على أرض "سيتي الثاني".. عمال الحراسة يتلحفون بالستر لحماية رأس الملك
كتب - محمد زكريا:
بيوت عشوائية، سكون يتناسب مع مقابر يحتضنها حي عين شمس بالقاهرة، سُكان لا تُبالي بالحدث الذي شَغل وسائل الإعلام. وبينما انفض الصخب الذي صاحب زيارة الوزير خالد العناني للأثر، عاد للأرض المُحتضنة لـ"سيتي الثاني" هدوئها المُعتاد؛ عدد قليل من عاملي البعثة وحراس الأمن، قطع أثرية تتوزع بالأرض التي تسكنها الكلاب، أطفال يلهون على أطرافها في اعتياد يومي، فيما يجلس "سعيد فكري" على منضدة أسمنتية يشرب الشاي ويُدخن الشيشة.
رجل نحيل، يرتدي جلباب واسع، يتسائل بين الحين والآخر عن وجهة العابرين على حواف الأرض المُحتضنة للقطع الأثرية، يتحدث فكري بلهجة صعيدية عن التحاقه بالعمل لدى البعثة الأثرية المصرية الألمانية المشتركة منذ عام 1979، يسترجع ذكرياته مع العمل بالتنقيب عن الآثار داخل أراضي المحافظات المصرية المختلفة.
يعود فكري بذاكرته 12 عامًا إلى الوراء، يرشف قليلًا من كوبه الساخن، يتحدث عن التحاق البعثة بالعمل في أرض سوق الخميس بحي عين شمس منذ عام 2005، يتحدث عن اطلاعه رفقة فريق البحث على اكتشاف آثري يعود لـ"الملك رمسيس التاني"، يستطرد كلامه عن انتشال رأس التمثال قبل حوالي العام تقريبًا، قبل أن يُضيف ابن محافظة قنا بلهجة صارمة: "تمثال رمسيس ده محطوط جنبنا هنا من أكتر من سنة".
يلتقط "رامي سيد" أطراف الحديث، يتحدث مراقب الأمن المُعين من قِبل وزارة الآثار عن الإعلان الوزاري، يقتطع حديثه بطلبه لعدد من الأطفال الابتعاد عن الأثر المُكتشف، يعاود سيد حديثه سريعًا ويقول في تحدي "الكلام اللي قالته وزارة الآثار، يوم الخميس، عن اكتشاف تمثالين، مش صحيح، وهدفه البروباجندا الإعلامية والترويج لشخص الوزير".
يوافقه فكري على الفور، بينما يبتلع رشفة شاي أخيرة، يسترجع ابن محافظة قنا لحظات استقبال الوزير صباح الخميس الماضي "كان في بني آدمين ياما.. مفتشين وكبير الهيئة وكاميرات وصحفيين"، يحكي الرجل الخمسيني عن تفاجأه بالجمع الغفير "إحنا شغالين من سنين، أول مرة يحصل الضجة دي"، يُشير إلى حفرة على أطرف الأرض المُحملة بالقطع الآثرية، بينما يُتابع حديثه عن تمثال الملك سيتي الثاني الذي أُكتشف قبل أسبوعين وفق حديثه "ضخامة التمثال مع المياه الجوفية، غلبت العمال.. عشان كده كان لازم لودر".
يَحفظ فكري كوب الشاي الفارغ بداخل غرفة تتقدم الأرض الأثرية، يعود ويستكمل كلماته عن انتشال الجزء العلوي من تمثال سيتي الثاني "اللودر طلع تاج التمثال، والجسم لسه في المياه لحد دلوقتي هيطلعوه الاتنين الجاي"، لحظات تمر، يقتحم الجلسة رجل قصير القامة، يسأل عن مُراقب أمن المكان، يُدون مُفتش الآثار بعض الكلمات بداخل دفتر ورقي يحمله، يتشابك مع الحديث ويقول "المفروض يكون في شدادات، ومتخصصين يقوموا بعملية الانتشال.. مينفعش يكون الموضوع عشوائي"، يُجيبه فكري سريعًا بينما يُرجع عدم خروج كامل التمثال من الأرض إلى تحطمه في الماضي.
الساعات تمر، يزيد الكلاب المُنتشرة بمحيط الأرض من نباحهم، يستند "حسن"- اسم مستعار بجسده على حائط الغرفة، يتحدث عن الإرهاق الذي غلبه عصر الخميس الماضي، يُمسك معصم الشيشة، تُغطي الابتسامة وجهه، يمر عليه أحد ساكني حي عين شمس، ينصحه الراحة قبل حلول الاثنين القادم، فيما أغفل ابن الحي السؤال عن الاكتشاف الأثري الذي ضجت به وسائل الإعلام "إحنا في عين شمس متعودين على موضوع الآثار ده، كل يوم بنطلع تمثال" يقول ساكن عين شمس ضاحكًا.
مع حلول المغيب، يتوقف الأطفال عن لهوهم اليومي، يسود الهدوء المنطقة الشعبية، يستمر سيد في أداء مهمته، يسأل مراقب الأمن عن وجهة كل دالف صوب أرض المكان، يتحدث عن العوائق التي تواجه عمله "إحنا كنا 2 أمن في اليوم، من الخميس بالليل خلونا 5 وبنبدل مع بعض.. بس ده ميكفيش في منطقة عشوائية"، يحاول طمأنة نفسه بكلمات واثقة، يتناول أكواب الشاي مع فكري ومرافقيه، يُعبر عن مخاوف العمل المُستمرة "إحنا طول الوقت مش جاهزين نواجه أي حالات سرقة.. ربنا يستر".
فيديو قد يعجبك: