3 أيام قلبت حال المواطن مع المواصلات (معايشة)
كتب-رنا الجميعي ومحمد مهدي:
ما إن أعلنت الحكومة عن رفع أسعار الوقود، حتى بدأ سائقو المواصلات، المتضمنة الميكروباص والميني باص، بزيادة الأجرة. موجة من الصدمة والغضب تفجرت بين الناس، أثناء اليوم الأول والثاني من إعلان القرار، غير أن انفعالات الركّاب قلّت خلال اليوم الثالث، لتصل إلى حالة من الإذعان لنتيجة القرار، لذا أجرى محررا هذه السطور معايشة بين مُشاهداتهما الشخصية ورواية أحد المواطنين.
اليوم الأول.. الغضب
في مساء يوم الجمعة، كانت الساعة السادسة، استقل الشاب العشريني حسام الشربيني سيارة ميكروباص، من موقف عبدالمنعم رياض بوسط القاهرة، متجهًا إلى منزله في 6 أكتوبر، دقائق واكتمل العدد، انطلق السائق بالراكبين، قبل أن يُدير وجهه لهم صارخا "الأجرة زادت وبقيت بـ 4 جنيه يا جماعة"، لحظة من الصمت رنت بين الجميع، قبل أن يعترض أحدهم على الزيادة، ليرد السائق سريعًا "مش بإيدينا الحكومة غلت البنزين والسولار".
يقول الشربيني، إن حالة جدل دارت بين الركاب بينما يجمعون الأجرة التي طلبها السائق، لم يجرأ أحد على استكمال معارضته للزيادة كونها طبيعية نظرًا لارتفاع أسعار الوقود-وفق الشربيني-، وتحول الأمر إلى ما يشبه تحليل لأوضاع البلاد، قبل أن ينفجر أحد الركاب فجأة في البكاء.
حالة انهيار تملكت الرجل الأربعيني، لم يتمالك نفسه، فضّ غضبه على الجميع "انتوا مش حاسين بحاجة"، حكى الرجل-بحسب الشربيني- بصوت متهدج عن معيشته الصعبة، وبناته الثلاثة التي لا يقدر على مصاريفهم "قال إنهم في الجامعة وعايز أكل ومواصلات ليهم 30 جنيه يوميًا ودا فوق مقدرته في الغلا دا".
قرر الرجل نظرًا للظروف المادية، أن يمنع بناته عن الخروج للجامعة يوميًا "كل واحدة يوم تجيب محاضراتها وكل حاجة بتاعة الأسبوع"، يوضح أنه حزين لذلك لكنه لا يملك من أمره شيء مُضيفًا: "غير مصاريف البيت والكهربا والميه والغاز"، سكت الرجل وسط وجوم من الركاب، فعاد الصمت للسيارة من جديد.
خلال نفس اليوم، كانت الساعة تُقارب الثامنة ونصف مساءً، استقل عدد من الركاب الميني باص المتوجه لفيصل من شارع السودان، يُنادي الكمُسري "فيصل.. طوابق"، حتى يكتمل العدد، ودون سابق إنذار أعلن السائق "الأجرة 2.5"، بدأت موجة من الاحتجاج ترتفع في المواصلة العامة.
عدد من الركاب رفض دفع الأجرة مستنكرين زيادتها جنيهًا كاملًا –كانت الأجرة حتى يوم الخميس 1.5-، من بينهم رجل ذو بدلة بيضاء انتفض قائلًا "يعني ايه، أنا لسة جاي ب2 جنيه"، فيما ظهرت ملامح الأسى على رجل آخر، يتساءل بصوت مُنخفض "طب العيال!"، دفع البعض الأجرة دون نقاش مع السائق، بينما لم يستكين آخرين، مُحتدين في وجه السائق والكُمسري الذي ردد أكثر من مرة "أنا مالي، اسألوا السواق".
هناك من قال بنبرة تهديد للسائق "يعني أنا لو قلت لضابط شرطة على الزيادة دي"، فاكتفي السائق بقول "طيب شوف ضابط كلمه"، غير أن آخر ردّ "ظابط الشرطة مش هيحل حاجة، المشكلة فينا احنا، يا جدعان انتوا بتدفعوا ليه، ماهو لو محدش دفع مش هيغليها كدا"، وصرخ أحدهم فجأة "يا جماعة لو حد طهقان ينزل 11 نوفمبر"، لم يتجاوب مع حديثه أحد غير أن موجة الاحتداد لم تقل، ولعن آخر الحكومة التي لا تشعر بالمواطن.
يُذكر أن حمدي عبد العزيز، المتحدث الرسمي لوزارة البترول، قد أعلن في تصريحات صحفية، عن رفع سعر البنزين 80 أوكتين إلى 2.35 جنيه للتر بعد أن كان بـ 1.6 جنيه، وأوضح أن سعر البنزين 92 أوكتين ارتفع إلى 3.5 جنيه للتر بعد أن كان بـ 2.6 جنيه، فيما أصبح سعر البنزين 95 أوكتين 6.25، ووصل سعر السولار الجديد إلى 2.35 جنيه بعد ان كان بـ 1.8 جنيه، والغاز الطبيعي إلى 1.60 جنيه.
اليوم الثاني.. الشكوى
في الواحدة ظهرًا، يوم السبت، استقل رُكّاب الميني باص من منطقة الإسعاف، إلى منطقة جامعة الدول. جلست سيدة أربعينية بآخر السيارة، لم تملك إلا أن تتحدث مع من يُجاورها عن الأجرة كلما تجدد ذكر الأجرة فقط، الهمّ الذي يعتمر داخل نفسها تُحاول التنفيس عنه بالتحدث، قائلة "مصروف بنتي 30 جنيه في اليوم"، تُكمل "بتروح معهد في القطامية، والمواصلات لوحدها بـ15 جنيه، هتعمل ايه".
وفي المساء، كانت الساعة تقترب من التاسعة، يُولي الميني باص السائر في جامعة الدول شطر شارع السودان، يتحدث راكبان عن الزيادة، يتذكر أحدهم- ويعمل سائق نقل عام- ما حدث أثناء تعويم الجنيه عام 2003، الكلام عن رفع سعر الأجرة جعل السائق يوجه كلامه للراكبين "احنا مالناش ذنب في اللي بيحصل"، فردّ عليه سائق النقل العام "يا عم احنا مش بنتكلم عليك، انت غلبان زينا".
لم ينحسر النقاش عن ارتفاع الأجرة، في التاسعة والنصف من مساء الجمعة، ظلّت سيدتان تتحدثان عن الأزمة، حين استقلا ميكروباص من منطقة العشرين بفيصل إلى منطقة الملكة، المواصلة التي ارتفع ثمنها من جنيه إلى جُنيه ونصف، في مسافة تقل عن 15 كيلو، إلا أن الرُكّاب دفعوا راضخين، فيما سألت فتاة عشرينية السائق عن سبب زيادتها نصف جنيه دُفعة واحدة، "مش المفروض إنها تزيد ربع جنيه بس"، فتحجج السائق "الزيادة دي كانت هتحصل من فترة، بس اللخبطة بتاعة لمّ أجرة ربع جنيه دي خلتنا منزودهاش وقتها".
استمرت السيدتان في الحديث عن الأزمة، كيف سيتدبران أمرهما في ظل هذا الغلاء، وأثناء ذلك جلست شابة بالكرسي المُجاور للسائق، ولكنها لم تستطع إغلاق باب الميكروباص، اتضح أن به عُطل، فأشار إليها أن تُمسكه إلى أن تصل لمحطتها، فعلّقت إحدى السيدات "يعني كمان الأجرة تزيد ومفيش مواصلات كويسة نركبها".
كان خالد مصطفى، المستشار الإعلامي لمحافظة القاهرة، قد قال في تصريح لمصراوي، إن التعريفة الجديدة 25 قرشًا للرحلات التي تصل إلى 15 كيلو، و50 قرشاً لأكثر من 15 كيلو متر.
اليوم الثالث.. الاعتياد
الجميع سائر إلى وجهته، انطلق محررا الموضوع إلى مناطق عدة، عبر عدد من سيارات الميكروباص، في "التويوتا" المتحركة من 6 أكتوبر صوب منطقة الإسعاف، لم يتعجب أحد من الركاب من الأجرة الجديدة، دفع الجميع الأموال باعتيادية شديدة.
ومن ميدان عبدالمنعم رياض، انهمك الجالسون على مقاعد إحدى السيارات، من لمّ الأجرة سريعًا، لينشغل كلا منهم في هاتفه أو متابعة الطريق، فقط تساءل فتى عن سبب الزيادة، لم يكترث أحد سوى شاب أخر قائلًا: "مصر كلها غليت نص جنيه".
وفي سيارة أخرى، أدار سائق ثلاثيني مُحرك سيارته من منطقة الكوربة، مؤكدًا على ركابه "كله نازل ألف مسكن"، يُشير له الناس بالإيجاب، يُزيدهم "الأجرة بقيت باتنين جنيه"، تبتسم سيدة ثلاثينة "مش مُشكلة حاجة بسيطة، غيرك زود أكتر". وفي دقائق كانت الأجرة في يد السائق.
فيديو قد يعجبك: