قصة 3 سيدات تحاربن السرطان و"قوانين الدولة"
كتبت– يسرا سلامة:
أجساد منكسرة بفعل السرطان، لثلاثة سيدات جمعهن المرض الخبيث، لكن أرواحهن لم تنكسر في مواجهته، تمكنوا من الانتصار إلا أن للقدر اختيار آخر بأن يعاود المرض احتلال أجسادهم ثانية عقب التعافي، ما يعرف طبيا باسم "السرطان الانتشاري"، بينما لا تسمح لهن ميزانية الدولة بالعلاج مرة أخرى على نفقتها، فيما لا تكف السيدات بالبحث عن بدائل في طريق "معافرة" المرض.
وفقا لبروتوكول تضعه المجالس الطبية التابعة لوزارة الصحة، والمانحة لصك العلاج على نفقة الدولة، فإن لكل مريض ليس تحت مظلة التأمين وغير قادر على تكاليف العلاج الحق في العلاج، لكن هذا البروتوكول له شروطا معينة، فلا تسمح للمريضات اللاتي عاد إليهن المرض بالعلاج مرة أخرى على نفقة الدولة، أو ما يسمى باسم الفرص الأخرى للمريضات لأول مرة، في الوقت الذي تشير فيه تقديرات غير رسمية بأن 20% من سيدات مصر مصابات بسرطان الثدي، وفقا لإحصاء لمنظمة الصحة العالمية.
استمع مصراوي لحكايات ثلاثة نساء في درب مقاومة المرض، فيما يطرح الأسئلة على المسؤولين من وزارة الصحة.
ردت المجالس الطبية على طلب "أسماء إبراهيم"، 30 عاما، بالعلاج على نفقة الدولة، بعبارة قاسية: "إحنا مش بنعالج اللي جالهم المرض تاني، هنعالج اللي جالهم أربع مرات؟"، بعدما هاجمها المرض في أربع جولات، فيما لجأت "دعاء مصطفى" إلى إحدى المستشفيات الخيرية لتلقي العلاج الكيميائي عقب انتشار السرطان، وتتشبث "سمر سيد" بالعمل الذي يوفر لها تأمينا صحيا يرحمها من "ذل" معاهد الأورام في الحصول على جرعة كيماوي بآلاف الجنيهات.
أسماء.. مقاومة المرض بالكوافير
وخز بالصدر الأيمن كان إشارة أسماء في عمر 21 عاما، منذ عام 2008، من طبيب بمستشفى حكومي بالإسكندرية دخلت للطريق "الدكتور عطاني علاج كيماوي وإشعاعي"، استمرت على العلاج لبضع سنوات قبل أن يهاجمها المرض مرة أخرى، تشبه مرضها بندبة صغيرة أصبحت تفترش جلد جسدها مع تلك السنوات. تعرفت من أحد الأطباء أن العلاج الكيميائي لم يكن الأنسب، وإنما العلاج الموجه.
أجرت أسماء تحليلا بالقاهرة من أجل التأكد من استجابة جسدها للعلاج الموجه، وبالفعل أكدت التحاليل ذلك، لكن العلاج لا تدعمه المجالس الطبية إلا لمن يحصلن عليه لأول مرة – بحسب عماد كاظم رئيس المجالس الطبية لمصراوي، ولا يمنح لمن حصلن على العلاج الكيميائي.
منذ عدة أعوام كانت تكلفة العلاج الموجه "الهرسبتن" 16 ألف جنيه شهريا، تقول أسماء "سافرت من الإسكندرية للقاهرة، كنت بمشي في الشمس رغم إني كنت بتعب منها، وقلت يمكن المجلس يرأف بحالتي لكن البروتوكول بيرفض اللي جاله المرض تاني".
تحمل أسماء على هاتفها الصغير صورا لجسدها إبان انتشار المرض، تحمد الله أن العلاج الموجه قلل من انتشاره وآلامه، الآن تدفع قرابة ثلث ثمن العلاج، فيما توفر التبرعات الثلثين بمساعدة أهالي الخير، تسافر إلى دمنهور كل 21 يوم للجرعة، يرتبط حصولها على الجرعة بحسب التبرعات، تردف "علاجي بيتكلف شهريا 25 ألف، وأنا عندي ولد وبنت، مين ممكن يتحمل مبلغ زي ده؟"، قبل أن تضيف بأسى "فيه حالات تانية كتير لمرض السرطان الانتشاري ومش لاقين علاج".
تعمل أسماء كوافيرة، تتحصل من عملها على تكاليف العلاج والإنفاق على طفيلها "بعمل كمان إكسسوارات عشان أوفر العلاج"، قبل انفصالها عن زوجها كانت تجد في عملها فرصة لأن تتجمل "مكنتش بحسس جوزي إني مريضة، كنت بلبس بونيه وحلقان واحط مكياج"، تضيف بعين منكسرة "إحنا كلنا حقل تجارب للدكاترة"، لكنها تجد في ولديها إياد وحنين السند الأكبر لها "هما عارفين إني محاربة مش مريضة".
ترفض أسماء أسلوب المجالس الطبية في بروتوكولها "هما حكموا علينا بالموت قبل ما يشوفوا نتيجة العلاج، الناس حوالينا بيموتوا هما كده مستنينا إحنا كمان".
في يونيو الماضي، توفت صديقة اسماء "حور سعيد"، 41 عاما، والتي كانت مصابة بالسرطان الانتشاري، لجأت وقتها بالمناشدة إلى المجالس الطبية، لتحصل على رد رسمي "الرجاء عدم إهدار وقت المجلس في إرسال طلبات غير مستوفاة، الحالة لا ينطبق عليها بروتوكول العلاج المطلوب"، الرد بات بمثابة الشبح الذي يطارد مريضات السرطان الانتشاري.
تقاوم أسماء المرض ليس بالعمل فحسب، وإنما بمحاولة التوعية لمن حولها من سيدات، أو لمريضات جدد في طريق التحدي، كانت السيدة الثلاثينية تخشى الإبر والمستشفيات، الآن تأقلمت قليلا، تلوم القرارات العقيمة والروتين بسبب حصولها على علاج غير مناسب "بس من سنتين بدات بدأت أشارك في فاعليات للمؤسسة المصرية لمحاربة سرطان الثدي، إحنا بنحارب عدو شرس".
"أنا مش عايزة أكمل مع ولادي للآخر، إحنا مش طمعانين، ممكن نخف وممكن ما نخفش، بس ممكن بالعلاج نقف على رجلينا، عشان نربي ولادنا" تردف السيدة التي انتظرت الفرج قرابة العام قبل أن تجد يد التبرعات، بعدما انتشر السرطان بعظمها ومنطقة الحوض "وقتها مكنتش بعرف ألبس هدومي". تعتبر السيدة أن محاربة السرطان الانتشاري تحدي عمرها "السرطان غيرني كتير، اتعلمت الصبر، اتعلمت قوة الإرادة والأمل، وإننا كلنا هنموت لكن السرطان بلاء واختبار، مش السرطان اللي يخليني استسلم"، لا تتوقف الأم عن الحلم "نفسي أخف وافتح مشروع، ونفسي اسافر وأمن مستقبل أولادي".
سمر.. علاج السرطان يبدأ من 10 أيتام
لا تنسى سمر أول جلسة من العلاج الكيميائي، استعدت له بارتداء فستان فرح والتصوير مع والدها "طلعت في دماغي وقتها أروح اتيليه أدور على فستان في رمضان"، فيما لم تتوقف عن مسامع المريضات أوهام الجلسة الأولى "شعرك بيقع يا حبيبتي"، فيما تبدى للمريضات فيما بعد أن تأثير كل علاج كيماوي يختلف من آن لآخر.
قبل عام من بدأت سمر الجلسات الكيميائي كانت قد عرفت عن طريق المصادفة بإصابتها بورم حميد بالصدر، لكن كدمة وقعت لها خلال التدريب بالسباحة كمدربة إنقاذ، أيقنت بها إصابتها بسرطان شديد القسوة، ورغم تأكيد الأطباء لها إنها ليست بحاجة لتدخل جراحي لإزالة الصدر "كنت في مرحلة جنان في البداية بعد ما عرفت الخبر، بعدها توكلت على الله وبدأت طريق العلاج".
عبرت سمر -من خلال فيديو صورته عبر فيسبوك- عن آلام مريضات الانتشاري، مطالبة بتوفير صندوق خاص لرعايتهم أسوةً بمرضى فيرس سي، يساهم فيه الفنانين والمشاهير والمتبرعين للخير، وأن تقدم العلاجات وفقا لألية محددة.
تقتل سمر الفراغ في حياتها بالعمل، ابتعدت منذ أربعة أشهر عن السباحة بعد وصول السرطان إلى المخ مما أثر على اتزانها، فيما تجد الخروج مع عشرة أطفال من الأيتام وسيلة للتغلب على آلام السرطان "دول بعتبرهم أولادي اللي ما خلفتهومش"، تصنع لهم فساتين لألعابهم، تستعين كذلك بإعداد حفلات حنة وأعياد ميلاد بمبالغ زهيدة، أو دورات تدريبية تطمح لها مثل المونتسوري "السرطان عدوه الرئيسي الحالة النفسية، لو النفسية كويسة نقدر نكمل ونتعايش، غير كده نتعب جدا".
"حالات مئوس منها" تصف سمر كيف يتعامل المجتمع مع مريضات "الانتشاري"، تحولت الشابة منذ أربعة أشهر إلى وظيفة إدارية بعملها، لم تعد تقوَ على السباحة، لا تزال في اشتياق لموهبتها القديمة "صعب أرجع للسباحة لإن السرطان وصل للمخ".
دعاء.. الوحش تحاربه بـ"ابتسامة"
منذ ثماني سنوات تقاوم دعاء مصطفى المرض الخبيث، الذي انتشر الآن بمنطقة الحوض والعظام، فيما لا تجد بدا من المقاومة بابتسامة أمل.
عقب عام من إصابتها بالسرطان، لم تحصل السيدة على رد حاسم عن طبيعة مرضها "خير إن شاء الله" تعليق لعدد من الأطباء، حتى تم استكمال الفحص، واضطرت كغيرها لإجراء عملية لاستئصال الثديين، لم ينته مع أثر المرض بداخل جسدها، استمرت في الحصول على العلاج الكيميائي "فيه دكتور من مستشفى خاصة رشحلي العلاج في المركز بتاعه، وعرفت إني خدت علاج مش مناسب بعدها بسنة، وإنه كان بيزنس".
على نفقتها الخاصة حصلت دعاء –الأم لطلفين زياد وإياد- على العلاج، كبدتها الرحلة مبالغ كبيرة، حتى وصل بها العلاج إلى طريق مستشفى خاصة تمنحها العلاج بثمن مخفض، دعما من أهالي الخير، لخمسة آلاف جنيه لجلسة العلاج الإشعاعي.
لا ترفض دعاء منطق المجالس الطبية في دعم مرضى السرطان لأول مرة، تضرب المثل "لو عندك ابنين واحد شاطر والتاني فاشل، هتدي دروس للناجح، لكن برضه فيه ظلم للطالب التاني"، تطرح المريضة الحل "يزودوا الميزانية، أو يعملوا صندوق زي مرضى فيرس سي، السرطان مش مرض سهل، لكن مرض لعين". عامان كاملان عاشتهما دعاء في الشفاء، قبل أن يعاود المرض كرته، عقب ثماني سنوات في محاربة المرض، ينتشر السرطان في عظم السيدة وينتشر في بعض مناطق الكبد.
في منطقة سيدي بشر بالإسكندرية، تخرج دعاء من حين لآخر إلى البحر حين يخنقها يهاجمها الاكتئاب "بعمل حاجات هبلة، ممكن آكل آيس كريم، وممكن أسعد اللي حواليا بالحاجة اللي نفسي أعملها". تمسك السيدة دموعها فيما تعلن "انفصلت أنا وجوزي بعد المرض، في الأول كان فاكرني بدلع". تتابع أن الدعم النفسي للمريضات يكاد يكون أهم من الكيميائي.
"إحنا مش بيتعبنا المرض، لكن المجتمع عقيم، بيقولنا خلاص موتوا"، تتنمى السيدة أن يتم التوعية بالمرض بدءًا من المدارس "الأطفال من الصغر لازم يعرفوا إن الست لما يجلها المرض محتاجة مساندة الناس".
الطب يفسر.. و"باب الأمل" مفتوح
يقول هشام العراقي، أستاذ علاج الأورام بطب عين شمس، والعضو باللجنة العليا للأورام، إن المجالس الطبية لا تدعم العلاج الموجه –الأغلى ثمنا- ولفئة محدودة جدا، ومنه "الهرسبتن" وغيره من العلاجات؛ لأن المجلس يحاول أن يقدم "دراسة تكلفة وتأثير"، بحسب العراقي، مضيفا "المجلس يحاول توزيع الميزانية على أكبر قدر ممكن من الناس، ولهذا يطالب الناس بتوفير صندوق لرعاية مصابي السرطان الانتشاري".
وتخضع مريضات السرطان لبروتوكول في العلاج، وبحسب عماد كاظم، مدير المجالس الطبية المتخصصة، فإن هذا البروتوكول تحدده لجنة عليا للأورام، والمكونة من أساتذة في المجال من الجامعات، وإنه ليس صحيحا أن مرضى السرطان الانتشاري لا يحصلون على العلاج، تلك الجلسة تحدد كل عامين إلى عام ونصف قائمة العلاجات التي تدخل في إطار نفقة الدولة، بحسب كاظم.
ينتقد الطبيب العراقي ما يسميه "الفكر المغلوط" في التعامل مع مرضى السرطان بأنهم "متوفين أحياء"، مضيفا "هناك أمراض كثيرة مثل السكر والقلب هي أمراض مزمنة وليس لها علاج، ولكن لكل مريض الحق في الحصول على العلاجات، طالما هناك احتمالات عالية للشفاء". ويوضح العراقي أن هدف علاج مرضى السرطان هو تسكين السرطان وألا يعود مرة أخرى لمهاجمة الجسد.
وبحسب العراقي، فإن في مصر هناك 13 حالة أورام كل ساعة، مضيفا إنه منذ خمس سنوات لم يكن هناك علاج لحوالي 70% من أمراض الأورام، مشيرا إلى أن الأمل في التوعية والوقاية، وهو ما تعمل عليه اللجنة.
وشدد العراقي على ضرورة وجود الدعم النفسي لمريضات السرطان. ويفتح أستاذ علاج الأورام باب الأمل لمريضات السرطان "اكتشفنا أن هناك 13 نوع من أورام الثدي، وهناك أنواع تعالج بالأقراص وليس العلاج الكيميائي".
"بيجربوا فينا" جملة سرت على لسان السيدات، فيما لا تتوقف الأخبار في كل فترة عن اكتشافات جديدة، وتقول دعاء "من كتر ما قالوا على علاجات جديدة ومفيش تنفيذ بقيت استنى الفعل"، فيما تتابع سمر "احنا كل يوم بنسمع حاجة، لكن مفيش شفافية في الموضوع، والأهم من تواجد العلاج إنه يكون متاح لينا، متقوليش فيه علاج بـ40 ألف في الشهر، زي عصفور على الشجرة".
فيديو قد يعجبك: