"حكايات الموت والسجن".. "مصراوي" في استراحة سائقي القطارات بمحطة مصر
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
كتبت – مها صلاح الدين ومي محمد:
رحلة قصيرة سلسة، داخل نطاق القاهرة الكبرى، بإحدى قطارات "الغلابة" المتهالكة، أعلى القضبان الحديدية الصدئة، هكذا بدت لـ "ابراهيم عبد الخالق"، سائق القطارات الأربعيني، الذي اعتاد أن يقطع مسافات طويلة على الخطين (اسكندرية - أسيوط والقاهرة - أسيوط)، حتى انقلب المشهد رأسًا على عقب.
رغم أن "إبراهيم" تلقى إشارة من برج بولاق لمراقبة القطارات سمحت له بالدخول إلى المحطة، إلا أنه فوجئ على بعد 100 متر بقطار آخر معطل بالقرب من منطقة إمبابة!! إلا أنه ومن حسن حظه تصادف أن المحطة في منطقة منحنى، وهو ما سهل مهمته الصعبة في تهدئة السرعة حتى استطاع إيقاف القطار، وتفادى الكارثة التي كانت على وشك الحدوث.
هذا المشهد وغيره من المشاهد أعادها حادثُ قطار الإسكندرية الأخير إلى ذهن السائق "إبراهيم"، الذى يفزعه هاجس دخول السجن، ويفضل عليه الموت، قائلا: "لو مت مش مشكلة، أنا الموت عندي أهون ما أخش السجن".
"مصراوي" حرص على زيارة استراحة سائقي القطارات في محطة مصر، للاستماع إلى شكواهم وأنِينهم، باعتبارهم، حسب وصفهم، "الحيطة المايلة" في منظومة السكة الحديد، فهم من يتحملون كل فشل ويدفعون الثمن إما الموت أو السجن.
في المبنى الأصفر المكون من طابقين المخصص لاستراحة السائقين، والواقع في المنتصف بين قضبان الوجه القبلي والبحري داخل محطة مصر، تضطرم النيران بقلوب قائدي القطارات فى ساعات راحتهم القليلة قبل قيادتهم الرحلات التي لا يعرفون ماذا ستكون نهايتها، وهو ما عبروا عنه في حديثهم لـ "مصراوي".
"إبراهيم": السائق دائما في وش المدفع ومعظم الجرارات بها أعطال "إحنا من زمان حاسين بخنقة.. ورابطين حولين رقبتنا حبل المشنقة" هكذا بدأ "إبراهيم" حديثه الغاضب، فهم من يدفعون ثمن "الحالة البائسة التي وصلت إليه السكك الحديدية منذ سنوات، بداية من القضبان، وحتى الإشارات"، مؤكدا أنه على الرغم من أن جميع المهن بمنظومة القطارات مثل السبحة التي إذا انفرطت إحدى حباتها، تسرسب العقد كله، إلا أن السائق دائما ما يكون أمام فوهة المدفع، عند حدوث الكارثة - على حد قوله.
وحسبما يكشف "إبراهيم" فإن معظم الجرارات التي تقود القطارات تكون بها أعطال، ومع ذلك يجبر السائق على الانطلاق بها، حتى لا يتعرض للجزاء أو الخصم، إذا رفض التحرك واستبدله مسئول التشغيل بسائق آخر، ليتهم هو في النهاية بتعطيل حركة القطارات!.
ومع أن تقريرًا صدر عن المعهد القومي للنقل عام 2015، بأن 60% من جرارات السكك الحديدية تحتاج إلى صيانة، إلا أن "إبراهيم" لا يستطيع رفض التحرك بالجرار المعطل، وكيف يتحمل الخصومات والجزاءات، وراتبه السائق، حسب قوله، لا يتعدى الثلاثة آلاف جنيه، ما يضطره للعمل في غير أوقات العمل الرسمية بـ "طابونة خبز" حتى يستطيع إطعام أسرته، في الوقت الذي يتقاضى 38 جنيها بدلا عن كل رحلة، من المفترض أن تسد رمقه لليلة كاملة أثناء طريقه!.
"العطشجى" مات بـ "طوبة" أحد الركاب بسبب التأخر ويشير "إبراهيم" إلى أنه حتى لو وصل القطار إلى محطته الأخيرة، فإنهم لا يسلمون أيضا، فالأعطال والإشارات التالفة والمزلقانات تجبر السائقين على التأخر، ما يثير حنق الركاب، ويتركهم ومساعديهم فريسة غضب الموطنين.
ويروى "إبراهيم" واقعة مؤسفة، ففي إحدى المرات تأخرت الرحلة، وهو "نازل من قطر أبو النمرس واحد حدف طوبة عالإزاز، ما تسبب في مقتل "العطشجي" (مساعده) ومحدش سأل فيهم".
سيد عبد العال: "شعرنا طقطق من الخضة"
على مدار 32 عامًا من الخدمة في السكك الحديد، يظل مزلقان قليوب هو الفزاعة الكبرى لسيد عبد العال، فبالرغم من وجود عدسة تكشف لعامل المزلقان قدوم القطار، إلا أنه لا يغلقه، ليفاجأ السائق بأنه لا يبتعد عن السيارات بأقل من 5 أمتار، ويتساءل بفزع: "أتفاداها إزاي وأنا سرعتي معدية الـ 100؟".
في هذا الموقف، وفى ظل غياب أي وسيلة للحماية، يضطر سيد عبد العال لتهدئة السرعة وإطلاق سارينة القطار بشكل متصل، إلا أن كلَّ ذلك لا يضمن عادة النجاة، ليظل قلب السائق متوقفًا لدى مروره من المزلقان، أو كما يقول: "إحنا شعرنا طقطق أبيض بسبب الخضة".
ولا يحصر السائق الأربعيني الأشيب، المشكلات التي تواجهه في المزلقانات، فنظام الجرارات بكامله بات غير صالح، حسب قوله.
ويتابع "سيد": "الجرارات سليمة على الورق فقط، وليست لها أي قطع غيار، وعند الحاجة نستبدل القطع التالفة بقع أخرى أقل تلفا من قطارات قديمة".
وعن شعوره وهو يقود رحلة بقطار يعرف أن جراره به أعطال، يقول "سيد" الأب لـ 7 أبناء، إنه يشعر طوال زمن التقاطر بأنه واقع بين سندان الموت و السجن المنتظر.
"مصطفى": رأيت المواطنين معلقين كالذبائح
في قويسا منذ أكثر من 20 عامًا، حسبما يروى "مصطفى محمد" مساعد سائق، اندفع القطار القادم من الصعيد في طريقه عبر المزلقان المفتوح بأقصى سرعة، وفى برهة من الزمن لم ترف بها عين السائق ومساعده، وجدوا حافلة ومستقليها، معلقين كالذبائح على جرار القطار.
تجف دماء "مصطفى"، وهو يتذكر معنا جالسا أعلى الطاولة المستطيلة بإحدى الغرف الصغيرة باستراحة السائقين، الحادث الذي تسبب في دخوله السجن هو والسائق، حتى تبين أن عامل المزلقان هو المذنب، وثبتت براءتهما.
ويشير "مصطفى" إلى أن نسبة كبيرة من الحوادث تكون بسبب عدم وجود تواصل بين السائقين والمزلقانات، حيث يكون التواصل مع أبراج مراقبة الطرق التابعة للمحطة، وهي من يسمح للقطارات بالدخول.
وكشف مساعد السائق أنه سبق وطرح عددًا من الحلول للأزمات التي تواجههم وهم يقودون القطارات، وعرضها على 3 وزراء، إلا أنه لم يلتفت لها أحد، كما طلب في إحدى المرات لجنة فنية تصحبه في رحلاته بقطار النوم، وهو ما حدث، وخرجت اللجنة بورقتين من التوصيات، لم يبت فيها حتى الآن.
"عواد": الركاب انهالوا عليَّ بالضرب واتخصم لى 7 أيام!
على خَطَّي السويس وبورسعيد، تتأرجح القطارات بسبب تهالك القضبان، ما يدفع السائق عواد محمد لتهدئة السرعة، ليتأخر على موعد الوصول، مثيرا بذلك غضب الموطنين، حتى إنه في الرحلة الأخيرة، انهال الركاب عليه بالضرب والسباب، كما خضع لتحقيق وخصمت منه 7 أيام!.
ويتمنى "عواد" أن تخرج معه لجنة وزارية، لمعاينة الخطين، ومرافقته في الرحلة بداية من الورشة، وحتى نهايتها، ليستطيع استراد حقه، وليطَّلع المسئولون على حجم المعاناة التي يتحملونها.
ويرى "عواد" نفسه وزملاءه ماثلين أمام جهات التحقيق بنفس التهم الذي يمثل بها الآن سائق حادث قطار الإسكندرية الأخير الذى اصطدم بالقطار المتعطل، بسبب "تعطل السيمافورات"، التي تعد بمثابة إشارة مرور للقطارات، وتكون مكونة من عامود معدني، وثلاث إضاءات، هي الأحمر والأصفر والأخضر، ومهمتها تنظيم حركة القطارات، حيث لا يمكن أن يتجاوز القطار في مسيرته 3 سمفورات بينه وبين القطار السابق، وهو نظام يدعى "التقاطر الكهربائي"، بحسب توضيح السائق.
ويشير "عواد" إلى أن السمفورات عادة ما تكون معطلة، ولا تخضع لأي صيانة، وهو ما يجبر السائقين على اتباع نظام "خلو السكك"، عبر انتظار إشارة أبراج المراقبة بالمحطات، وهو ما لا يعطى الحماية الكاملة، وينتج عنه الحوادث.
وأعرب السائق عن أمله في أن تنتهى الهيئة العامة للسكك الحديدية، وفق المعلن، من إحلال وتجديد منظومة "الإشارات الكهربائية"، في ديسمبر القادم بميزانية تقدر بـ 5 ملايين جنيه.
رائحة شياط في قطار دمياط ينتهى "خدمة" عدم أحمد يتذكر "عم أحمد" بمنتهى الأسى اليوم الذى كان يقود فيه القطار القادم من محافظة دمياط، واشتم رائحة "شياط" عبأت الجرار، وبنظره للخلف فوجئ بحريق بنظارة الموتور.
لم يستطع "عم أحمد" يومها الوقوف بالقطار، وملأ رداءه بالرمال، حتى يستطيع إطفاء النيران، إلا أن أرضية الجرار المليئة بالزيت عرقلت طريقه، فسقط على الأرض وانكسر ضهره، وتحول إلى ملاحظ بالقطارات، لا يستطيع القيادة، وكل ذلك بسبب الحالة الرثة التي باتت عليها قطارات السكة الحديد.
ويبرئ "أحمد" السائقين من الاتهامات المتتالية لهم بالتسبب في حوادث القطارات، فجميعهم يخضعون لدورات تدريبية، لافتا إلى أن هناك عجزا في أعداد السائقين، يجعلهم دائما تحت ضغط.
ووفقا لهيئة السكك الحديدية، فإن 32% من حوادث القطارات تعود للعبور الخاطئ من المزلقانات غير الرسمية، و28.3% تكون نتيجة اقتحام بعض السيارات المزلقانات وهي مغلقة، و11% نتيجة اصطدام قطارين، و18.9% بسبب خروج القطار عن القضبان.
فيديو قد يعجبك: