حوار: "الشفافية الدولية": هذا ما تحتاجه مصر لمحاربة الفساد.. وعزل "جنينة" أثَر على مركزها
حوار- دعاء الفولي:
في الخامس والعشرين من يناير الماضي، أصدرت منظمة الشفافية الدولية تقريرها السنوي عن مؤشر مدركات الفساد، المعني بتسجيل عدد النقاط التي تحرزها 176 دولة ومصنفًا إياها في مراتب، استنادًا لمدى فساد القطاع العام في البلد.
وخلال عام 2016 سجلت مصر 34 درجة من المائة، في المؤشر، ما يعتبر تصنيفا أسوأ إذا ما قورن بـ36 درجة في العام الذي سبقه. ورغم تفاوت درجات الدول العربية، إلا أن 90 % منها حقق معدلات أقل من 50 %، عدا قطر والإمارات، واللتان لم تزد درجة أكبرهما عن 60 من المائة.
"مصراوي" أجرى حوارا هاتفيا، مع كندة حتر، المستشار الإقليمي للمنطقة العربية بمنظمة الشفافية، لمعرفة تفاصيل أكثر عن آلية الرصد في المنظمة، ومحاولاتهم المستمرة للتواجد داخل مصر بصفة رسمية، ولماذا لم تتغير أوضاع الدول العربية عقب ست سنوات من "الربيع العربي"، وكيف أحرزت تونس تقدما ولو كان بطيئا.
ما آليات الرصد التي تعتمدون عليها خلال بحثكم؟
يستند باحثونا إلى مجموعة من الأبحاث والتقييمات المعنية بالفساد، يتم تجميعها على يد مجموعة متنوعة من المؤسسات الموثوقة.
ما طبيعة تلك المؤسسات؟
مؤسسات صحفية وبحثية تعمل على قضايا واستبيانات ودراسات داخل البلدان المشمولة بالمؤشر. ولكي تدخل الدولة في نطاق عملنا يجب أن يغطيها على الأقل 3 مؤسسات لنضمن نزاهة البحث والتقييم. والمصادر المعنية بالتقييم والتي تتعاون معها منظمة الشفافية الدولية وصل عددها إلى الآن 13 مؤسسة بشكل عام، ولكن جميعها لا تُغطي دول العالم، فيتفاوت وجودها من بلد لآخر.
إذًا ما المصادر التي ترصدون من خلالها أوضاع الفساد في مصر؟
ست مؤسسات. هي منتدى الاقتصاد العالمي، البنك الدولي، مؤشر سيادة القانون التابع لبرنامج العدالة العالمي، مؤسسة برتلسمان التي تُصدر مؤشرا بالتحولات، الدليل الدولي للمخاطر بالدول والصادر عن شركة خدمات المصادر السياسية، وأخيرا تصنيفات المخاطر بالدول (نظام تقييم جلوبال انسايت).
في تحليلكم لأوضاع الدول العربية عام 2016 ذكرتم أن الثورات العربية لم تحصد نتائجها.. لماذا؟
في الدول التي شهدت تغييرا يجد المرء أن ما تم هو تغيير للشخوص وليس للمنظومة التي يترعرع فيها الفساد. ولأن مؤشر مُدركات الفساد معني بالفساد الإداري والسياسي في القطاع العام، فيجب القول إن المواطن العربي لن يشعر بأي تقدم طالما ليس لدى الدول العربية قوانين تضمن محاسبة الفاسدين، واسترداد الأموال المنهوبة "الناس مازالت تشعر أن من يصل للسلطة يستغل منصبه".
هل صار العمل في الدول العربية أفضل بالنسبة لكم عقب الثورات؟
المسألة لا تكمن في الأفضل أو الأسوأ، ولكن كان لدينا توقعات مرتفعة بسبب "الربيع العربي"، ومنها سهولة الوصول للمعلومة، غير أن الواقع لم يواكب ما تمنيناه، إذ تتقلص مصادر معلوماتنا في الدول العربية بشكل كبير.
لماذا يمثل الوصول للمعلومة عائقا في الوطن العربي سواء بالنسبة لكم أو للمواطن؟
في بعض الدول لا توجد قوانين تكفل ذلك الحق، بينما بلدان أخرى لديها قوانين لكنها غير مُفعلة كحال الأردن، الذي فيه قانون لحق الحصول على المعلومات وكذلك قانون إشهار الذمة المالية للمسؤولين إلا أن تلك القوانين منقوصة من حيث النص والتطبيق. في لبنان مثلا يُحارب البرلمان منذ عام 2009 لإصدار قانون الحصول على المعلومة، ولم يخرج للنور إلا منذ أسابيع قليلة. أما الخليج العربي فمجرد محاولة الوصول للمعلومة هُناك تُمثل التحدي الأصعب على الإطلاق، فحتى منظمات المجتمع المدني إما غير موجودة أو لا تتمتع باستقلالية تامة.
بالإضافة للقوانين.. ما الأمور الأخرى التي تساهم في الكشف عن الفساد؟
وجود المجتمع المدني وحرية الصحافة وأهمية الدور الرقابي لهما أمران أساسيان في الكشف عن مواطن الفساد، وما هو أيضا من الركائز الأساسية استقلال القضاء وسرعة التقاضي، فعلى سبيل المثال قضايا استرداد أموال بعض مسئولي الدول العربية من سويسرا أو فرنسا مازالت عالقة بسبب عدم الفصل فيها، وكل عام تجدد الحكومات الغربية الحجز على الأملاك، لكن لا يُمكنها إعادة الأموال للدولة المعنية إلا بعد صدور قرار قطعي يُدين أصحاب تلك الحسابات، وأن تضمن عودة تلك الأموال للنفع العام، حتى أن النائب العام السويسري صرّح عام 2013، بأن بلاده قدمت لنظيرتها المصرية 30 طلبا للحصول على معلومات بشأن الأموال الموجودة عندهم، حتى يمكنهم المساعدة، غير أن المياه ظلت راكدة. وبالتالي التباطؤ في محاسبة الفاسدين يقتل أي مساعي لمحاربة الفساد.
وماذا عن المعوقات التي تواجهكم خلال العمل في مصر؟
مؤسسات المجتمع المدني في مصر تُعاني من التكبيل، بينما من المفترض لها أن تكون شريكة للدولة في الرصد والمراقبة والمحاسبة والدفع بعجلة التغيير. وذلك التضييق ينسحب أيضا على الصحفيين، الذي يعانون من صعوبة نشر المعلومات والوصول لها. لذا تعذر علينا بناء فرع فاعل لنا في مصر.
إذًا هل حاولتم إنشاء مقر لكم داخل مصر؟
حاولنا مرارا قبل وبعد الثورة. ويجب القول إن إجراءات العمل داخل مصر وأي دولة عربية، تتلخص في وجود فرع يحمل اسمنا ولكن يُدار من قبل منظمات مستقلة تدرا محليا، وتتمتع باستقلالية مالية، وقد بدأنا بالفعل في إجراءات إنشاء الفرع في العام الماضي، وتم تسجيل منظمة مستقلة بوزارة التضامن الاجتماعي من قبل مجموعة فاعلة من النشطاء، ولكن تم رفض التمويل المُقدم منّا للمنظمة المصرية، فتوقف كل شيء.
هل ثمة دول عربية ترصدون فيها التحسن فيما يتعلق بمكافحة الفساد؟
تونس هي الأكثر تقدما بين أداء البلدان العربية. صحيح أن التحسن طفيف ولكنه يبقى قائما. ربما أكثر ما يجعلنا نلمس تقدم تونس هو قابلية المجتمع والجهات المختلفة هُناك للعمل، فثمة تعددية واختلاف يسمح لحد جيد بالمراقبة والمحاسبة، كما أن المجتمع المدني دوره فعّال "ويقف بالمرصاد لأي خطأ"، والأحزاب ليست أحادية الاتجاه بالإضافة إلى تطبيق فعلي لقانون حق الحصول على المعلومة. في تونس يرفض الناس العودة للوراء من خلال التحدث عن الفساد والإبلاغ عنه.
هل تواصلت معكم الحكومة المصرية بشأن تقاريركم السنوية عن الفساد؟
للأسف لا، وكنّا نتمنى حدوث ذلك. ففي المقابل هناك دول عربية تطلب مقابلتنا أو استشارتنا فيما يتعلق بمكافحة الفساد، فمثلا نقوم بتقديم النصح فيما يتعلق بالاستراتيجيات الوطنية لمكافحة الفساد أو في القوانين المطروحة لتعزيز الشفافية حيث لدينا خبراء يمكن أن يمدوا يد العون في صياغة قوانين ذات مستويات دولية.
ما الحوادث التي أثرت في تراجع مصر على المؤشر لعام 2016؟
لا يمكن حصر الأمر في قضية واحدة، فعادة يبدأ الرصد من سبتمبر مستمرا لنفس الشهر في العام الذي يليه. ونعتمد على رأي الخبراء، فمثلا يطّلع منتدى الاقتصاد العالمي على الوضع الاقتصادي الحالي والقوانين المعمول بها، بالإضافة لرصد معدلات دفع الرشاوي من خلال التبليغ عنها وغيرها من التفاصيل، وفي النهاية نجمع درجات الخبراء في نسبة متوسطة تكون هي درجة الدولة.
ولابد القول إن عزل المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، ألقى بظلال سيئة على وضع مصر في المؤشر، خاصة وأن جميع مؤسسات المجتمع المدني المحلية والدولية انتقدت ما حدث.
بين حين وآخر يتم الكشف عن رشاوي يُدان فيها مسئولون من مصر.. هل هذا مؤشر جيد بالنسبة لكم؟
الكشف عن القضايا جيد، وخطوة على طريق الإصلاح. والسؤال هُنا؛ ماذا يحدث بعد القبض على الجاني، هل يتم محاسبته؟، هل هُناك إجراءات وقائية في المنظومة لمنع الفساد؟، هل يتم توعية المواطنين أصلا بكيفية التبليغ عن الرشاوي والفساد؟، وهل يتم حمايتهم في حال التبليغ؟ تلك هي الأسئلة التي يجب أن تظل حاضرة دائما في ذهن من يسعون للإصلاح.
إذا أمكننا تلخيص ما تحتاجه مصر لتُصبح أكثر جديّة في مكافحة الفساد.. فماذا سيكون؟
مصر وقّعت عام 2004 على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وبالتالي إذا نفذت ما هي مُلزمة به في الاتفاقية، ستصبح الأمور أفضل. إذ على الدولة كبداية تعديل قوانينها المحلية لتوائم الاتفاقية الدولية وما يعادلها من نصوص مشابهة، وتدشين قوانين لنشر الذمة المالية للمسئولين، واستحداث هيئة لمكافحة الفساد، مستقلة إداريا وماليا، كما يجب فتح المساحة مرة أخرى للمجتمع المدني والصحافة ليقوموا بدورهم؛ تلك الشروط هي مظلة عامة لما يجب أن تفعله مصر، وهي ضرورات مُلحة لتحسين الأوضاع.
فيديو قد يعجبك: