مصراوي يحاور "بياضة".. من كشف فضيحة بعثة المبصرين في فريق الجرس
كتبت – يسرا سلامة:
في السادس والعشرين من يناير الماضي، أفردت الاخبار ما نُشر تحت اسم "فضيحة بجلاجل"، وذلك بعدما أعلن مجلس إدارة اتحاد الإعاقة البصرية "المكفوفين"، إحالة أزمة تزوير سفر لاعبي كرة "الجرس" إلى بولندا للنيابة العامة، إثر كشف لواقعة سفر هذا الفريق بهوية "مكفوفين"، رغم أنهم مبصرين ولا ينتمون للعبة، تلك الواقعة كان من خلفها لاعب كفيف، أخرج الواقعة من الظلام إلى الرأي العام، وأيضا إلى النيابة، هو اللاعب محمد سيد، والشهير "ببياضة".
حياة في الظلام، كتبها القدر على "محمد سيد عبد الحميد"، ابن محافظة القليوبية، والبالغ من العمر تسعة وعشرون عاما، لم ير النور قط منذ الصغر، لكن حياة الكرة جذبته منذ أن كان في مرحلة الابتدائية، شغف الأطفال لم تحده الاعاقة، حتى تدرج في لعبة الجرس والمعروفة أيضا باسم كرة الهدف ، والتي يلعبها المكفوفون، وذلك منذ دوري المدارس وحتى عضوا بنادي بنها الرياضي.
في فبراير الماضي، كان "محمد" على موعد مع نبأ نُشر بين أقرانه من محبي كرة الجرس، بعدما تم إنشاء أول مجلس إدارة اتحاد مصري لرياضات المكفوفين، الخبر كان ترشيحات للسفر إلى بولندا، حيث المشاركة في البطولة الدولية لكرة الهدف "الجرس"، في الفترة من 16 إلى 20 أبريل 2015، على أن تضم البعثة 12 فردًا بينهم 8 لاعبين ومدير فنى وإداري ومساعد مدرب ورئيس للبعثة، انطفأ في نفسه الأمل بعدما انتهت الأخبار ولم يستقبل الاتحاد أي أسماء للمشاركة، يقول "البطولة اتكتم عليها من غير أسباب".
من قبل إنشاء الاتحاد العام الماضي، كانت رياضات المكفوفين وذوي الإعاقة بشكل عام تتبع اللجنة الباراولميبية المصرية، والاثنان يتبعان وزارة الشباب، وعقب بزوغ الاتحاد للنور، كان "أحمد عبد الله" أول من يتولى رئاسته، بعد أن ترك رئاسة نادي الإيمان الرياضي، ذلك النادي المتورط في فضيحة إرسال مبصرين إلى البطولة في بولندا من خلال الاتحاد.
بالمصادفة، وفي سبتمبر الماضي، تواردت أنباء من الاتحاد عن اتمام السفر لفريق من المكفوفين للبطولة الدولية، الخبر وقع كالصاعقة على آذان محمد سيد، والشهير وسط أقرانه بـ"بياضة"، نظرا لشدة بياض بشرته، حين تواصل كما يقول مع أحد المعارف في الاتحاد لمعرفة الأسماء التي سافرت إلى البعثة، سواء من اللاعبين أو الإداريين، ليكتشف أن معظم تلك الأسماء هو يعرفها جيدا، ويعلم إنهم مبصرون، وأيضا ليس لهم علاقة بالرياضة أو بكرة الجرس من قريب أو بعيد.
بعض الأسماء التي ذكرها "بياضة" لـ"مصراوي"، والتي تخضع للتحقيق الآن من قبل النائب العام، قيل إنها دفعت ما يقارب من 50 إلى 85 ألف جنيه لسفر إلى الخارج، والهروب من بوابة الاتحاد إلى أوروبا، يقول بياضة "الناس سافرت وما رجعتش"، بعد تلك الأشهر، لم يكتف اللاعب الكفيف بحكي القصة بين الألسنة في الاتحاد أو وسط اللاعبين، بينما سارع بالتقدم إلى وزارة الشباب ومنها إلى النائب العام ببلاغ حول الواقعة الخيالية.
الحقيقة الصادمة، والتي تداولها نشطاء فيما بعد عبر مواقع التواصل بين المزحة والفضيحة لمصر، كانت ذو وقع كبير على نفس الشاب العشريني، إذ مُنع من السفر للبطولة، واستبعد دون ذنب مع أقران آخرين، ولم تكفل له ولا لزملائه من المكفوفين أي فرصة متكافئة للترشيح والسفر، بالإضافة إلى "الفضيحة الدولية" التي منعت مصر من المشاركة في بطولة عالمية، "نفسنا اتكسرت، حقنا ضاع، ناس خدت أماكنا"، يردف الشاب.
قبل الإبلاغ، تأكد "بياضة" بنفسه من الأسماء من إدارة حركة الجوزات، ليعلم أن تلك الأسماء -التي من المفترض شاركت في البطولة- لم تعد إلى أرض مصر مرة أخرى، وذلك وسط تكتم شديد من الاتحاد حول تلك الفضيحة، يقول "عرفت الناس دي منين في بلدنا، الغالبية معاه دبلوم، وفي منتصف أكتوبر الماضي تقدمت بكل الأوراق حول تلك الفضيحة لوزارة الشباب".
يقول اللاعب، الخبير بكرة الجرس منذ عشرة أعوام، إن الوزارة اختارت "أحمد عبد الله" لرئاسة الاتحاد بعد أن ترك نادي الإيمان، ولا يوجد أسباب محددة سوى "العلاقات الوطيدة" التي دفعت بـ"عبد الله" لرئاسة الاتحاد الوليد حديثا، ليسهل الأخير فيما بعد المهمة لعدد من الأشخاص للسفر للبعثة، وسط أنباء عن عدم مطالبة نادي الايمان بأي دعم مادي من الاتحاد، مما أثار الريبة فيما بعد.
هروب غير شرعي لإثنى عشر شخصا، ثمانية لاعبين وأربعة من أعضاء الجهاز الفني، تمت تحت عنوان المشاركة في بطولة دولية، "الثقة" بين وزارة الشباب واتحاد المكفوفين، لم تجعل ذرة شك واحدة للتأكد من هوية المسافرين، وإن كانوا من أصحاب الإعاقات أم لا، بجانب إحباط متراكم لكل لاعب ومنهم بياضة كان من الممكن أن يرفع علم مصر في بطولة دولية لأول مرة بأيدي مكفوفين.
العشرة الأعوام التي قضاها "بياضة" -وحتى الآن- في لعبة الجرس لم تكن على طريق مريح، فبجانب حدة الإعاقة، لم يحصل "بياضة" طيلة عمره على أي دعم من خلال نادي بنها الرياضي المشارك به، تكافل بين المكفوفين بعضهم البعض يؤلف بين أموالهم واللعبة، يساعد "بياضة" أيضا على تحمل نفقات اللعب هو عمله في المركز النموذجي للتخاطب وتنمية المهارات ببنها، وذلك في إنتاج كتب بطريقة برايل للمكفوفين، يقول اللاعب عن إعاقته "أنا كفيف منذ الولادة وقلة الصبغة في جسدي أثرت على بصري".
"أتمنى اللي غلط يتحاسب.. وربنا ينتقم من اللي ضحك على الشباب".. أمنية تلوح لـ"بياضة" بعدما انتهت المسابقة، وعمت الفضيحة، فيما لا يزال 12 شخصا هاربين خارج حدود الوطن، لم يتواصل مع اللاعب الكفيف أي مسؤول عقب الواقعة، ولو بشق كلمة تشكره على كشف الفضيحة الدولية، يتمنى من رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي أن يولي اهتماما إلى أصحاب الإعاقات، بداية في فرص عمل ثم الرياضة، يقول بلسان زملائه "أغلبنا مش لاقي شغل".
عقب بلاغ "بياضة"، تحديدا في الثاني من فبراير الجاري، أحالت وزارة الشباب والرياضة 16 مسئولاً من الاتحاد المصري لرياضة المكفوفين ونادى الإيمان لرياضة المعاقين إلى النائب العام لاتخاذ الإجراءات القانونية للتحقيق في واقعة سفر بعثة من نادى الإيمان لرياضة المعاقين إلى أحد الدول الأجنبية للمشاركة في البطولة الدولية لكرة الهدف، وتضمن قرار الإحالة لمسؤولي الاتحاد المصري لرياضة المكفوفين كل من: "أحمد محمد عبد الله رئيس الاتحاد وأعضاء مجلس الإدارة وهم أسامة أحمد على وناصر أحمد عبد اللطيف وهشام عزت عبد العظيم، ومن مسؤولي نادي الإيمان كل من محمد يسرى محمد رئيس مجلس الإدارة وأعضاء المجلس وهم مجدى أحمد شافعي وإيهاب محمد حسن وعماد رفعت عبد التواب وحسين عبد الرحيم وأحمد حبيب السيد ويونس محمد على وفاطمة رجب عبد الكريم إضافة إلى إداري لعبة كرة الجرس بالنادي أحمد فراج هريدي"، فيما ينتظر "بياضة" وزملاؤه من المكفوفين أن تشرق أجندة الاتحاد المصري للمكفوفين عن مسابقات جديدة، تفتح لهم باب الأمل مرة أخرى.
فيديو قد يعجبك: