بالصور- 4 حكاوي من "صيد الكباري".. رميت الصنارة لأجل الهوى و"اللقمة"
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
كتب-رنا الجميعي ودعاء الفولي:
تصوير-محمد حسام الدين:
هلّت أجواء الخريف وقدم معها هوى الصيد. على كباري القاهرة يتناثر عدد من الصيادين الهواة، وهب هؤلاء يوم الإجازة لهوايتهم المفضلة، يزيحون عنهم قليلًا تعب الأسبوع، يأتون فُرادى، لا يعرفون بعضهم، لكن مع الوقت صار الكوبري أشبه بمجتمع ليلي لهم. "راحة البال" هدفهم الأسمى، وإذا غمزت الصنارة بسمكة فهي الإثارة التي تُحوّل الليل الهادئ إلى إحساس بالنصر و"أكلة في البيت".
بين كوبري "الجلاء" و"عباس" طاف مصراوي، قابل حديثي العهد بالهواية، ومن قضوا عمرهم بين جنباتها، تحدث معهم عن ذلك الشغف الذي يراه البعض مملاً، فيما يحتل جزء كبير من مساحة تسليتهم.
أبو خالد.. الصيد على الطريقة اليمنية
على طرف كوبري الجلاء أمسك أبو خالد اليمني خيط الصيد-أو ما يسميه الوتر-الساكن داخل مياه النيل، تلك كانت المرة الثانية للرجل الخمسيني في الصيد عند مياه النيل في مصر.
يهوى أبو خالد الصيد منذ صغره، تعلّمه على الطريقة اليمنية، حيث وُلد وعاش بالعاصمة عدن، يقول "في اليمن بنصطاد بالوتر وفي مصر الصيد بالصنارة". منذ عام ونصف تهدّم بيت أبو خالد خلال الحرب الدائرة منذ 2015.
الحرب لم تكن السبب في مجيء أبو خالد إلى مصر "أنا مريض بالسرطان ومكنش فيه علاج هناك". بعد ستة أشهر قضاهم أبو خالد عند أقاربه، قرر الاستقرار في القاهرة.
عمل أبو خالد في مصر بمجال المستحضرات الطبية، ومع الحياة هنا عاوده الحنين للصيد "اللي عايز يتعلم الصبر ييجي يصطاد".. يُعلق أبو خالد بابتسامة هادئة، إذ كان الخميس الماضي المرة الثانية لأبو خالد في الصيد على كوبري الجلاء.
يُنهي الرجل عمله، يذهب إلى منزله الكائن بمنطقة العجوزة، يرتاح قليلًا ثُم ينزل بصحبة وتره إلى الكوبري القريب منه، آملا في اصطياد سمك يطبخه في البيت، وهُدنة من كل الحروب الدائرة داخل عقله، فيما يشتاق أحيانًا لتذّوق السمك البحري، الذي كان يصطاده على طرف البحر الأحمر الموجود بمدينته عدن.
أحمد السوري.. الصيد "هدية"
بجانبه يقف أحمد بصحبة صنارته، قبل 3 أشهر لم يكن الشاب السوري يعرف شيئا عن الهواية سوى ما يشاهده في الأفلام، غير أن الوضع اختلف عندما أهداه صديق صنارة صيد "لقيت نفسي رايح عند النيل وقلت أجرّبها"، ما هي إلا أيام حتى أدمن الصيد.
قبل خمس سنوات جاء أحمد من موطنه "كان عمري يادوب 15 سنة"، بدأ العمل في محل حلاقة بشارع السودان بالجيزة و"مكنش عندي هواية أعملها هنا".
125 جرام من دود الأرض، وصنارة بسيطة وحقيبة بلاستيكية ومقعد؛ هي أدوات أحمد في رحلته المتكررة مرتين أسبوعيًا "لازم أجي كل إجازة أسهر من 10 بليل لسبعة الصبح وبخطف يوم في نص الأسبوع. صارت الهواية شيئًا مقدسًا مع الوقت، فيما استقر أحمد على كوبري الجلاء "لأنه الأقرب لبيتي وشغلي".
خطوات دائمة لا يحيد عنها الشاب؛ يفرد الصنارة، يُركّب الطُعم على السن الحديدي الرفيع، يُلقيها في الماء وينتظر، لا يشعر بالملل "الصيادين هنا بيسلّوا بعض"، يشير الشاب إلى أفق الكوبري المتسع، متحدثًا عن جيرانه.
عقب العاشرة ليلًا تخف الحركة على الكوبري، فيما يزدحم المكان بالصيادين "تلاقي الناس بتتكلم سوا وبتتسامر"، لكن الأمر يتخطى ذلك إلى مساعدة بعضهم البعض، بداية من معلومات متفاوتة عن الهواية، وحتى رفع السمكة مع من يحتاج، يحكي أحمد بينما يضع يده على صنارة ثانية اشتراها بعد أن شغفه الصيد.
مع الوقت "بقيت أحب الصيد عشان بجيب سمك لأهلي"، يضحك الشاب حين يتذكر أن أول سمكة اصطادها كانت "أنوم"، ووصل وزنها حوالي كيلو إلا ربع "بس دي كانت حظ المبتدئين"، إذ لم يحصل الشاب على مثلها فيما بعد إلا قليلا، بينما اصطاد أنواع متفاوتة من الأسماك "بياض.. رعاد.. وفيه نوع اسمه كركور".
لا يُرافق أحمد أحد "صحابي بيحسوا إنه شيء ممل وانا بتبسط لوحدي"، لم تتوقف محاولات الصيد عند القاهرة "روحت المنيا مرة مع صحابي وحاولت أصطاد بس هما مدونيش فرصة". يجد الشاب السوري في الصيد أنيسًا، ينسى نفسه بالساعات أمام النيل، أحيانًا يذهب للعمل بجسد مُتعب بسبب الصيد "بس بكون مبسوط ودي أهم حاجة".
أب وابن والصيد "ثالثهما"
على كوبري عباس جلس أنس، الطفل ذو الـ12 عاما، ما أن مرت دقائق حتى هلّل الطفل "جبت سمكة.. جبت سمكة"، يُخرجها الصغير بمساعدة جده، ليكتشفا أنها صغيرة الحجم، يُلقيا بها ثانية لموطنها، فيما يقول له والده حازم أحمد بسخرية "احمد ربنا يابني دة النيل مبقاش فيه سمك".
متاعب الحياة وضغوط العمل قادت أحمد إلى الكوبري القريب من منزله "من 3 أسابيع قلت لابني وحمايا نيجي نصطاد". ظن الأب الثلاثيني أنه سيذهب للصيد مرة أو اثنتين "لكن لقيت نفسي حابب آجي أكتر من مرة في الأسبوع".
العاشرة مساءً من كل خميس هو ميعاد أحمد، المدير بإحدى شركات الحديد والصلب، مع نهر النيل، لا يأتي مع ابنه ووالد زوجته فقط "أختي بتيجي وابنها". تتعامل الأسرة مع الفكرة كنزهة أكثر، لا يهتمون كثيرًا بمحصول السمك "بنمشي أول ما الطُعم يخلص أو حد فينا ينام".
"حظ المبتدئين".. أمر لا يعرفه أحمد، يتذكر بسخرية أول سمكة اصطادها "كانت صغيرة جدًا"، ظن أن ذلك مجرد بداية، لكنه فوجئ أن الثانية بنفس الحجم "بقيت أرمي السمكة من كُتر ما بيصعب عليا"، وعندما وجد السمكة الثالثة بنفس الحجم "عدّيت الناحية التانية من الكوبري ورميتها قلت يمكن النحس يتفك" قالها أحمد بضحك.
عندما اصطحب أحمد ابنه أنس للصيد "كنت عايز أعلمه الصبر شوية"، فوجئ أن صغيره أحبّ الجلسات المسائية، لكن سعادته لا يضاهيها شيء حينما يُخرج سمكة "عينه بتلمع كدة وبيحس إنه عمل حاجة مهمة"، لذا لن يتنازل أحمد عن إحضار أنس حتى في وقت الدراسة.
مازال أحمد يتحسس هوايته الجديدة، يندم على تردده في أخذ القرار "من سنين طويلة عايز أشتري صنارة وبكسّل"، يتطلع إلى التقرب من صغيره من خلال الهواية المشتركة بينهما، بينما يتندّر على حظه في الصيد "لسة مصطادتش كتير.. مستني أجمّع كيلو سمك عشان نقليه وناكله".
"بعيد عن الزحمة".. السيد "غاوي صيد"
على بُعد خطوات من أحمد، انهمك إبراهيم السيد في فحص إحدى ديدان الصيد، أحنى ظهره وقرّب رأسه من طُعم الصيد، كان يجلس بمفرده، بينما لم يهتم بأعداد الناس المترامية على ناحيتي الكوبري التي جاءت تستنشق هواء سبتمبر ليلة الخميس.
كُلّما سمح الوقت للسيد مدرس الثانوي قادته خُطاه إلى كوبري عباس، أحب الرجل الخمسيني الصيد منذ أن كان في سن العاشرة، كان كوبري عباس هو ملجأه لقُربه من بيت والده، ثُم منزله الذي يسكنه مع أسرته الصغيرة بالجيزة.
يقصد السيد هواية الصيد مع بداية الشتاء "الشمس مش بتبقى شديدة"، لا يبالي إذا غادر المكان بصحبة صيد ثمين أم لا " كفاية شوية الهوا". استطاع المُدرّس في مرات سابقة اصطياد سمك كبير الحجم "زي البياضة".
كما أحمد، يتذكر السيد كيف كان "الخير كتير" في النيل سابقًا، لم يتغير حال السمك فقط، بل البلد بأكملها في رأيه، اختفت الطبقة الوُسطى، وأصبح الجميع يتأرجح بين الغنى والفقر "عشان كدة الناس بتحاول تبسط نفسها بأي حاجة"، لذا يتمسّك بالصيد كهواية رخيصة تريحه قليلًا من متاعب الدنيا.
فيديو قد يعجبك: