إعلان

مؤمن قريقع.. وقع خطاه بـ "كرسي متحرك" يُغضب "إسرائيل" (حوار)

05:57 م الثلاثاء 03 مايو 2016

 كتب- محمد مهدي:

صراخ، هدير طائرات لا يتوقف، نيران هنا وهناك، الطرقات مزدحمة، وقع خطوات الفارين من الموت في كل مكان، القصف مستعر في غزة عام 2012، أهالي المدينة يبتعدون عن مناطق القذائف والدمار، غير أن شابًا فلسطينيًا مبتور القدمين، يقود كرسي متحرك، ظهر وحيدًا، ممسكًا بكاميرته، يتقدم نحو أماكن الاشتباكات، يتوقف بين حين وآخر ملتقطًا عددا من الصور، فيما يمر من حوله الخائفين والخائفات مندهشين من شجاعته واحتماله لإصابته وتماسكه، فيما يتلو المصور الصحفي"مؤمن قريقع" على نفسه صلاة المقاومة " أردت أن أثبت للعالم أن عودتي للعمل ليست مستحيلة، وأن الاحتلال لن ينتصر علينا باستهدافنا وإصابتنا".

undefined

عودة لـ 4 سنوات مضت قبل ذلك المشهد، كان "قريقع" يتحرك على قدميه بخفة ونشاط بين عددًا من الصحفيين والمصورين، نحو معبر كارني، لتصوير البضائع العالقة هناك، وتغطية ما يجري من حصار غزة وتجويع أهلها، ومعاناتهم في شراء مستلزماتهم من الأسواق، حينما وصلوا وجدوا حشدًا كبيرًا من قوات الاحتلال الإسرائيلي، تقدم المصور الشاب أمام المعبر، أخرج كاميرته، صوبها ناحية الإسرائيليين لتسجيل فيديو قصير، موجه من التوتر سرت في المكان، نظروًا إليه والغضب يعلو ملامحهم، طائرة ظهرت فجأة في السماء "شيء طبيعي، حياة الصحفيين بغزة مهددة بالاستهداف" في لحظة أطلقت صاروخًا تجاهه "الاستهداف تم بشكل مباشر" سقط على الأرض مضرجًا في دمائه، والكاميرا بجواره.. لم يتركها.

undefined

محملا على أكتاف الأصدقاء والمسعفين، نُقل "قريقع" إلى مستشفى "الوفاء" ومنها إلى "الشفاء" للتأهيل الطبي، وُضع تحت يد الأطباء، فحصوا جسده "الحالة كانت خطر"، إصابة بالغة في القدم، وفي مناطق أخرى منه، فُتحت غرفة العمليات، وبدأت محاولات إسعافه وإنقاذه من الموت "قرروا إجراء عملية بتر لأجزاء من الجسد"، مكث بعدها في إحدى غرف العناية، قبل أن تندلع حرب غزة 2008 "صممت على تغطية الحرب رغم إصابتي.. لأنه دوري ".

دارت رحى الحرب، خِسة المحتل لا تنتهي، استهدفوا العُزل، قصفوا الشوارع المحيطة بالمستشفى، امتلأت غرفته بزملائه، هي المكان الأفضل لتغطية الحدث من منطقة عالية، كان لايزال طريح الفراش لكنه منتبهًا لكل ما يحدث من حوله، وفي إحدى المرات طلب كاميرته، تعكز على زملائه، وقف في الشرفة، رجفة سرت في جسده "قمت بالتقاط عدد من مشاهد الحرب من شرفتي"، قبل أن يُصاب مرة أخرى في الصدر والأيدي بعد استهداف مسجد الشفاء المجاور للمستشفى.

undefined

في اليوم الأول للاجتياح البري، خرج "قريقع" من غزة متجهًا إلى السعودية لتلقى الإسعافات اللازمة من خلال معبر رفح "مكثت قرابة 9 شهور" طوال فترة العلاج كانت تُشغله فكرة واحدة، كيفية العودة من جديد إلى التصوير "كنت حريص جدًا على استكمال عملي"، غير أنه تلقى رسالة من المؤسسة الصحفية التي يعمل بها برفض عودته "قالوا إنني لن أستطيع التغطية بالشكل المطلوب بسبب الإصابة" مسه الخذلان لكنه لم ييأس.

بحث "قريقع" عن حلول بديلة، تُعيده إلى مهنته التي يهواها، ويرى أنها تساعد على وصول الحقيقة إلى الناس، اتجه إلى التقاط الصور بدلًا الفيديو " لا أستطيع متابعة الأحداث بنفس طاقتي.. والصور بتوصف بشكل أكبر وأدق"، تعلم الأمر، تدرب عليه لفترة، يتواجد في الوقائع الهامة دون مظلة صحفية، يعمل بكد واجتهاد "وبتشجيع من عائلتي ومساعدة الزملاء تعاملت مع مواقع لبيع الصور للمصورين غير المنتمين لمؤسسات إعلامية".

undefined

عدة خطوات يلجأ إليها المصور الشاب قبل الذهاب لأي فاعلية "أرسم بعقلي خريطة وتفاصيل المكان، وطبيعة الصور التي يمكن التقاطها هنا"، في بداية العودة احتاج "قريقع" لرفيق يساعده على الحركة بسهولة ويسر، ومع الوقت تمكن من الاعتماد على نفسه، ينطلق وحيدًا، في أغلب الوقت، واشتهر بظهوره في الأحداث الهامة "غطيت حرب 2012، وموسم الحج في نفس العام، واتفاق المالحة 2014".

رغم تحديه لإصابته وتغلبه على عدد كبير من المصاعب، إلا أنه يحمل غصة داخله من رفض عدد من زملائه الوقوف إلى جواره "ساعدني القليل منهم"، فضلا عن عدم وجود مظلة إعلامية تسانده بعد تخلي مؤسسته عنه "أتمنى أصحاب المؤسسات يعطوا الموظفين معهم حقوقهم"، مع افتقاره لأي وسائل حماية تقيه شر الاستهداف مجددًا من قوات الاحتلال "لا بنملك خوذة أو ملابس مخصصة للآمن الشخصي".

undefined

نحو 8 سنوات مرت على حادث الإصابة، تحول حديث الناس عن قصته من الأسى إلى تداولها بدهشة وفخر، وصارت أعماله محل اهتمام الجميع، حيث عرضت في عدد من المعارض، أخرها في إيطاليا احتفاءً به "للأسف لم أتمكن من السفر بسبب الحصار"، يحاول الاحتلال وأد الأمل في قلبه، تعطيل حركته هو وزملائه من ناقلوا حقيقة ما يجري في غزة، تارة بالاستهداف وأخرى بالتضييق، لكنه يقف في وجههم بالقانون "رفعت قضية على قوات الاحتلال"، والعمل "لن أتوقف أبدًا عن التصوير"، والحِلم "أتمنى تدشين مشروع لضحايا العدو الإسرائيلي من الصحفيين، لإعادة تأهيلهم مرة أخرى وتهيئتهم للعودة".

اقرأ باقي موضوعات الملف:

حقيقة اغتيال ''مبارك'' والتعذيب.. حين كان السبق الصحفي لـ''مدونة''

حسام السكري: نقابة الصحفيين لها وقفات شجاعة.. والسلطة تحتكر كل المنابر (حوار)

''مصراوي '' يحاور أحد مؤسسي حملة ''الرقة تُذبح في صمت''

هل يضع الصحفيون في مصر رقابة على أنفسهم؟ (تقرير)

أعمال صحفية غيرت مجتمعاتها.. أثر الإعلام ''يٌرى''

سيرة أول شهيد للصحافة في الثورة.. السلطة الرابعة ''مجابتش حق ولادها''

بالفيديو والصور: إعلاميون بلا ''إعلام''.. كيف يقتل أبناء المهنة المصداقية؟ (تقرير)

وصيفات (صاحبة الجلالة) يروون لـ''مصراوي'' كواليس مغامرات كسرن فيها حاجز الخوف والخطر

إلى متى تعدم الدولة الترزي وتترك ''الحداد''؟ (مقال)

فيديو قد يعجبك: