إعلان

في "رأس غارب".. حكاية أسرة من المنزل إلى المشرحة

08:31 م الثلاثاء 01 نوفمبر 2016

أزمة رأس غارب

كتبت-دعاء الفولي:

الساعة تقارب الواحدة ليلا. نافذة متسعة يقطعها عواميد حديدية بالدور الأرضي من منزل آل خور، يطل منها حناجر تصرخ بلا مجيب. في البيت القابع داخل شارع سعود برأس غارب انتظرت فاطمة محمد (80 عاما) الفرج برفقة زوجة ابنها وثلاثة أولاد، حتى جاء شباب المنطقة لينقذوهم، إلا السيدة العجوز ظلت تكافححتى فاضت الروح.

في تلك الأثناء كان الحفيد محمود أسعد (19 عاما) يتنفس بصعوبة في منزل يبعد عن فاطمة عدة أمتار، إذ سقط فوقه دولاب جرفه الماء، ليلحق بجدته بعد ذلك.

مع منتصف الليل اجتاحت "رأس غارب" سيول قادمة من جبل فضل غربي المدينة. أكلت المنطقة المنخفضة منها، وتركتها مروية بمياه مُحمّلة بطمي وعقارب وجثث ضحايا السيول، البالغ عددهم 9 قتلى، و26 مصاب.

شاهد أسامة خور السيول بينما هو في طريق العودة للمنزل، دبّ الهلع في قلبه، فوالدته فاطمة مع زوجته والأبناء هُناك "عربيته انجرفت على بعد أمتار من البيت، فضل يعوم عشان يوصل لأمي ويغطس ويقب بس مقدرش يكمل وكان هيموت".. يقول محمود خور الأخ الأكبر لأسامة المحجوز بالعناية المركزة في مستشفى رأس غارب المركزي.

داخل منزل أحد الأقارب بقي أسامة حتى يستعيد أنفاسه، بينما التقطت والدته أنفاسها الأخيرة بين حوائط منزلها، فبعد إخراج الشباب لزوجة الابن والأحفاد همّوا بالعودة للعجوز "بس مرات أخويا قالتلهم إن أمي بقالها ساعة غطسانة تحت الماية".

في ليلة السيول انشغل محمود في عمل خارج المدينة، وبمجرد علمه بالكارثة لم تتوقف محاولاته للاتصال بالأهل، فيما يستقل سيارة ليصل لهم. العجز سيطر على قلب محمود بعدما أخبروه باحتجاز الوالدة داخل المنزل، إذ كانت بصحبته صباح الخميس.

"أمي مكنش حد بيشيلها، كانت بتروح وتيجي زي الصغيرين".. اعتادت الوالدة الراحلة أن تُداعب محمود كل عام في موسم المطر. تُخبره أن "شوية المطرة دول ميجوش حاجة في سيل 76"، تحكي له كيف نجت منه، والآن ينكمش قلب الابن حزنا كلما تذكر أن وفاتها حدثت بسبب السيول أيضا "المشكلة مش في الموت.. المشكلة إنه محدش عرف ينقذها عشان الناس مهما عملت معهمش معدات وميقدروش يدخلوا..الميتين اتدعكوا تحت الماية، لا اتكرموا أحياء ولا أموات".

بداخل منزل أسعد-أحد أبناء فاطمة- اجتمع عدة شباب العائلة في غرفة واحدة، منهم محمود الابن البكري لأسعد. هول السيول لم يُمكن الماكثين من الهروب بسرعة، غمرت المياه كل شيء "ولادي كانوا في نفس الأوضة وبيقولولي إن الأجهزة كانت عايمة كأنها لعب أطفال".

قدر يسير من الماء ابتلعه محمود -الابن البكري لأسعد-، قبل أن يسقط دولاب على جسده "نقلوه بيت تاني وفضل قاعد في السطح اتناشر ونص بليل لبعد الفجر"، لم يعرف أولاد العم ما أصاب محمود، جسده ينتفض من الماء دون وصول إلى علاج، ولا إسعافات أولية، فقط انتظار طويل أعقبه انتشال من المتطوعين، ثم أسلمت روح الشاب إلى بارئها في الطريق إلى المستشفى بعد 4 ساعات من السيول.

صبيحة الحادث تفقد شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، المدينة المنكوبة، بصحبة المحافظ ووزير التنمية المحلية، تحدث إلى السكان واعدا إياهم بتنفيذ مطالبهم بأسرع وقت، غير أن ذلك لم يُخفف من غضب حل مكان حزن آل خور "مش عايزين حاجة من الحكومة، هما بس لو كانوا قالولنا من بدري ع السيول كنا عملنا حسابنا"، ينظر الرجل إلى خسارتهم المادية المتمثلة في أربع بيوت ومثلها من السيارات فلا يهتم "كل دة ميعادلش لحظة واحدة من عمر أمي ولا ابن أخويا"، لم تعد أزمته في موتها ومحمود، بل "الإهمال" الذي أوصلهم لتلك المرحلة، حسب قوله.

حينما بزغت الشمس، دخل الأبناء وشباب القرية لمنزل فاطمة. وجدوا والدتهم، رفعوا أعينهم إلى السماء شاكرين "عندنا ناس هنا لسة بيدوروا على حبايبهم.. ع الأقل دفنّا أمي وعرفنا قبرها فين".

في مستشفى رأس غارب اجتمع شمل الأسرة، محمود يُساعد أخيه أسامة لإيجاد غُرفة عناية مُركزة، فاطمة تتمدد في المشرحة ومعها حفيدها، وفي الخارج أسعد يبكي على الأم والابن. المأساة المُضاعفة التي عاشتها العائلة جعلتهم يُنهون إجراءات الدفن سريعا، في صمت مهيب حملوا الفقيدين إلى مثواهما الأخير بمقابر آل خور، الموجودة على تبّة مرتفعة من المدينة التي مسّها الكرب.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان