لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

أقباط العريش النازحون للجيزة.. حكايات من قلب المعاناة

06:08 م الأربعاء 02 أغسطس 2017

كتبت- فايزة أحمد:

تصوير- روجيه أنيس:

بينما يجلس "إيليا سمعان" -اسم مستعار- أمام النيل الأحد من كل أسبوع، يسترجع ذكريات منزله الذي يطل على البحر وأصدقائه وأرضه وزملائه في العمل، الذين تركهم وراء ظهره، نهاية فبراير من العام الجاري، في أعقاب تعرضه ضمن كثيرين ممن يحملون الديانة نفسها لتهديداتٍ بالذبح من قِبل من يُطلقون على أنفسهم "ولاية سيناء" التابع لتنظيم "داعش".

كان العشرات من الأقباط القابعين بمحافظة شمال سيناء، نزحوا نهاية شهر فبراير الماضي، إلى محافظات عدة، عقب تكرار حالات قتل ذويهم على أيدى الجماعات التكفيرية هناك.

معاناة في الجيزة

"الحياة هنا بالمقارنة بالعريش لا تُطاق.. أنتم أزاي مستحملين العيشة هنا!".. بهذه الكلمات بدأ "سمعان" حديثه ساردًا تفاصيل معاناته داخل محافظة الجيزة التي كانت قبلته الأولى عقب إجباره تحت تهديد السلاح على ترك بلده، حيث القتل على الهوية.

منذ مطلع شهر مارس الماضي، حل "سمعان" برفقة زوجته ووالديه على محافظة الجيزة، ليبدأوا رحلة العناء الكبيرة في البحث عن مسكن وعمل "محافظ الجيزة رحب بينا، وأجرنا شقة هنا بمبلغ تكّفل به"، قَنَع بمسكنه الجديد بالرغم من ضيقه "قولت مش مهم.. أنا عاوز أبعد عن المشاكل وأعلم ولادي وبس".

الانعزال بسبب الهوية

ما أن يكشف "سمعان" عن هويته لأيّ من جيرانه، إلاّ وسرعان ما يتجنبونه "الناس بتبص للي جايين من العريش دول على أنهم داعش"، الأمر الذي جعله ينعزل بأسرته بعيدًا؛ حتى لا يتعرض لما وصفه بـ"الإهانات" التي يتلقاها يوميًا "صاحب البيت عايرني لما حب يخرجني من السكن ورفضت.. قالي انتوا مطاريد هنا ومالكوش حد".

حتى اليوم يعجز "سمعان" على العودة إلى موطنه؛ للانتهاء من بعض الأوراق الخاصة بنقل محل عمله إلى الجيزة، نظرًا لتربص هذه الجماعات بجميع المسيحيين الذين نزحوا، الأمر الذي جعله يبدأ في عملٍ مؤقتٍ طيلة الأسبوع، مما يجعله غير قادرٍ على رؤية والديه الذين ضاق بهما الحال في هذه المحافظة الغريبة، وهو ما يجعله يشعر بالحنق الشديد "ولادي بقوا يقولوا عاوزين نرجع يا بابا بيتنا وحشنا.. مببقاش عارف أرد عليهم".

هناك العديد من المواقف الغريبة التي تعرضت لها زوجة الموظف الحكومي منذ أن غادرت بيتها "مفيش أكتر من أن ولادي يبقوا محرومين ينزلوا الشارع ويلعبوا" تلك العادة التي ألفها الطفلان اللذان اعتادا الذهاب إلى الشاطئ القريب من منزلهما برفقة أصدقائهما، ليلهوا.

برلماني يتدخل من أجل الكرة

تروي السيدة التي تبلغ من العمر(35عامًا) أن طفليها قررا أخذ الكرة ليلهوا في الشارع، إلاّ أن أحد السكان أخذ الكرة واقسم ألاّ يعيدها لهما بحجة ما أحدثاه من إزعاج، حتى تدخل أحد نواب البرلمان لإعادتها، وبالرغم من صعوبة وضعهم إلاّ أن المعلم وزوجه دائمًا يعبران عنه بسخرية شديدة "دا أبسط حاجة.. وبعدها أهل شارع فكرونا مخبرين.. فاحنا مش عارفين إحنا داعش ولا مخبرين!".

يشعر الزوجان أنهما منذ أن نزحا من بلادهما وتناستهما الدولة التي لم توفر لهما سوى أثاث للشقة من قِبل وزارة التضامن الاجتماعي، التي صرفت لهما معاشًا شهر واحد فقط تبلغ قيمته (300جنيه)، يعلق الرجل الأربعيني ساخرًا "تمخض الجبل فولد فأرًا".

لم يكن "إيليا سمعان" الوحيد الذي اتخذ من الجيزة مواطنًا جديدًا، إذ يبلغ عدد الأسر النازحة في محافظة الجيزة نحو (17أسرة فقط) معظمهم من كبار السن التقى "مصراوي" بعضهم، مثل "رزق رياض"، الذي لم يكن أحسن حالًا من سابقيه، سوى أنه شاهد منزله ومزارعه تُحرق أمام عينيه، قبل الرحيل "أرضي وبيتي ومزارعي وكل حاجة حرقوها قدام عيني"، لكنه لازال محتفظًا بصورة منزله الذي حُرق وأمدنا بها.

"مفيش تأمين صحي" 

آتى "رياض" من العريش بجسده لكن قلبه مازال هناك، بين أصدقاء العمر وذكريات الشباب، فضلًا عن رائحة البحر التي يقوم باستنشاقها كل صباح، حيث درج على تجمّيع القواقع والصدف من الشاطئ؛ ليصنع تابلوهات فنية، تلك الحرفة التي أتقنها منذ عقود، ويتوق لأن يعود إليها مرة أخرى.

يتحرق الرجل الستيني شوقًا، إلى العودة إلى منزله، حتى عزم الأمر على ذلك بالرغم من المخاطر الأمنية المحدقة به؛ بسبب تعرضه لواقعة يصفها بـ "المُهينة"، سردها بمزيد من الأسي "الأسبوع اللي فات روحت مستشفى حكومي هنا أكشف علي عيني.. لما عرفوا أني من العريش قالولي روح هناك أكشف مالكش تأمين صحي هنا"، إلاّ أن أحدًا من أصدقائه التقي به في منطقة "القنطرة" فكانت الصدمة "قالي جاي تعمل إيه هنا.. لو روحت هتتدبح.. ارجع تولع أي حاجة"، برغم الغصة المنغرسة في قلبه جنح لرأي صديقه وعاد أدراجه.

مطلب واحد

بينما "أيمن سوريال" الذي يعمل في هيئة الطرق والكباري، يعاني أحوالًا مختلفة، إذ يضطر إلى الذهاب يومًا واحدًا في الأسبوع إلى عمله في "بئر العبد"، حيث ترفض الهيئة أن تُسهل إجراءات نقله إلى محل إقامته الجديد، ما يجعله يتخلف عن الحضور باقي أيام الأسبوع.

"إحنا رفضنا نروح الإسماعيلية حتى لا نثقل على الدولة خصوصا أنهم قالوا شهرين وهترجعوا، وقولنا هنلاقي سكن.. لكن لحد دلوقتي متبهدلين" يقول "سوريال"، ما جعلهم جميعا يتفقون على مطلب واحد؛ وهو الحصول على مسكن من قِبل وزارة الإسكان.

اتفق "سوريال" برفقة الأسر الأخرى على "طلب جماعي مننا كلنا وبعتناه لوزارة الإسكان علشان تشوف لنا سكن" إلاّ أن "الوزارة لسه مردتش.. والمحافظ وفر لنا اللي قدر عليه لكن السكن مش في أيديه".

الإسكان: "إحنا مالنا!"

لكن وزارة الإسكان متمثلة في المتحدث الرسمي لديها، هاني يونس، فوجئ أثناء اتصال مع "مصراوي" بتواجد أقباط نازحين في محافظتي الجيزة والقاهرة، قائلًا:"أول مرة أعرف أن فيه أقباط نازحين في الجيزة والقاهرة".

وزارة الإسكان كل ما لديها من معلومات متعلقة بالأقباط النازحين تنحصر فقط حول المتواجدين منهم في محافظة الإسماعيلية، وفقًا لـ"يونس"، الذي استبعد أن تقوم الوزارة بمنحهم وحدات سكنية في الوقت الراهن، مرجعًا سبب ذلك إلى أن محافظة شمال سيناء لم تقم بإمدادهم بأية معلومات متعلقة بهؤلاء النازحون، معلقًا: "روحوا اسألوهم إحنا مالنا!".

العودة البديل

أصابت تلك التصريحات أقباط العريش بشعور مختلط ما بين من السخرية والحسرة "كل اللي بيحصل دا بيأكد إننا بنتعامل كمواطنين درجة تانية في بلادنا"، لكن يبقي حلًا واحدًا أمام هذه الأسر حال عدم توفير السكن المناسب لهم "هنرجع بيوتنا تاني..نموت بكرامتنا أحسن ما نعيش مذلولين".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان