أين تقع مصر على خارطة العالم التعليمية؟
كتبت-دعاء الفولي:
في السادس من ديسمبر الجاري، خرجت نتائج استطلاع "بيزا" عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ويقيس مدى جودة التعليم في 72 دولة حول العالم خلال 3 سنوات، وقد اعتمد على اختبار 540000 طالب في مجالات القراءة والعلوم والرياضيات. ولم تكن مصر ضمن الدول المشاركة في الاختبار، فيما تصدرت سنغافورة القائمة، تلتها اليابان، وجاءت كل من تونس، قطر، الإمارات، الأردن والجزائر في ترتيب متأخر.
اُقيم السبت الماضي، المؤتمر الأول الشهري للشباب بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، وكانت أحوال التعليم المصري على رأس محاور الجلسات، فيما أكد الرئيس أن التعليم يجب أن يرتبط ببناء الشخصية. لم تكن تلك المرة الأولى التي يولي فيها السيسي اهتماما للتعليم في أحاديثه، ورغم تصريحات متفاوتة أعلنها مسئولو التعليم عن تطوير المنظومة، غير أن تراجع مصر في مؤشرات جودة التعليم يبقى واقعا يُناقض التصريحات.
في المقابل أصدر المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) تقريرا عن مؤشر التنافسية السنوي لعامي 2015/2016، أكتوبر قبل الماضي، لتحتل مصر المرتبة قبل الأخيرة في "جودة التعليم" ضمن 140 دولة أخرى. بينما حافظت سنغافورة على المركز الأول بذات التقرير.
منذ حصولها على الاستقلال عام 1965، ربطت سنغافورة التعليم بالتنمية الاقتصادية، حسبما يقول أحمد قنديل، خبير الشئون الأسيوية بمركز الأهرام للدراسات، لمصراوي. ويوضح قنديل أن "لي كو ني يو" وهو أول رئيس وزراء سنغافوري، سعى للقضاء على الفساد وإرساء بيئة آمنة وبالتالي انتعشت الحالة التعليمية.
وعلى موقعها الرسمي، كتبت وزارة التعليم السنغافورية كلمات تُعبر عن سياستها قائلة: "تهدف الوزارة لمساعدة التلاميذ على اكتشاف مهاراتهم ونقاط القوة ومن ثم تطوير أنفسهم".
عقب تولي الرئيس السيسي الحكم بشهرين، قدم وزير التعليم الأسبق، محمود أبو النصر استراتيجية "2014-2030" لتطوير المنظومة، وكان من ضمن أهدافها "الاهتمام ببرامج التغذية، تخفيض نسبة التسرب من التعليم، تحديث المناهج بصفة دورية وجعل 70% من المناهج قائما على الأنشطة والجزء العملي".. لم ترَ تلك الخطة النور بشكل كامل، بعدما شرع الوزير محب الرافعي، الذي تسلم حقيبة التعليم مارس 2015، في بناء خطة مختلفة مستعينا بجزء من الاستراتيجية القديمة.
"البداية من الصفر دائما هي ما تجعل مصر متأخرة سواء في التقارير الدولية أو على الأرض" يقول طارق نور الدين، الخبير التعليمي ومساعد وزير التربية والتعليم السابق، لمصراوي. ويرى أن الالتزام بخطة 2014، كان ليُغير الكثير في المنظومة، ضاربا المثال بـ"كتاب القيم والأخلاق" الذي وضعته وزارة أبو النصر بالتعاون مع اليونسكو، إذ عاد الحديث عنه مرة أخرى داخل البرلمان في نوفمبر الماضي، فيما ألغى الوزير الرافعي الكتاب عقب توليه الوزارة.
حديث الرئيس عن المنظومة في مصر له محطات عديدة؛ ضمنها المؤتمر الأول للشباب في أكتوبر الماضي، حينما قال "عندي قناعة كاملة إن التعليم هو الأساس.. بس يا ترى المصريين كانوا هيستحملوا إن الفلوس المُتاحة القليلة تتحط في التعليم؟"، غير أن رحلة الرئيس إلى اليابان فبراير 2016 ظلت الأهم، حيث شدّد، خلال كلمته بالبرلمان الياباني، على ضرورة الاستفادة من تجربة التعليم هناك، وأصدر في مايو من نفس العام قرارا بتشكيل لجنة مبادرة التعليم المصرية اليابانية، والتي تُشرف على تطبيق التجربة الناجحة في مصر.
لم تتخلف اليابان عن الصفوف الأولى في مؤشرات جودة التعليم العالمية، فبالإضافة للمركز الثاني في تقرير "بيزا" لهذا العام، احتلت المرتبة الرابعة في تقرير آخر لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعام 2015، فيما تراوح ترتيبها بين المركزين التاسع والعاشر على مستوى العالم في مؤشر التنافسية بين عامي 2012 و2014.
تعتمد التجربة اليابانية على قواعد لإبقاء منظومتها متطورة؛ أهمها تنمية عقول الأطفال قبل المرحلة الابتدائية، وبث روح التعاون وخدمة المجتمع، فلا يوجد عاملو نظافة في المدارس اليابانية، ويتناوب الطلاب على تنظيف مدارسهم، كما يقول عادل أمين، رئيس قسم اللغة اليابانية، بجامعة القاهرة، وأحد أعضاء لجنة "مبادرة التعليم المصرية اليابانية".
ويضيف أمين لمصراوي أن تأخر التجربة المصرية عن اليابانية ليس بسبب المناهج، فـ"المناهج المصرية جيدة جدا بل بالعكس مناهج الرياضيات مثلا في المرحلة الابتدائية أقوى من اليابان"، لكن الأزمة في التعامل مع المادة العلمية، فيعتمد الطالب هناك على التطبيق الوممارسة وليس الحفظ، والأهم أنه ليس ثمة رسوب ونجاح من المرحلة الابتدائية وحتى قبل الجامعة "وإن كان هناك طلاب تحصيلهم ليس جيد فيتم تشكيل لجان لدراسة الأسباب ومحاولة توجيههم في الاتجاه الصحيح".
على مؤشر التنافسية تراجعت مصر من المركز 111 ضمن 140 دولة في التعليم العالي والتدريب عام 2014، مقابل المركز 109 في العام الذي سبقه، فيما حصلت خلال تقرير 2013/ 2014 على المركز 147 في جودة التعليم الأساسي، ويقول نور الدين مصر ينقصها تطبيق نظام صارم كي تنافس الدول المتطورة تعليميا.
ويُعدد الخبير التعليمي أزمات وزارة التربية والتعليم، موضحا أن التذبذب هو أول تلك المشاكل، وكذلك الإعلان عن قرارات دون طرحها للنقاش، كما حدث بداية العام الحالي عند فرض 10 درجات على المرحلة الثانوية للسلوك والحضور، وبعد وقفات احتجاجية للطلاب تم التراجع عن الأمر.
ويتحدث نور الدين أيضا عن تراجع الوزارة عن بعض التصريحات، كقرار إلغاء امتحانات "الميد تيرم" ثم إعلان الوزير الشربيني في سبتمبر الماضي، خلال مؤتمر، عن عدم صحة ما تم تداوله، وأخيرا بعض القرارات التي لم تُدرس جيدا كإغلاق مراكز الدروس الخصوصية، دون توفير بدائل للطلاب.
"في اليابان الدروس الخصوصية تُجرى بشكل علني من خلال مدارس تُسمى جوكو" يؤكد أمين لمصراوي، مضيفا أن تلك المدارس تُعطي المواد العلمية للطلاب في ما لا يقل عن 3 ساعات يوميا بجانب الدراسة العادية، ولعل ذلك ما يجعل اليابان مُتقدمة في مؤشرات التعليم العالمية، حسب قوله.
ووظيفة مدارس "جوكو" تأهيل الطلاب للالتحاق بالجامعات اليابانية العريقة مثل "طوكيو"، إذ يضمن طُلاب تلك الجامعات الانضمام لسوق العمل. ويوضح أمين أن التعليم في اليابان تُشرف عليه وزارة واحدة من المرحلة الابتدائية وحتى الجامعة بما في ذلك التعليم الفني.
في نفس السياق يضيف خبير الشئون الأسيوية، أن سنغافورة استطاعت الاندماج مع الدول الغربية والحصول على أفضل ما عندها من أسس تعليمية مع الإبقاء على ملامح خاصة لتجربتها، بينما استفادت أيضا من تجربة اليابان في تطوير المنظومة.
عام 2015 كشفت دراسة صادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، عن صورة قاتمة لجودة قطاع التعليم في دول عربية عدة، واعتمدت الدراسة على تسع دول كنماذج -ضمنها لبنان والأردن وقطر - وأرجعت ضعف الجودة إلى الميزانيات المحدودة التي تخصصها الحكومات لقطاع التعليم، وغياب الفلسفة التعليمية والاستراتيجية الواضحة، واعتماد المدارس بشكل كبير على حفظ المعلومات وتلقينها للتلميذ، ونبهت الدراسة -التي نشرها موقع بي بي سي- إلى أنه طالما ظل التعليم ضعيفا فإن النمو الاقتصادي لتلك الدول سيظل محدودا.
سوء التقييم هو أكثر ما تُعاني منه مصر، على حد قول أمين فـ"الطالب ينسى ما كتبه في الامتحان لأنه لا يستسيغه ولا يناسب سنه ومعرفته ويبقى مُجبرا على فهم ما في الكتاب ولو كان صعبا"، ويُدلل أستاذ اللغة اليابانية بأن المناهج في اليابان تُكتب بنفس اللغة التي يتحدث بها الطلاب في الفصل ويشرح بها المُعلم.
وإن كانت مصر غير مشمولة بدراسة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعام 2015، إلا أن ثمة تقرير أصدرته المنظمة عام 2014، يسرد بالتفصيل أزمات التعليم المصري، وذلك بالتزامن مع خطة الحكومة حينها لتطوير التعليم، وقد خَلُصَ إلى أهمية تطوير المنظومة التعليمية في مصر لأنها لا تُتنج شبابا مؤهلين لقيادة المستقبل، وشدد على ضرورة دعم التعليم بالثقافة والسلوكيات.
تلك الأهداف التي تحدث عنها التقرير، يتمنّى نور الدين لو تم إعادة صياغتها في استراتيجية 2014-2030 ثم تفعيلها، مؤكدا أن تقدم مصر على خارطة التعليم العالمية يحتاج لإعادة نظر من المسئولين الحاليين.
للاطلاع على تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية
فيديو قد يعجبك: