لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"ليسوا أمواتًا ولا أحياء".. أسرة تبحث عن أبنائها المفقودين بحادث رشيد

07:19 م الأحد 09 أكتوبر 2016

محمد واحمد رحلة البحث عن مفقودين في حادث رشيد

كتبت - إشراق أحمد:

أكثر من أسبوعين مرّا على حادث غرق مركب الهجرة غير الشرعية برشيد، جاء الخبر صادمًا صباح يوم 21 سبتمبر المنصرف، تفاوتت الأعداد بين 400 إلى 600 شخص اعتلوا متن المركب، وظل اللغط مستمرًا حتى السابع والعشرون من سبتمبر حيث انتشال المركب، وتصريح وزارة الصحة بأن الحصيلة النهائية للضحايا بلغ 202 شخص. منذ ذلك الحين انحسرت الأخبار إلا تلك المُعلنة عن القبض على المزيد من السماسرة، توقفت عمليات البحث في البحر، كما أُغلقت المشارح على مَن فيها، وضمت المدافن مَن تعرفت عليه أسرته، فيما ظلت أسرتي أحمد طه الأشقر وابن عمه محمد هلال الأشقر على شفا حفرة من نار.

انقطعت أخبار الشابين، اختفيا مع غرق المركب، التي كانت أكثر حظًا منهما بعدما انتشال هيكلها، بينما ظلا هما في "علم الغيب" حتى اللحظة، لا إلى الأحياء ولا إلى الأموات ينتميان، باتا بين ليلة وضحاها كأنهما لم يُخلقا، حتى صار أقصى أمل لأسرهتهما في احتضان جثة يواروها التراب وقبر يحمل اسمهما بدلا من الخواء.

كانت الساعة تشير إلى السادسة والنصف صباحًا حين علم أهل الشابين اللذين لا يتجاوزا 17 عامًا بأن اتصال هاتفي جاء من ابن الجيران يستنجد صارخًا "الحقونا إحنا بنغرق"، فهجرت بيوت الجزيرة الخضراء بكفر الشيخ مضاجعها لتلبية نداء الأبناء "كان على متن المركب رشيد حوالي 23 من 3 قرى جنب بعض. السكري، الجزيرة الخضراء، أبو خشبة" يقول نور غنيم قريب الفتيين، بينما يضيف أن أحمد ومحمد ليسا الوحيدان المفقودان بل هناك أسر كثيرة لازالت تبحث عن أبنائها.

في آخر شهر سبتمبر؛ صرح مدير أمن البحيرة اللواء علاء الدين شوقي، أن 19 شخصًا تقدموا ببلاغات رسمية تُفيد بفقدان أبنائهم في حادث مركب رشيد، في الوقت الذي أعلن عن وجود 96 جثة مجهولة الهوية داخل المستشفيات المختلفة بالبحيرة والإسكندرية وكفر الشيخ، قبل أن تأتي الأخبار في الرابع من أكتوبر بدفن 52 جثة مجهولة الهوية في مدافن الصدقة بالبحيرة وتعريفها بعبارة "موتى رشيد" وترقيمها، فيما يقول "غنيم" أن هذا العدد هو ما تم تسجيله وهناك مَن لم يعرف بأمر التسجيل.

منذ معرفة أسرة الشابين خبر غرق المركب، وانضموا لبقية الأهالي التي شكلت ما يشبه لجنة طوارئ، لا معلومة لديهم سوى أصوات أبنائهم المستغيثة، هلع البعض إلى خفر السواحل، وآخرون إلى أصحاب مراكب الصيد ممن يعرفونهم، والبعض الآخر مكث على الشاطئ لاستقبال مَن قد يعود سابحًا أو تُقذف به المياه، فيما كانت المرة الأخيرة لسماع صوت أحمد ومحمد اليوم السابق للغرق "للأسف سفرهم تم في الكتمان لأنهم هم نفسهم معرفوش يمنعوهم" حسب قول "غنيم".

الرغبة في التجربة والأمل الذي بثه فيه أصدقائهما ممن ذهبوا إلى ايطاليا، كان دافع أبناء الأشقر إلى المغامرة، التفكير في الخطر ليس على قائمة حساباتهم، ضغطوا على ذويهم معتمدين على مكانتهم ككبار أبناء أسرتهم "ونوارة" البيت كما يعتبرونهم. "هتخاف عليا لغاية امتي.. أنا كده ميت وكده ميت" مبررات على لسان طلاب الثانوية العامة، أعجزت الأهل أمامها، فالحال لا يخفى على أحد، ومحاولات الفرار نجحت مرات عديدة والمقابل المادي لن يناله السمسار إلا بعد وصول الابن "فاللي مش هيسافر برضا أهله هيسافر غصب عنهم" كما يوضح قريب الشابين.

"ممنوع اطلع مركب قبل الساعة 7 الصبح" تلك العبارة التي قالها خفر السواحل أفقدت الأهالي وبينهم أسرتي الشابين أي أمل في تحرك رسمي مبكر، فتركز الاعتماد على الصيادين. "عامل الوقت مكنش في صالح الجميع من الأول" كذلك يرى قريب المفقودين، موضحا أنه كان بالإمكان إنقاذ أكثر ممن نجا، ليس فقط الأحياء بل الجثث "يعني أول مركب طلع جاب 95 جثة وده مركب صيد" كذلك بقاء الضحايا لأكثر من يوم في البحر شوه المعالم "والجثث بقت شبه بعضها"، ولم يعد هناك سبيل للتعرف عليها إلا عبر ما قد يميزها من ملابس أو علامات بالجسد.

لم يجد آل الأشقر أبناءهم بين الجثث المنتشلة من البحر، ولا الناجين المحتجزين بقسم شرطة رشيد، لكنهم رغم ذلك تمسكوا بمعلومة، وعقدوا عليها الأمل طيلة 6 أيام من وقوع الحادث؛ هناك مركب أخر غير الغارق انطلق في الوقت ذاته وبعض راكبيه من أبناء الجزيرة الخضراء وصلوا إلى ايطاليا وتواصلوا مع أهلهم، غير أن بريق الحياة اختفى بعدما عرفوا أنهم ليسوا ممن بلغوا البلد الأوروبي، ليوقنوا بعد 10 أيام أن "مفيش حاجة اسمها أن فيهم حي"، لتبدأ مرحلة جديدة في الدائرة المظلمة.

إيجاد الجثة هو الرغبة الوحيدة لأهل الشابين بالوقت الراهن، فهي دليلهم المادي لرحيل أبنائهم "عشان حتى يعرفوا يقيموا سرادق عزاء" كما يعبر "غنيم" عن حالة الأسرتين، مضيفا أنه قبل انتشال المركب كان هناك حالة كبيرة من اللغط، وقعت بتأكيد الغطاسين المكلفين بالبحث عن الجثث باليوم الثاني للحادث على أنهم فتحوا ثلاجة المركب، أراد البعض التصديق رغم معرفته بصعوبة هذا "أحنا قبل ما نكون أهل مصاب أحنا أهل مهنة شغلتنا المراكب والبحر" وهو ما جعل "نور" وغيره يتشككوا بالأمر،إذ أن الظروف المتواجد فيها الثلاجة الحاملة لجثث تصعب عملية فتحها تحت الماء، وهو ما ثبت في اليوم السابع بعد استخراج المركب والإعلان عن انتشال 33 جثة من الثلاجة.

24 ساعة أخرى أُضيفت لأيام عائلة الأشقر، بانتظار انتشال المركب بعد قول ربان مركب الإنقاذ القادم من أبو قير "البحر عالي الليلة هنستنى لبكرة أفضل". لم يغادر الأهل المكان انتظروا مع المنتظرين إلى أن خرجت المركب ومعها الجثث، لينطلقوا ورائها.

18 مستشفى طافت حولها أسرتا "أحمد" و"محمد" للبحث عن الأبناء بعد الحصول على أسمائها من بيان فرقة الإسعاف. من رشيد إلى أبو قير، صدر المعمورة، كوم الدكة، كفر الدوار، أبو حمص، دمنهور، إيتاي البارود، جمصة وأخيرا كفر الشيخ يتكرر الفعل ذاته؛ يبدأ بالسؤال عن أسماء الضحايا إذا كانت معلومة، وإن لم تكن جاء الجزء الأصعب برؤية الجثث "شوفنا اللي متكرم في تلاجة واللي متشرح واللي مرمي على الأرض زي ما يكون في الشارع" كما في مستشفى دمنهور حسب وصف "غنيم" لما مر به الأهل بينما يرافقهم، فضلا عن وجود ثلاجات موتى معطلة مما دفعه للانفعال "حتى الميت مالوش إنه يقابل وجه كريم بشكل محترم".

لا رد يأتي للباحث عن ذويه سوى "اتفضل شوف"، فيرتدي كمامة أحضرها معه، ثم يفحص الجسد المختفي ملامحه، يبحث عن ملابسه ويقلبه ذات اليمن واليسار عسى يجد ما يحفظ عنه من علامة مميزة بجسده بعدما أصبح الجميع ذي لون وطبقة واحدة "في واحد عرف ابنه من جرح لعمليتين في جنبه" حسب قول "غنيم، فمثل هؤلاء هم الأفضل حظا، أما أسوأهم حظا مَن دفنه أهل غير أهله، فالهلع ضرب النفوس من كثرة تشابه الجثث، حتى ظن البعض أن إحداها لابنه ثم بعد الدفن وظهور المزيد من الضحايا يجد اسم ذويه بالكشوف المنتشلة حديثا، فيما يبقي المدفون مجهول الهوية وفي عداد المفقودين بل حتى لم يتسنَ بأي أسرة رؤيته لربما تتعرف عليه، وهو ما حدث مع نحو 3 جثث حسب قول "غنيم".

لم ينكر قريب الشابين المعاملة المحترمة والتعاون بكل مكان يلجئون له، لكنه لم يستطع إغفال الإهمال، الذي يرى أنه قد يكون سببا فيما حدث من لغط وضياع حقوق الموتى؛ فحينما تُنقل جثة مجهولة لإحدى الضحايا ويتم تشريحها، توضع ملابسها بالجوار، وحينما يتم ترحيلها لمكان أخر يحدث هذا دون الملابس، تلك العلامة المهمة الفارقة في تحديد هويته كما أوضح الرجل الأربعيني ابن الجزيرة الخضراء، فضلا عن عدم اتخاذ أي إجراء يضمن التعرف عليها من تصوير الجثة أو أخذ بصمتها الوراثية.

تمكث أسرة أحمد ومحمد الأشقر في كرب، لا ينقطع عنهم الأمل، يكاد يجن جنونهم، لا يكذبون خبرا إن جاءتهم معلومة تفيد بوجود جثث الأبناء، على الفور ينطلقون إلى الوجهة للتأكد "عاملين زي اللي روحه متعلقة في حبل المشنقة ومستني تنفيذ الحكم". كذلك يضرم الغضب بنفوس الأسرتين لعودة الأمور لما كانت عليه "بمجرد ما المركب طلع الناس نسيت وكأن مفيش حاجة حصلت والمفروض الأهالي تسلم بالأمر الواقع"، هكذا بات الحال في نظر "غنيم"، معتبرا أن الخطأ لا يجب مواجهته بخطأ مماثل، وأن تدارك الكارثة هو الحل بالوقت الحالي والمتمثل لديه في استدعاء الأهالي وعمل تحليل وراثي ومطابقته على الجثث المجهولة، فكل ما يطلبه مَن له ابن مفقود حال آل الأشقر "أن قلبه يبرد على ولده".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان