في ذكرى ميلاد مؤلفها.. كيف ظهرت أول رواية مصرية للنور؟
كتبت– يسرا سلامة:
منذ أكثر من مئة عام، صدرت النسخة الأولى لرواية "زينب"، للكاتب محمد حسين هيكل، الذي تحل ذكرى مولده اليوم، حيث ولد عام 1888 بقرية كفر غنام بمحافظة الدقهلية. لم تزل "زينب" صاحبة حضور بين قراء الأدب المصري، وتفتح الباب عن حياة كاتبها الذي اتخذ مسارا مغايرا للرواية المصرية بأول عمل له.
لطبيعة عمله بالمحاماة، لم يكن لائقا آنذاك أن يكون المحامي كاتبا للشعر والقصة؛ إذ يٌرى الكاتب كنوع من التسلية والتندر، لذلك أصدر هيكل النسخة الأولى من الرواية من باريس باسم مستعار "مصري فلاح". تدور الرواية حول 5 شخصيات، زينب وحامد الشخصيتين الرئيسيتين، لم تنجح قصة حبهما ليوافق والد زينب على زواجها من حسن، أعز صديق لحامد، وتعاني البطلة حياة مأساوية، ينقلها لنا هيكل، وسط نقله كذلك للصعوبات التي يعيشها أبناء الريف، من الاستعمار والجهل والظلم.
في مقدمة رواية زينب، كتب المترجم "رحاب عكاوي" أن ضعف الخيال حال دون ظهور الرواية في الأدب العربي القديم، وكذلك اختلاف لغة الرواية عن لغة الكلام، كما أن انتشار الجهل كان سببا في عدم ازدهار هذا الفن. وفي سياق متصل، كتب هيكل نفسه أن العامل السياسي أكثر المؤثرات على ضعف فن الرواية، إذ انصرفت الأذهان عن التأمل، وانشغلت بالكفاح لكسب حقوق سياسية، ومقاومة الاستعمار.
النزعة إلى الرومانسية كانت اتجاها في الروايات المترجمة في وقت كتابة "زينب"، إذ ظهرت الرواية العاطفية المترجمة مما ينتجه الأدب الانجليزي والفرنسي، مثل ما ترجمه عيسى عبيد، ومحمود تيمور وطاهر لاشين. وظهر تيارًا آخر نزع بشدة إلى الموروث الشعبي في القصة القصيرة والشعر، ولم يعترف بالأدب. "هيكل" اختار طريقا في المنتصف، متأثرا بالأدب الفرنسي من جهة، كما ذكر بنفسه في مقدمة الكتاب، ومن جهة أخرى فيكتب ثمرة لما شهده وعايشه في الواقع الشعبي المصري، من قصة فلاحة اتخذ منها المدد لروايته الأولى.
لم تكن زينب إلا إنعكاسا لمعايشة صاحبها في مجتمعه، محبة شديدة لكل ما هو مصري، فيرى الكاتب يوسف القعيد إن هيكل طالما أرسله أهله إلى التعلم في القاهرة، في أواخر القرن التاسع عشر، فهو ليس فقيرا، إنما ابنا للطبقة المتوسطة، وعلى الرغم من ذلك فهو تأثر بعالم الحقل، بدا ذلك في عالم الرواية، لم يعبر عن طبقته، لكنه ذهب للفقراء والمعدومين، ويضيف القعيد في ندوة عن الرواية بمعرض الكتاب الأخير "يكاد يكون لدى هيكل حسا اشتراكيا".
فور صدورها، أطلقت "زينب" حولها هالة من النجاح، بحسب الناقد الأدبي شعبان يوسف، مضيفا لـ"مصراوي" أن النزعة الرومانسية جعلت الرواية مصدر جذب حتى يومنا هذا بين الشباب. يشير يوسف إلى أن الكاتب هيكل نفسه عرج إلى الرومانسية في أعمال أخرى، متأثرا بالثقافة الفرنسية، لكن "زينب" تظل صاحبة ميزة وطنية والتمجيد العالي للوطن، جذب لها عديد من القراء حتى الآن، متخذًا أسلوب سردي راقي استمده من مهنته بالصحافة بحسب الناقد الأدبي.
تفادى هيكل نقدا له عن روايته الأولى التي تحمل اسما مؤنثا، بكتابة عنوانا فرعيا "مناظر وأخلاق ريفية"، والتي تعني أن الرواية لم تكن فقط عن قصة حب، وإنما عن الجانب الاجتماعي أيضا لحياة الريف، ينعكس على مضمون الرواية، فيما يرى "شعبان" أن من يرى "زينب" هى تمثل مصر فهو نوع من "المغالاة" في تفسير الرواية، إذ تحدث هيكل بشكل صريح عن مصر بين سطور روايته، وموضحا ذلك في إهداء الرواية "إلى مصر وإلى هذه الطبيعية المتشابهة اللذيذة، إليك يا مصر ولأختي أهدي هذه الرواية من أجلك كتبتها وكانت عزائي عن الألم".
عمل هيكل بالمحاماة والصحافة، تأثر بأفكار أحمد لطفي السيد ومحمد عبده وقاسم أمين، شارك كذلك في لجنة الثلاثين التي وضعت دستور 1923، أول دستور صدر في مصر المستقلة. تولى رئاسة تحرير الجريدة الإسبوعية من حزب الأحرار الدستوريين، اختير وزيرا للمعارف وتولى رئاسة الأحزاب حتى حلها في 1952، تولى أيضاً تمثيل السعودية في التوقيع على ميثاق جامعة الدول العربية عام 1945م، كما تولى أكثر من مرة رئاسة وفد مصر في الأمم المتحدة. الطبعة الأحدث من الرواية خرجت للنور في ديسمبر 2012 عن الدار المصرية اللبنانية تحت سلسلة "كلاسيكيات".
فيديو قد يعجبك: