بالصور: حكاية يهود وسط البلد ورحلة أول علم إسرائيلي من الإسكندرية للقدس
كتبت- رنا الجميعي:
كثرت الأحاديث عن مسلسل "حارة اليهود"، ما بين مقالات نقدية مُعارضة ومؤيدة له على المواقع الإليكترونية، ومنشورات تتبع رأي أصحابها على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، بين هذا وذاك يناقش المسلسل في فكرته عن اليهود المصريين، ويعتبر المسلسل الأول الذي يعيد بعض من سُمعتهم كمصريين، لا علاقة له بديانتهم، تتنوع التشريحات المختلفة داخل المسلسل، بين الديانات الثلاثة، بين الطيب والشرير في صورتهم الأولى، وبين اليهودية "ليلى" وأخيها "علي"، بين التشبث بمصر، والحماس لإسرائيل، أما صديقه "صفوت" فهو الغني الذي يموله بالمال، وهو الذي تحكي عن أمثاله رضوى عاشور في كتابها "قطعة من أوروبا".
أنا الناظر
تحكي رضوى عاشور على لسان البطل، واسمه "الناظر"، و لا يعني اسمه مسئول المدرسة، لكنه "أنا الناظر لأن مهمتي النظر، أنقل عبر حكايتي ما نظرت إليه من نظر العين والقلب"، يقتبس الناظر من كتابات المؤرخ عبد الرحمن الرافعي في تسجيل تاريخ مصر، الجزء الخاص بحريق القاهرة "يوم 26 يناير 1952 كان مأساة ينفطر لها القلب حزنًا وأسفًا، الحريق انبعث من النفوس المريضة بين المواطنين، قامت به العناصر الرديئة من الشعب، رأينا الغوغاء يشعلون النار جزافًا في المحلات التجارية دون مبالاة أو اكتراث".
أول علم لإسرائيل
في اليوم الموافق 11 ديسمبر 1917، ارتفع أول علم لإسرائيل على سور القدس، حمله جندي نيوزيلندي يسمى لويس إزياك سالك، صحبه معه من مصر إلى القدس، رفرف العلم مدة عشرين دقيقة قبل دخول القوات البريطانية التي أنزلته، وذلك حسب ما جاء من شهادة يسردها جندي من طلائع القوات البريطانية، كان العلم نصفه الأعلى باللون الأزرق، والأسفل بالأبيض، بينهما نجمة داود، ذلك العلم الذي حمله النيوزيلندي من مصر إلى القدس كان من صنع مورينيو شيكوريل وترزي إسكندراني يدعى إليعازر سلوتسكين.
تسجل رضوى عاشور في كتابها عن وسط البلد، سيرة اليهود الأجانب، تقول "هؤلاء ليسوا أبناء حارات اليهود، المحليين الذين لا يعرفون سوى العربية، هؤلاء جاءوا مع موج البحر، حملهم الموج من شاطئ لآخر، ليسكنوا القصور، ويتزددوا بالقصور ويحضروا الحفلات في بيت اللورد، أو ليسكنوا دورًا متواضعة فقيرة، لأنهم عمال، ولأنهم مهاجرون، وفي الحالتين يتحدثون الإيطالية والفرنسية واللادينو، أو الروسية والألمانية واليِدِش فترفعهم اللغة وأصولهم فوق "المحليين" من أهل البلد(بما فيهم يهود الحارة) وتربطهم بأسيادهم الأجانب.
يهود وسط البلد لم يكونوا مُجرد رجال أعمال بالمصطلح المتداول، لكنهم أصحاب عقارات وشركات وما لا يُمكن حسابه، سرد الناظر عدد كبير من هؤلاء الرجال، القادمين من وراء البحر، عائلات لها جذور ممتد لبعيد، منهم على سبيل المثال عائلة روتشيلد التي يتفرع منها "بلفور" الشهير الذي وعد بوطن الصهاينة.
كان من أشهر الرجال الكبار؛ بهلر، شيكوريل، وقطاوي، تقف رضوى على جبل تاريخ فتُحاول تسرد ما يمكنها منه، لكن حُمى الكتابة تأخذها، تكتب عن نسل تلك العائلات، تأخذ القارئ لعدد كبير من الأسماء، نسرد بعض منهم فقط.
أوبري إيبان
قدم يعقوب بن يوسف صمبري القطاوي من حلب في فترة ولاية محمد علي، كان شيخ معمم، احتفظ بأصوله، ولكن مع تفرع عائلته الكبيرة، اكتسح التفرنج الأحفاد، وترأست ابنة حفيدته واسمها "فيكي موصيري" الفرع المصري من التنظيم النسائي التابع لمنظمة الصهيونية العالمية، كان منزل فيكي عامر بالحفلات والأصدقاء، سلسلة كبيرة من الأغنياء لا أول لها ولا آخر، كان من بين أصدقاء زوجها ضابط الاستخبارات الإنجليزي "أوبري إيبان"، عُرف باسم "آبا إبان" وهو الشخص الذي رفع علم إسرائيل في الأمم المتحدة بعد إعلان الدولة، وصار وزير خارجية إسرائيل فيما بعد.
محلات شيكوريل
محل شيكوريل كان الأشهر في وسط البلد، لصاحبها مورينو شيكوريل، جاء الرجل من إزمير عام 1910، وفتح محل صغير سماه "أو بتي بزار"، كبر المحل وجاوره آخر ليصبح متجر كبير معروف، يملؤه العُمال والعاملات متحدثين بالفرنسية، شيكوريل الشهير ضُمر فيه النار بحريق القاهرة، وتم تجديده بعدها، وفي عام 1917 الذي كان حافل بالمؤتمرات الصهيونية داخل الإسكندرية، قبل صدور وعد بلفور رسميًا بأربعة أيام، حضر ثلاثة آلاف يهودي احتفال لتأييد وعد بلفور، لم تتأكد الكاتبة بشكل أساسي هل كان شيكوريل وصاحبه الترزي موجودان بذلك المؤتمر أو غيره، لكن المعلومة المؤكدة أنهم صانعو أول علم إسرائيلي.
ممر بهلر
أحد كبار يهود وسط البلد كان "شارل بهلر" السويسري، بهلر امتلك الكثير بالمنطقة في ذلك الزمان، وكما تقول رضوى لم يتبق من ذلك كله سوى ممر باسمه يصل بين عمارتين، وهما في الأصل عمارة واحدة منفصلة، م. ضمن ما امتلكه سيد بهلر؛ فنادق شبرد والجزيرة، سميراميس والكنتينتال ومينا هاوس والكوزموبوليتان، وذلك في القاهرة فقط، ومن ضمن شركاته كان له شركة هي التي أنشأت وأدارت فندق داود بالقدس.
فندق الملك داود
لم تكترث رضوى عاشور في الكتاب بأمر الديانة، لأن هؤلاء المستثمرين لم يكن جميعهم يهود، وغير معروف في تاريخهم ما هي ديانتهم، لكن مالهم كان مُحركهم الأساسي، ونشطت الحركة الصهيونية بهؤلاء.
بداية الحركة الصهيونية
قبل عقد المؤتمر الصهيوني الأول بعام، جاء إلى مصر بلغاري يُدعى "ماركو باروخ" عام 1896, أقام في حي البرابرة حيث يسكن اليهود الأشكيناز، المهاجرين من شرق ووسط أوروبا، كان لباروخ نشاطه الصهيوني قبل قدومه لمصر، وبدؤه في الجزائر، أسس البلغاري ثلاث جمعيات صهيونية في القاهرة والإسكندرية وبورسعيد، غادر بعد ذلك مستمرًا في نشاطه، وحضر المؤتمر الصهيوني الثالث والرابع كعضو في الوفد الإيطالي، ظلت الحركة الصهيونية نشطت في مصر، أول الجمعيات التي تم تأسيسها، كانت "بار كوخبا" التي أنشأها باروخ، وآخرها "أبناء هرتزل" عام 1913.
قاعة المؤتمر الصهيوني الأول
حريق القاهرة
يرجع الناظر في حديثه مرة ثانية لحريق القاهرة، واستنادًا إلى ملف الصور الذي أعده ستوديو "رياض شحاتة"، وكما يقول الناظر "هو المصور الأشهر ذلك الزمان"، يستعرض خلاله الصور التي تعرض المحلات التي احترقت ذلك اليوم البعيد، محلات جروبي بفرعيها طالها الدمار، كذلك محلات "الأمريكين"، التي يمتلكها جروبي أيضًا، تحول مدخل فندق شبرد إلى أنقاض، النوافذ لم تعد موجودة، وكذلك ملحقات الفندق من شركات أجنبية للسياحة، داخل محلات شيكوريل كان الانهيار، أما الواجهة فظلت متماسكة، يُحدد بطل الكتاب أن الدمار لحق بثلاث مجموعات أساسية "بنوك ومتاجر تخص الإنجليز وبعض الأوروبيين، متاجر أثرياء اليهود، دور سنيما وبارات".
حريق شيكوريل
يُدقق الناظر في الصور، يرى أن الدمار لحق بأماكن ولم يمس بعضها، لذا استغرب من كلمة "الغوغاء" التي استعملها المؤرخ "الرافعي" فيقول "لكن الغوغاء أحرقوا نادي التُرف ولم يحرقوا المعبد اليهودي، أحرقوا محلات شيكوريل وأوريكو وشملا وشالون بن زيون التي يمتلكها اليهود، أحرقوا جروبي سليمان "طلعت حرب الآن" ولم يمسوا محل سمعان صيدناوي المقابل له"، هُناك صورة توضح مدخل جروبي عدلي، بجوارها محل حسن حنفي للخياطة، الذي لم يطاله الحريق، كذلك مكتبة نهضة مصر الموجودة بنفس الشارع لم تُدمر، محل بن زايون محترق وفوقه "سعد كامل وولده" سليم، يتمتم الناظر "هناك منطق في هذا الجنون".
حريق شبرد
يرجع الناظر لما قاله المؤرخون عن ذلك اليوم، فعبد الرحمن الرافعي وصفهم ب"الغوغاء"، وآخرين ربطوا بين مذبحة الإسماعيلية في 25 يناير 1952، والحريق، يقول بطل الكتاب بالمعلومات، المؤرخين لم يربطوا بين الحريق وحرب فلسطين، رغم أن القاهرة احتشدت بها المظاهرات أكثر من مرة احتجاجًا على السياسية البريطانية في فلسطين، منها مظاهرة في نوفمبر 1945، وتم تحطيم محلات أوروبيين ويهود يومها في منطقة الموسكي، ومظاهرات كبيرة في مختلف المدن المصرية، في ديسمبر 1947، احتجاجًا على قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، وأيضًا تم تحطيم فيها محلات ومؤسسات يهودية وأوروبية.
بعض المراجع التي استندت إليها رضوى عاشور في كتابها:
- الوثائق الخاصة بنشأة الحركة الصهيونية في مصر من ملاحق كتاب لانداو "اليهود في مصر في القرن التاسع عشر".
- بعض المعلومات الواردة عن عائلة قطاوي من مقالات لسمير رأفت منشورة باللغة الإنجليزية علي الانترنت في موقع خاص به.
فيديو قد يعجبك: