مصراوي يحاور أول مصور كفيف في البارلمبياد
حوار- دعاء الفولي وإشراق أحمد:
شابٌ يعيش بمدينة ساو باولو البرازيلية، يعمل كساعي بريد، أصابته عدوى بأحد الأيام فتركته شبه فاقد للبصر، لا يرى إلا بصيص من أشكال غامضة. قصته تبدو عادية عند ذلك الحد، غير أن "جواو مايا" قرر ألا يقضي حياته قابعا داخل قلعة المرض، فخرج للعالم يلتقط صورا، تارة بالهاتف المحمول وأخرى بالكاميرا. لم يُفكر في إعاقة أو حاجز، ليصبح "مايا" أول مُصور كفيف يشارك في تغطية البارلمبياد المُقامة في ريو دي جانيرو، ويتقاسم مع اللاعبين أنظار العالم لأصحاب القدرات الخاصة.
كان "مايا" في الثامنة والعشرين من عمره حين غابت الرؤية وبقيت المحنة ثقيلة على الشاب البرازيلي. انقلبت حياته لولا مساعدة عائلته لإعادة التوازن لها -حسبما قال لمصراوي في حوار عبر البريد الإلكتروني- فزاد تمسكه بكل ما هواه بالسابق، وصارت الرياضة والتصوير الفوتوغرافي نَفسٌ يحيا به.
"قررت أكون مصور حتى أروي قصة ما يحدث". في 2008 وضع ذو الواحد والأربعين ربيعا قدمه على أعتاب مجال الصورة الفوتوغرافية، بعد أن دفعه إليه صديق له يدعي ريكاردو روجاس. لمس به الموهبة فأمده بالدعم المعنوي، وحينما أتيحت الفرصة أسس "روجاس" عام 2015 رابطة تجمع مصورين يعتمدون على الهواتف المحمولة، وصار "مايا" جزء من هذا المشروع الذي يسمى "حركة التصوير بالهواتف المحمولة " mobile photos movement (mobgraphia)"، وكان ذلك المشروع ما قاده للبارلمبياد بشكل مباشر.
البارلمبياد ليست كمثلها بالنسبة لـ"مايا". فمجرد تواجده فيها "حلم لم أدركه من قبل". لا يأبه المصور بعدم مشاركته بأي لعبة -رغم محاولته الانضمام كلاعب في رمي القرص- فنشوة النصر خالجته عقب أن أصبح أحد مُصوري الحدث الأهم على مستوى الرياضة.
ملامح بشوشة تتماهى مع سمار الوجه، حركة متأنية هنا وهنا، وابتسامة غلفت طلته.. كذلك يظهر "مايا" في ريو دي جانيرو ممسكا بكاميرته، ليلتقط ما استشعر من الصور، يتنقل بين ساحات الألعاب، تغمره سعادة يستشعرها القريبون منه "المشاركة في البارلمبياد صارت حقيقة أدركها بكل حواسي" يقول "مايا" في حواره لـ"مصراوي"، متذكرا أول صورة فوتوغرافية التقطها لأصدقائه بالمدرسة، فحينها أدرك رغبته من التصوير "كنت أريد أن اسجل اللحظات المهمة في حياتي".
التعلم جزء رئيس من حياة مصور البارلمبياد، إذ حصل على شهادته الجامعية في التاريخ، لكن عشق التصوير لم يتركه؛ ظل شغوفا بالحصول على دورات تدريبية فيه حتى قبل أن يصير مُحترفا، ولأن التعلم كان جزءا من بيئته، فقد اكتشف أن متعته الأكبر في معرفة المزيد عن فن التقاط الصور.
منذ قرر احتراف التصوير لم يواجه "مايا" شيئا أصعب على نفسه من الفكرة المستبقة بأنه لن يستطيع فعل الشيء الذي يقوم به كل الناس حتى بهواتفهم المحمولة، فقط لأنه كفيف. ورغم ما يؤلمه بالأمر غير أنه ظل متشبثا بما يسعده. لا يمل من توضيح كيف يقوم بالتصوير، فحين يمسك هاتفه المحمول، تعينه إمكانيات وتوجيهات الجهاز، تُقرب له صورة المحيط به من اللاعبين، بينما حين تلامس يداه الكاميرا الاحترافية يرتكز اعتماده على حواسه من السمع واللمس وحتى الشم وتصور الحركة، فعندما يقترب من العدّائين مثلا، يستطيع سماع دقّات قلوبهم وحركة أقدامهم-كما روى للوكالة الفرنسية- ومن ثم يلتقط الصورة بالوقت المنُاسب.
مازال "مايا" مُنبهرا بردود أفعال العالم على قصته، إذ لم يتوقع يوما أن تؤثر لتلك الدرجة "أتمنّى أن تُلهم قصتي مُتحدي الإعاقة كي يبحثوا عن أحلامهم الخاصة".
لا يأس مع حياة "جواو". أصبح المصور الكفيف عضوا في مجموعة تصوير لأشخاص بنفس حالته، يلتقطون لحظات من الزمن، ثم يضعونها في معرض يحضره أناس من كل مكان، ليروا ما أنتجته قلوبهم المتلهفة لاقتناص التفاصيل. أما "مايا" فلديه حلمٌ مُتقدٌ؛ أن يشارك في تغطية أولمبياد 2020 باليابان، أن تظل مساحة صوره تتسع، وأن يلاقي نماذج مثله لم يمنعها فقد البصر من إمساك الكاميرا.
فيديو قد يعجبك: