بالصور.. بيوت تعوم على "مياه الصرف"

كتب- محمد زكريا:

منذ 10 أيام، لم يخرج أطفال "تامر إبراهيم" من مطبخ منزله، بعد أن غمرت مياه الصرف الصحي جميع غرف شقته بالدور الأرضي، وعمت رائحتها الكريهة أرجاء شارعه بالكامل. نفس الحال بالنسبة لمعظم بيوت "عزبة لطفي" بحي المرج الجديدة بمحافظة القاهرة، بعدما أصاب الخلل منظومة الصرف الصحي بالمنطقة الشعبية، قبل ما يزيد عن 20 يومًا، أغرقت فيهما المياه أثاث معظم ساكنيها. وفي الوقت الذي طرق فيه أهالي حي المرج كل أبواب حل الأزمة، تبقى قائمة حتى اللحظة دون حل.

قبل 15 يومًا، توجهت "مدام زينب" برفقة زوجها وبناتها، إلى شقة "حماتها" بمدخل منزلهما بـ"عزبة لطفي"، أطمئنت الأسرة على صحة الجدة الستينية المريضة بالسكر والضغط. وقبل أن تعود زينب إلى شقتها بالدور الأعلى، هالها ظهور مياه على سطح السجادة التي تفترش مطبخ الجدة.

حاولت زينب تفهم الأمر "شيلنا السجاجيد والمُكت، لقينا الميه بتزيد". بعدها بدقائق تنبه الجمع لضرورة إخلاء المنزل من أثاثه. غير أن اندفاع المياه بداخل غرف الشقة بالكامل، أجهضت تحركاتهم المُتسارعة "التلاجة أتحرقت، والدولاب باش، والميه دخلت على السراير".

نفس الأمر واجهه "محمد مصطفى"، إذ أغرقت مياه الصرف غرفة الشقة التي احتفظ بداخلها على مستلزمات تخص زواج أخته الوحيدة "الغسالة والتلاجة موتورهم أتحرق، واللي نجدنا انهم جداد وفي الضمان". غير أن تجدد مياه الصرف بشكل يومي، دفع صاحب الـ23 عامًا، استئجار شقة تتكلف مبلغ 400 جنيهًا، رغم اعتياده دفع 40 جنيهًا فقط نظير التي أهلكتها مياه الصرف. في الوقت الذي يتقاضى الشاب العشريني مبلغ 1000 جنيهًا شهريًا؛ هو مصدر دخل الأسرة الوحيد بعد وفاة عائلها.

طيلة الأيام الماضية، لم تنقطع أسرة زينب، عن إزاحة المياه خارج شقة الجدة. غير أن تجدد المياه بين الحين والأخر، قضت على عزيمة جميع أفراد الأسرة "بقالنا 15 يوم بننزل في مياه الصرف المقرفة عشان نشيلها بجرادل، وهي 10 دقائق نلاقي المياه بتزيد تاني".

نفس الشئ واجهته مروة زوجة تامر منذ البداية "نبقى قاعدين نلاقي مياه، كأن الأرض فيها حنفيات". لذلك لا يستطيع الزوجين مغادرة المنزل، إلا بعد الاتفاق مع أحد الأشخاص من الخارج لتسهيل مهمة الخروج "تامر وهو رايح الشغل بينده على أخته عشان تجيبله جردل يمشي عليه، وبنتعب جامد عشان ندخل أكل للعيال في المطبخ". غير أن ذلك لم يعد كافيًا في الوقت الحالي بعد أن ارتفعت المياه عن الأرض "لدرجة أنها وقعت البياض".

أمام أحد البيوت التي أغرقتها مياه الصرف، يشترك "أسامة محمد" وأصدقاء الحي في إزاحة المياه عن مدخل أحد المنازل المُتضررة، يقول الشاب العشريني "لا عارفين ناكل ولا نشرب ولا نروح شغلنا، وعملين نشيل في مياه المجاري".

قبل 6 أيام، توجه أسامة إلى رئاسة حي المرج، لعرض المشكلة على رئيسه "عملنا شكاوي وأترميت في الدرج". بعدها بـ3 أيام "رئيس الحي نزل، وبص على البيوت الغرقانة، وقالنا ده مش شغلي ده شغل الصرف الصحي، بس أنا هساعدكم عشان أنا ابن الدايرة".

صباح الأحد الفائت، عاود أسامة لقاءه برئيس الحي "قولتله حسوا بالناس الغلابة". بعدها أرسل عصام طلبة، رئيس حي المرج، ماكينات كبيرة لشفط المياه من البالوعات الرئيسية. في الوقت الذي يرى أسامة أن "ده حل ينفع ليوم أو يومين، لكن ميحلش الأزمة" يقولها بغضب.

يتجاذب "محمد كرم" أطراف الحديث، يتحدث عن تجربته مع شركة الصرف الصحي بحي المرج الجديدة "روحنا شركة الصرف قالولنا روحوا الحي، بيشقطونا لبعض، مبقناش عارفين نروح لمين والبيوت غرقانة".

ويقول عصام طلبة، إن الحي قام بتشكيل لجنة لبحث الأزمة، قبل أن يتبادل الخطابات مع شركة الصرف الصحي. وبالفعل تم بدء العمل صباح أمس، وسيتم علاج المشكلة في القريب العاجل، بحسب حديثه لمصراوي.

الخلل الذي أصاب خط الصرف الصحي الذي يمر بـ"عزبة لطفي"، لم يصوب ضرره تجاه بيوت الأهالي وشخوصهم فقط، بل امتد إلى العاملين بشركة الصرف الصحي التابعة لحي المرج الجديدة.

يقول أحد العاملين بالشركة، إن تلك الأزمة تسببت في تعرضه لمزيد من الإهانات، من قبل أهالي العزبة، في أثناء قيامه بعمله في حراسة ماكينات شفط المياه "بس بستحمل عشان الناس غلابة ومتضررين.. ربنا يكون في عونهم" يقولها الرجل الخمسيني بأسى. بجانب قضائه مزيد من الوقت في العمل الحكومي "كنت بروح الساعة 2، دلوقتي بقيت أروح الساعة 5".

بالأمس الاثنين أرسل الحي ماكينة أخرى للمساعدة في شفط المياه من البلوعات الرئيسية، وقبل أن تمر 24 ساعة عادت المياه تغمر البيوت مرة أخرى، حسبما يحكي كرم. في الوقت الذي يتحول بكاء الجدة إلى صراخ شديد "شوفولنا طريقة، احنا هنروح فين، ملناش غير البيت ده؛ 15 نفر عيال ونسوان حطينا في كل شقانا". وتقول مروة بأسى "خايفين على الميه تكهرب عيالنا". فيما يرى أسامة أن "المسؤولين في مصر قاعدين على مكاتبهم، ومش بيتحركوا؛ عشان مش شايفنا أصلًا بني آدمين".