أزمة الطلاب السوريين في مصر .. "خريج مع إيقاف التنفيذ"
كتبت- فايزة أحمد:
صيف عام 2013. كانت الحرب الدائرة في سوريا قد بلغت ذروتها، إلى الحد الذي لم يعد الطلاب قادرين معه استكمال دراستهم هناك، فما كان من الطالب "علاء الدين عرار" إلاّ أن يُحزم حقائبه متخذًا قراره بالرحيل، متجها صوب مصر، حيث التحق بجامعة الإسكندرية التي درس بها القانون، ساعده في ذلك قرار الرئيس السابق عدلي منصور، الذي نص على معاملة الطلاب السوريين أسوة بالطلاب المصريين، وذلك خلال شهر مارس من العام نفسه.
كارنية النقابة ممنوع
عقب أربع سنوات بالتمام من دراسة الحقوق، وجد "عرار" نفسه عاجزًا عن ممارسة مهنة المحاماة في مصر؛ نظرًا لعدم حصوله على كارنية النقابة المقتصر على المصريين دون غيرهم "عم يطلبوا جنسية مصرية".
في تلك الأثناء، كان الطالب "هيثم موسى" الذي تخرج هذا العام في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، يتردد باستمرار على نقابة المحاميين؛ محاولًا معرفة أسباب عدم حصوله على تصريح مزاولة العمل كبديل لكارنية النقابة "مع الأسف ما حدا يعطيك جواب ولا هما عارفين شو السبب".
المحامي طارق العوضي، قال لـ"مصراوي"، إن أسباب عدم حصول الطلاب السوريين الذين أتموا دراسة الحقوق في مصر على كارنية نقابة أو تصريح عمل، ترجع إلى أن القانون المصري يحذُر على الطلاب الأجانب أو الحاصلين على الجنسية مزاولة مهنة المحاماة داخل البلاد.
تيقن "موسى" و"عرار" اللذان ضيعا -بحسب وصفهما- أربع سنوات من عمرهما في دراسة القانون المصري، أنهما باتا من الصعب عليهما مزاولة مهنة المحاماة في "أم الدنيا"، فما كان منهما إلاّ أن يتخذا طريقًا واحدًا؛ وهو العمل خارج مجال الحقوق.
العمل خارج مجال الحقوق
لدى كل منهما أسبابه للعمل؛ فـ "موسى" اضُطر للعمل في حفر الآبار، لتحصيل المال اللازم الذي يستطيع من خلاله إتمام دراساته العليا، لاسيما وأنه سيُعامل خلال هذه المرحلة كطالب أجنبي مُطالب بدفع مصاريف باهظة الثمن.
كان رئيس جامعة القاهرة السابق، الدكتور جابر جاد نصار، أصدر قرارًا إداريًا نص على إعادة تفسير قرار رئيس الجمهورية السابق الخاص بالطلاب السوريين، ليطبق فقط على المرحلة الجامعية الأولى دون مرحلة الدراسات العليا، وذلك مطلع شهر أبريل من العام ذاته.
بينما "عرار" الذي يعمل حاليًا محاسبا في أحد المطاعم السورية بالإسكندرية، يحاول توفير الأموال اللازمة للسفر لإحدى الدول الأوروبية؛ عله يستطيع أن يزاول هذه المهنة هناك، إذ يدرك أن الطريق إلى الخارج ليس مُمهدًا كما يُمني نفسه طيلة الوقت "بعض البلدان ما بتعترف بالشهادة إذا ما بتحصل على تصريح مزاولة المهنة.. والحل لهذه المشكلة بتسوى معادلة وطبعًا بتكلف مبالغ ضخمة"، الأمر الذي جعله يخشى من الاضطرار مجددًا للعمل بغير دراسته "إكمال الدراسة والاختصاص بالخارج فقط لمن يملك المال.. أما المواطن السوري العادي أو من الطبقة الوسطى لن يكون بإمكانه ذلك".
العمل الحر بديلًا للهندسة
من مدينة المنصورة في شمال شرق الدلتا، أنهى عمرو الأحمدي دراسته بكلية "الهندسة" العام الماضي، ليعزم أمره منذ أشهر عدة بالمجيء للعاصمة ، محاولا استصدار تصريحا للعمل الحر، بعدما فشلت جميع محاولاته للحصول على كارنية النقابة المتعلق بدراسته.
منذ أن آتى "الأحمدي" برفقة عائلته، من مدينة "حمص" السورية قبل أربعة أعوام لاستكمال دراسة الهندسة بجامعة المنصورة، لم يحلم بشيء سوى الانتهاء من الكلية للعمل في مجال المعمار الذي اختاره عن طيب خاطر، لكنه فوجئ بأن ذلك ليس مسموحًا له لكونه أجنبيًا، فما كان منه سوى أن يقرر الاتجاه إلى العمل الحر الذي يتطلب هو أيضًا -بلغة المصريين "موال وإجراءات وروتين".
ثمة عوائق عدة تقف حائلًا في طريق "الأحمدي" الذي تبددت فيه ملامح حلم المعمار" بدهم موافقة أمنية أولًا وشركة رسمية في أي مجال كان، وجواز سفر، وإقامة لا تقل عن سنة، وتقدم في وزارة الاستثمار"، لكنه لكي يتم الحصول على الإقامة لابد وأن يكون هناك شركة أولًا تكون بمثابة "ضامن" "معادلة صعبة التحقيق".
تسرب اليأس إلى نفس ابن مدينة حمص الذي لازال حتى الآن يفتش عن طريقة لاستصدار تصريح العمل بالشكل الذي يتناسب مع أحواله القانونية والمادية، وإلاّ "زي كتير شباب سوريين هشوف هجرة عن طريق البحر يا بعيش يا بموت".
طبيب مع إيقاف التنفيذ
وسط أحاديث الأطباء السوريين عن الهجرة الشرعية منها وغير الشرعية، دائمًا لا تميل نفس "عبد الناصر الرحال" الذي أنهى دراسة الطب منذ عامين، من جامعة القاهرة، إلى هذا المقترح الذي بات مفروضًا على معظم الأطباء المتواجدين بمصر، حيث مُنعوا من ممارسة الطب في أي من المستشفيات الحكومية أو الخاصة.
اضطر "الرحال" الذي يقبع في القاهرة منذ عام 2007، إلى العمل بمستشفيات الزمالة المصرية، عقب عجزه عن حصوله على تصريح مزاولة المهنة المؤقت الذي كانت تمنحه إياه وزارة الصحة المصرية في السابق، بموافقة أمنية لمدة ثلاثة أشهر فقط، على أن تتجدد سنويًا "طبعًا لو كنا بنحصل على كارنية النقابة أوحتى تصريح مزاولة المهنة ما كنا لجأنا لكل هذه الشغلات".
الدكتور خالد سمير، عضو مجلس نقابة الأطباء، قال لـ"مصراوي"، إن الطلاب السوريين الذين درسوا الطب في الجامعات المصرية ممنوعون من ممارسته في البلاد، بموجب قانون "المعاملة بالمثل" الذي طُبق أثناء الوحدة بين مصر وسوريا، والذي بموجبه يحذر على الأطباء السوريين العمل بمصر، كما يحذر على الأطباء المصريين العمل بسوريا.
استطاع الطبيب الذي تخصص في جراحة الأوعية، أن يحصل على الموافقة الأمنية على مدار العامين الماضيين؛ نظرًا لحرصه على تجديد إقامته كل عام، إلا أنه فوجئ بزيادة الرسوم الخاصة بها إلى الحد الذي وصلت تكلفتها (10آلاف جنيه) "طبيب سوري عايش بمصر ما بيعمل بشكل منتظم من وين بده يجيب عشرة آلاف جينه سنويًا".
الضبابية سيد الموقف
في المجال عينه، يبدأ الطالب عبد الرحمن بكري، عامه الأخير بجامعة عين شمس، وذهنه منشغل بـ"ماذا بعد التخرج".. أفكار عدة تدور في رأسه، خوفًا من مصير باقي أطباء بلده بمصر.
منذ أن قرر "بكري" الانتقال من جامعة دمشق إلى مصر، لم تتركه أسرته يغادر وحيدًا؛ خوفًا من وحشة الغربة، وهو ما يجعله لا يحبذ المقترح المفروض أمام أعين السوريين طيلة الوقت، وهو السفر.
العوائق التي تهدد مصير طلاب الطب السوريين لم تتوقف عند ما بعد التخرج، بل امتدت إلى السنة الأخيرة بالدراسة " تعتبر سنة الامتياز بعد التخرج، وبيتعامل الطالب السوري كالطالب الأجنبي وبيدفع رسوم تصل لحوالي 3000 دولار.. ده مبلغ كبير بالنسبة للسوري اللي عايش هو وعائلته في مصر وممكن يمنعه من إكمال دراسته".
بالرغم من ابن مدينة "دمشق"، يدرك حجم ما قدمته لهم الحكومة المصرية من تسهيلات خلال المرحلة الأولى من الدراسة الجامعية، إلاّ أن الضبابية تحيط به من كل جانب، إلى الحد الذي تجعله "قد اضطر للعمل بغير مهنة الطب بسبب صعوبة الحصول على تصريح أو عمل خارج مصر".
فيديو قد يعجبك: