لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بالصور- على جبل "الدكرور".. مصراوي يعايش احتفال "سيوة" السنوي

10:38 م الإثنين 06 نوفمبر 2017

كتب-أحمد الليثي ومحمد مهدي:

تصوير-كريم أحمد:

قبل مطلع ثمانينيات القرن الماضي، كانت سيوة مجرد واحة جميلة معزولة عن باقي مصر، لا يربطها بالعالم الخارجي والمحافظات سوى سِلك طويل ينتهي بتليفون أرضي وحيد داخل المكان، ووقتما كانت تجري أزمة على الطريق –المدق غير الممهد الموصل للواحة- كان البعض يقوم بقطع ذلك السلك؛ حتى يشعر الموجودون في مطروح أو الإسكندرية أن حدثا ما يجري في سيوة يستدعي الاطمئنان فيسارعون بالتدخل. هكذا يروي أهالي المكان للأغراب عن طبيعة الواحة التي صارت تستقبل أشكالا شتى من البشر، قدموا إليها من كافة أنحاء الجمهورية وبعض دول العالم لجبل الدكرور كي يشهدوا الاحتفال بعيد السياحة السنوي لسيوة. 

تضج الحياة فجأة في مكان يبدو مهجورا قبل أيام، "جبل الدكرور"، الذي يتوافد أهل سيوة إليه تباعا في ناموس ثابت، الكل يد واحدة. فجأة يضئ المكان بتلك النيران المشتعلة أسفل أواني ضخمة تحملها ألواح من شجر الكافور، تحوي المرق واللحم، بينما يقوم عدد من الرجال لتفتيت العيش لقطع صغيرة في "صواني" دائرية، فيما يقف أحدهم كالزنهار يحرس الأطباق من عبث الصبية "أبعدوا عشان الرمل وأكل ضيوف الله".

يسأل محمد علي القادم من القاهرة عن التجهيزات للحفل فيجيبه الشيخ عبد الرحمن الدميري، خادم الطريقة الشاذلية بسيوة خلال شهرين مضوا كانت منازل الواحة تستعد للحدث "بنجمع شيوخ القبائل وبنعين مسئول يتولى جمع التبرعات من الأهالي"، يتم جمع الأموال التي تفضي في النهاية لشراء ذبيحة أو اثنتين، فيما يُخرج كل منزل إناء كبير يمتلأ بقطع من الخبز السيوي "المجردل": "مفيش حد ما بيشاركش.. الكل غني وفقير له يد في اليوم، عشان يبقى اسمه عيد سيوة بجد".

حكايات عدة تُروى عن السبب الرئيسي للاحتفال، يقول أحد المشايخ إنه قبل أكثر من مائتي عام كانت الصراعات على أشدها بين قبائل شرق وغرب سيوة، وصل فيها سيل الدماء لقرن من الزمان قبل أن يتوقفوا ويقرروا بث السلام بين الصفوف، وهو ما تحول لاحتفال سنوي لا يتبدل منذ ذلك الوقت.

يقول الحاج علي عبد الله إن معظم الأماكن القبلية معروف لديها تلك الأنواع من الاحتفالات كما في المغرب يسمى "التزاوج": "معظم القبليات كان فيها نعرة وعنصرية لكن الكل بيخلص في النهاية إن الحل في الوئام والبعد عن المشاكل وده بيتم بصهر الأنساب والود". 

"واعلم" هي تلك الكلمة المتعارف عليها بين أبناء سيوة لبدء الاحتفال. بعد صلاة الظهر تسيطر الكلمة على الأجواء؛ ومعها تتوافد الجموع انتظارا للطعام. ينظر الأجانب بشغف للمبنى الذي تعلوه راية خضراء ممثلة للطريقة الشاذلية الصوفية، وكذا يسأل القادمون من القاهرة والإسكندرية عن جدول اليوم وطقوسه.

يتقدم شيخ الطريقة الشاذلية بسيوة المسير نحو الجبل مرتديا غطرة رأس حمراء، يوزع الأدوار المتفق عليها، لكل شيخ وأفراد قبيلته عمل مُحدد خلال الاحتفال، يهمس لأحدهم فيتجه إلى الجزء العلوي لتجهيز غُرف أعلى الجبل للمبيت "بنبات هنا 3 أيام بالتمام والكمال وكله بذكر الله" يقول الشيخ الدميري بوجه تحتله النشوة.

في الجهة المقابلة لجبل الدكروري، مساحة كبيرة تنقسم إلى جزئين؛ الأول لمن يريد افتراش الأرض، لمتابعة طقوس الاحتفال وتناول الطعام، وخلفهما الجزء الثاني، وهي مجموعة من الخيام، يجلس داخل كل خيمة مجموعة من أبناء قبائل سيوة "دا مكانّا من سنين طويلة" يقولها "عبد العزيز"، أحد الشباب بحماس. يوضح أن هناك جزء خاص بإعداد الطعام، وآخر لجلوس كبار القبيلة، وثالث للأطفال فقط، ورابع للنوم "كأنه بيت متنقل يعني".

امتيازات تلك الخيمة أنها تتيح أبناء القبائل المشاركة في الاحتفال، بالمبيت ليلة العيد وحضور طقوسه كاملة، واللجوء إليها في ساعات الشمس الحارقة، وتناول الوجبات اليومية "كل مجموعة بتجيب أكلها معاها"، والنوم في نهاية كل يوم من الاحتفال.

لنحو خمسين عاما لا يترك الحاج حسين علي أيام الاحتفال الثلاثة، يبيت ليل نهار على الجبل وسط أهل سيوة "اتربينا على كدة وبنعلم ولادنا وأحفادنا يكملوا الفكرة". 

في طريقك إلى جبل الدكروري حيث طقوس الاحتفال، تتراص على الجانبين عدد من المحلات الخشبية الصغيرة، تُشيد على هامش الحدث السنوي الكبير "ناس من أهالي البلد وفيه اللي جاي من محافظات تانية يسترزق"، يبيعون الأطعمة وألعاب الأطفال أبرزها المسدسات والبنادق الخرز، والأيس كريم والحلوى.

يرفض أفراد القبائل توصيف ما يجري بأنه "عيد"، مشيرين إلى أن كلمة "السياحة" تعني الارتحال في الأرض طلبا في رضا الله لا مجرد التجمع للفرحة والطقس السنوي وفقط، مفضلين تعبير ما يجرى كونه "احتفال السياحة"، فيما لا يشغل الأطفال سوى حمل الألعاب والركض في بهجة وملابس زاهية، بينما يملأ وجه محمد جمال صاحب الأربعة عشر ربيعا الفرح لسبب آخر "لما ييجي العيد بيبقى الرزق عال العال" يقولها وهو يقود "تروسيكل صغير" يملكه والده. 

على مدخل الاحتفال، يقف عد من الضباط والجنود لتنظيم دخول السيارات، فيما يتعاون معهم الأطفال والحضور بتلقائية "الناس هنا طيبة ونادر ما يحصل مشكلة، ناس يوة مسالمين جدا جدا" يقولها أحد الضباط، فيما يوضح أحد شيوخ القبائل إن الأزمات يتم وأدها من المهد "سيوة مفيهاش مشاكل، واللي عنده حاجة بيروح للشيخ بتاعه يحلها".

ازدحام شديد فوق الجبل وأسفله، يطلب القائمون على الاحتفال من الجميع النزول إلى منطقة الطعام، في دوائر صغيرة يجلس الضيوف، النساء اجتمعن في ركن قصي، معظمهن من الصبايا "دي بتبقى فرصة لو في شاب هيتكلم عن بنت للخطبة بيجي يقول"، الشمس حارقة لكن الحدث يُنسيهم الإرهاق، الابتسامات تعلو الوجوه، يد تسلم أخرى الأواني الغارقة في المرق والعيش المجردل "خبز سيوي"، نحو ربع الساعة لا يمد أيهم يده للطعام "لازم الأكل يبدأ ياكل مع بعض لما اللحمة تتوزع.. صحيح هو الشكل مجرد عزومة أكل لكن المعاني اللي بنخرج منها كبيرة"، يقول الشيخ الدميري وهو منهمك في الترحاب بشيخ القبائل.

بعد هبوط قرص الشمس تبدأ تمتمات فردية في ذكر الرحمن، تعلو رويدا رويدا حتى تُكون دائرة كبيرة، ومعها تتمايل الرؤوس والأجساد "الله يا الله يا عالم بالسر السر لا يخفاه"، "بلغوّا المختار مني ألف تحية" يُدخل أحدهم طفله في الدائرة وهو يهمس في أذنه بتكرار ما يسمعه قدر المستطاع "بنعود عيالنا يحافظوا على اليوم اللي بيجمع كل الواحة على ذكر الله" يقولها فيما يعاود هز رأسه منشدا "من نال من عرفات نظرة ساعة نال السرور ونال كل مرادي.. ضحوا ضحاياهم وسال دماؤها وأنا المتيم قد نحرت فؤادي"، يقول الحاج عمر باكرين ثم يرددها أهل الواحة من خلفه.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان