاختفاء القسري" كان له نصيب أيضًا من الإنكار، حيث صرّح اللواء صلاح فؤاد، مساعد الداخلية لحقوق الإنسان قائلًا: "أقولها متحديًا لا مبررًا او موضحًا.. لا يوجد اختفاء قسري لأي شخص في مصر"، وكان المجلس القومي لحقوق الإنسان قد رصد 170 حالة اختفاء بداية من شهر يونيو الماضي، أشهرها إسراء الطويل، عمر محمد، وصهيب سعد، وقد ظهر الثلاثة عقب اختفائهم بأسبوعين، في سجن القناطر، والعقرب.
"ضبط النفس" دائمًا
مساء الرابع عشر من أغسطس 2013، وعقب قيام الشرطة بفض ميداني رابعة العدوية والنهضة، اُقيم مؤتمر أوضح فيه وزير الداخلية، محمد إبراهيم، التزام القوات "بأقصى درجات ضبط النفس"، مضيفًا أن قوات الأمن كانت لديها تعليمات واضحة بعدم استخدام أي أسلحة عدا قنابل الغاز، وأن الفض انتهى بأقل الخسائر البشرية. ورغم تصريحات إبراهيم، إلا أن الأرقام التي أعلنتها منظمات المجتمع المدني عن عدد القتلى بالاعتصام -أقل التقديرات 333 قتيلًا طبقا لوزارة الصحة- جاءت عكس ذلك، وقد حدث أغلبها بسبب الرصاص الحي.
قبل أيام من ثورة يناير 2011، أجرى الإعلامي مفيد فوزي، حوارًا مع حبيب العادلي، سأله فيه عن التظاهرات التي روّج إليها بعض الشباب على الإنترنت، غير أن الوزير لم يبد مُتفاجئًا، فـ"الشرطة بقالها فترة طويلة بُتواجه باحتجاجات لكن الرد بيكون بالنفس الطويل وبضبط النفس".
في دراستها عن سلوك الشرطة المصرية والتي جمعتها بكتاب "إغراء السلطة المطلقة"، تحدثت بسمة عبد العزيز، الطبيبة بمستشفى العباسية النفسية وأحد العاملين بمركز النديم، عن تربية ضابط الشرطة، منذ دخوله الأكاديمية وحتى التخرج "هو بيتربي كطالب إنه الناس كلها أقل منه.. بيتقال لهم إنهم أسياد الناس كلها" قالت "عبد العزيز"، وضربت مثالًا على ذلك بالضابط الذي أمر المواطن حسين محمد بالركوع "مكنش كفاية إن الراجل يخضع بالقول لاء لازم جسديا".
حالات نادرة فقط هي التي تعترف فيها الوزارة بالخطأ، غير أن الاعتراف لا يكون صريحًا "دايما بيبقى معاه كلمة دي حالات فردية واحنا هنحاسبهم.. ولو دخلوا السجن بيرجعوا مناصبهم تاني ويمكن يترقوا"، وتوضح "عبد العزيز" أن عدم وجود عقاب يجعل التعذيب مُمنهجًا حتى وإن قالت عنه الوزارة "حالات فردية"، وأضافت أن "طالما بيحصل تعذيب في اكتر من محافظة والنتائج واحدة يبقى ممنهج".
خطابات الوزارة المتنوعة عقب أي حدث يسقط فيه مدنيون، سواء تعذيب، مظاهرة، أو غيرها، تصفها الطبيبة النفسية بـ"الاستخفاف بعقول الناس.. أسهل حاجة يتقال إنه هيحصل تحقيق أو هنحاسب المسئول وفي الآخر مبيحصلش حاجة".
فيديو قد يعجبك: