إعلان

بالصور- مصراوي في منزل الطفل الذي هّز إيطاليا "من هنا بدأت الحكاية"

04:37 م الإثنين 29 أغسطس 2016

محرر مصراوي امام منزل الطفل

كتب- محمد مهدي:
تصوير: إسلام الشرنوبي
حكايات كثيرة، عن ذلك الطفل الذي غادر قريته الصغيرة بأقصى شمال مصر، إلى بلاد "الطليان"، عبر رحلة وعرة في البحر الأبيض المتوسط، من أجل البحث عن قَشة نجاة لشقيقه المريض، جزء منها في الصحف الإيطالية، وجزء آخر في وسائل الإعلام المصرية، بعضها لدى السفارة الإيطالية، تفاصيل منها لدى والدته، وسطور عنها في بيانات الحكومة الرسمية، روايات أشبه بقطع "بازل" لم تكتمل بَعد، مصراوي انتقل إلى منزل أحمد فؤاد مرعي "بطل لامبيدوزا" كما أُطلق عليه إعلاميا، في بلدته الجزيرة الخضراء، بعد ساعات من نقَل والدته وشقيقه إلى مستشفى الشيخ زايد بالقاهرة- التي رفضت تواصل زملاء صحفيين مع الأسرة- بحثًا عن خيوط القصة التي بدأت وجرت تفاصيلها هناك.

صورة 1

على بُعد نحو 250 كيلو من القاهرة، في أقصى نقطة بمحافظة كفر الشيخ، كانت سيارة نصف نَقل تتحرك على طريق غير ممهد داخل بلدة "الجزيرة الخضراء" بمركز مطوبس، ينشغل ركابها من أهالي المكان، بالحديث عن الطفل الذي لم يتعدَ سن الـ 13 عام "البلد كلها ملهاش سيرة غير عليه، ولسه ناقلين أمه وأخوه القاهرة عشان يتعالج" يقولها أحدهم متعجبًا من اهتمام الجميع به رغم كثرة سَفر أبناء المنطقة إلى ايطاليا بطرق غير شرعية "فيه ناس بتطلع ياما، وكلهم بقوا بيتعلموا هناك وبيشتغلوا ومعيشين أهلهم عيشة حلوة"، يقاطعه آخر "بس الواد دا غلبان، سافر عشان ينقذ أخوه من الموت عشان تعبان"، يَبتر الحديث نداء السائق "اللي عايز ينزل عند العصارة".. هنا يقطن الطفل الشجاع.

صورة 2

في شارع العصارة، بجوار مدرسة النيل الابتدائية، يجلس "عبدالعزيز" عم الطفل بدكان صغير بمنزل أسرة أحمد، ملامح الرجل مُتعبة، يتحرك ببطء داخل جلبابه البسيط، كلماته قليلة بطيئة بفِعل المرض "أحمد طول عُمره راجل، بيطلع يصطاد ويساعد أمه وأخواته" كان الطفل رغم صِغر سنه، يشعر بمسوؤلية كبيرة تجاه أسرته، والده الأربعيني مريض، يقضي ساعات الليل في حراسة ورشة للطوب، وساعات النهار في النوم من شدة الإرهاق "الرزق على القَد"، فيما ينشغل الابن الأكبر في البحث عن وسيلة لكسب قوت يومه.

صورة 3

كان الصبي متفوقًا في دراسته، كما يقول صديقه المقُرب "أحمد"، يذهب في الصباح الباكر إلى مدرسته الإعدادية القريبة من المنزل، ثم يعود سريعًا بعد انتهاء اليوم الدراسي، ينام حتى المغيب قبل أن يستيقظ لينطلق إلى عمله "بيطلع مع الزَريعة يسرحوا في الميه ويصطادوا"، الحصيلة بعد ساعات طويلة من العمل، عدد كبير من السمك الصغير، يضعونه في أكواب، ثم يقومون ببيعه للأهالي "بيجيله عشرة عشرين جنيه في اليوم"، ينطلق بهم إلى أمه، يُعطيها لها كمساعدة في شؤون البيت وعلاج شقيقه الأوسط "أشرف" الذي يعاني من نقص في صفائح الدم، يضيف عمه: "دا مرض وراثة، عند أبوه وعمامه الاتنين.. وأحمد كان نفسه أخوه يخف وميتعبش تاني".

رفيقان لا يفترقا أبدًا، "أحمد" وشقيقه المريض ذو الـ9 أعوام "أشرف تعبان من وهو عنده سنتين، وأمه بتجري عليه في المستشفيات"، في كل مكان تذهب الأم إليه بحثًا عن دواء يشفي العليل، كان الابن الأكبر يحمل أخيه، يُنهي الأوراق اللازمة لعلاجه، يسافر دائمًا برفقتهما، يهرول معها في طرقات مستشفى الشاطبي بالإسكندرية "كانوا بيعالجوه ببلاش، بيدوله حقن كل أسبوع أو أسبوعين"، مشاوير لا تنتهي ولا تُسفر عن علاج نهائي للمريض، لكن "أحمد" لا يكل ولا يمل "روحه كانت في أخوه" حتى أنه قام بتنفيذ "مرجيحة" حديدية أمام البيت من أجل الترفيه عن شقيقه المريض.

صورة 4

عُرف عن "بطل لامبيدوزا" الصمت الدائم، لا يحكي كثيرًا، يُفكر طوال الوقت في تحسين معيشتهم "أوقات جنب الدراسة والصيد كان يطلع يشتغل باليومية في الغيطان"، لم يُسمع له صوت يشتكي، أو زفرة غضب من المسؤولية المُحملة على عاتقه،لم يُبدِ طموحا في السفر إلى ايطاليا مثل شباب قريته "كان بيحب البلد وصحابه ومبيفكرش يمشي من هنا"، يقولها شقيقه الأصغر "خالد"- الذي يرافق خاله في الدكان الصغير- لكن الأمور انقلبت رأسًا على عقب عندما استيقظت عائلته في بداية الشهر الحالي-أغسطس- على قلق غيابه لأيام طويلة دون معرفة مكانه.

لا يزال شقيقه الصغير يتذكر ليلة "أحمد" الأخيرة في الجزيرة الخضراء قبل سَفره "قالنا أنا طالع اسرح مع صحابي في البحر وجاي على طول"، عند الظهيرة قَبل والدته، احتضن أخوته، دون كلمات وداع، أو تمهيد لخطته، غادر المنزل حاملًا قطعة من الجبن ورغفين عيش، كطعام له في رحلته "مرداش ياخد أكل كتير عشان منعرفش إنه مسافر في مكان بعيد"، واعدًا إياهم بالعودة سريعًا، مضى يوم، وآخر، نهش الخوف قلب الأم لكنها تمسكت، في اليوم الثالث لم تسطع صبرا، انطلقت برفقة "خالد" للبحث عن أية أخبار عن ابنها الأكبر "روحنا سألنا صحابه والناس اللي بيشتغل معاهم، موصلناش لحاجة" يلفظها بينما ينظر بأسى لصورة تجمعه بأخيه.

صورة-5

عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، رأى "إبراهيم إبراهيم أحمد" خال الطفل، صور متداولة له من ظهره "مكنتش متأكد وقتها إنه أحمد"، لم يكن يعلم بغياب الطفل وقلق أمه، اتصل بالمنزل لكبح جماح الخوف داخله "اختي قالتلي دا بقاله 4 أيام غايب ومسمعناش عنه حاجة"، مرر لها ما شاهده على الإنترنت، بدأت الأمور تتضح للأسرة، قبل أن تتلقى الأم اتصالا هاتفيا من السفارة الإيطالية يؤكد سَفر نجلها إلى هناك "قالولها أحمد عندنا وعايزين ابنك المريض عشان نعالجه عندنا" أخبرتهم بأنه يتلقى العلاج من مستشفى الشاطبي بالفعل "بلغوها إن عندهم علاج نهائي للولد"، هنا تغير موقفها من السفارة.

كيف سافر "أحمد" إلى ايطاليا؟ هذا السؤال الذي شَغل أسرته، تلقوا إجابته من ابنهم الأكبر في مكالمة من لامبيدوزا، في جِنح الليل، استقل الطفل مركب خشبي كبير برفقة العشرات من المسافرين "قالنا كان فيه عدد ياما"، شقوا البحر في طريقهم إلى الجانب الآخر "كان عنده رغبة إنه يشتغل عشان يبعت فلوس لوالدته وعلاج أخوه"، استغرقوا ساعات في الابحار، الظلام دامس، الأمواج متلاطمة، الخوف يعلو ملامح البعض، نظرات شاخصة تجاه السماء تبتهل للوصول إلى البَر، قبل أن تظهر قوات الإنقاذ الايطالية، اقتربت منهم، نقلوهم سريعًا إلى الشاطيء، قاموا بتنظيفهم وتوفير ملابس جديدة "وفيه دكتور وهو بيكشف على أحمد شاف صورة الكارنيه الصحي بتاع أخوه"، سألوا عن سر اصطحابه لهذه الورقة، تعرفوا على حكاية مرض شقيقه، ثم دارت العجلة تجاه مساعدته وعلاج المريض.

صورة 6

"بياخدوا على النَفر في المركب يجي 10 تلاف، بس ساعات بيأخدوا العيال الغلابة من غير فلوس"، يقولها مصطفى، أحد جيران "أحمد"، مفسرًا كيفية حصول الطفل على المقابل المادي للسَفر "صعب الولد يوفر المبلغ دا، أنا أعرفه كويس طيب وغلبان وعيلته بسيطة"، وهو ما يؤكده خال الطفل "استنينا حد يطالبنا بفلوس سفر أحمد.. لكن محدش كلمنا". يرى الرجل الثلاثيني -جاره- أن ما فعله ابن البلدة هو "عين العَقل"، الحياة في الجزيرة الخضراء قاسية، هناك أزمات -بحسب قوله- في البنية التحتية ومصادر الرزق والرعاية الصحية "عندنا مستشفى التكامل زي قِلتها مفيهاش دكاترة.. بنضطر نركب معدية ونروح لرشيد نتعالج، واللي منلحقوش يروح في شَربة ميه".

صورة 7

في اليوم التالي لاتصال السفارة الإيطالية، أرسلوا سيارة لوالدته لنَقلها برفقة الشقيق المريض إلى القاهرة "قعدوهم في فندق، وبدأوا يخلصوا جوازات السَفر عشان يروحوا ايطاليا"، لكن الأسرة فوجئت بإعادة جوازات السَفر دون تأشيرة، وتراجع السفارة عن وعدها.يُعلق الخال "احنا بنطالب القنصلية الايطالية تعرفنا إيه الأسباب اللي خليتها تمتنع عن قرارها".

 لم تكن الأسرة تستجيب لدعوة وزير الصحة المصري للإفصاح عن أي معلومات عنهم للوصول إليهم، لأن الأسرة لم تتأكد حينذاك من كون القضية المثارة حول نجلهم "كنا نعرف منين وقتها إنه ابننا احنا.. ما ناس بتسافر ياما"، وبعد انسحاب السفارة الايطالية من المشهد، تلقت الأم اتصالا من مكتب وزير الصحة، لدعوتها للذهاب إلى القاهرة لعلاج الطفل المريض "قالتلهم معنديش مانع.. المهم يبقى كويس"، من جديد سيارة أخرى شقت طريقها إلى المنزل، لكنها في هذه المرة تابعة لوزارة الصحة "خدوها هي وابنها وجوزها وعمه وقت المغرب كدا، ووصلوا مستشفى الشيخ زايد اتناشر بليل".

صورة8

من آن إلى آخر، يتواصل خال الطفل مع شقيقته القابعة في مستشفى الشيخ زايد برفقة أسرتها، يطمئن عليها، يتأكد أن الأمور تجري بسلام "بتقول المستشفى كويسة بس ممنوع حد يدخولهم" ترفض المستشفى إدخال كافة الإعلاميين والصحفيين بحجة وجودهم في دور مخصص لمرضى الدم منعا للعدوى-وفق إبراهيم- "الصحفي اللي عايز يدخل لازم يبعقموه.. ففيه جريدة تدخل وجريدة لا".

رغم المعاملة الطيبة التي يتلقاها "أحمد" في ايطاليا، والاهتمام الصحي لشقيقه في القاهرة، إلا أن حالة من الحزن تخيم على الجزيرة الخضراء، خال الطفل يرى أن من حقهم علاج "أشرف" في الخارج "من حق امه تدورلها على أحسن حاجة"، عمه يتمنى أن يتلقى اهتمام مماثل لإنقاذ صحته المُهدرة "أنا كنت راقد الفترة الأخيرة في المستشفى تعبان"، صديقه "أحمد أخويا،  زعلان إننا مش هنتقابل"، جاره يرغب في الاهتمام بالجزيرة، وشقيقه الأصغر يقول ببراءة "نفسي أسافر زي أخويا".

صورة9

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان