شريف سعيد: روايتي إنذار للختان الفرعوني.. ورد الفعل عنها "أرعبني" (حوار)
حوار- يسرا سلامة:
تصوير- علاء القصاص:
بين عصر "محمد علي" في بدايات القرن التاسع عشر وسنوات من حكم مبارك، دارت أحداث رواية "وأنا أحبك يا سَليمة" للكاتب "شريف سعيد"، الذي قال عنها: "كنت شديد التوتر لحظة إطلاق غلافها عبر مواقع التواصل عقب ستة أعوام من الكتابة"، كل هذه الأعوام التي استغرقها في روايته الأولى التي نالت إعجاب أغلب قراء موقع "جود ريدز"، والتي كشف المؤلف عن بعض كواليسها في حواره مع "مصراوي".
"وأنا أحبك يا سَليمة" التي رُسم كثير من مشاهدها في شوارع وحارات وبين جُدران بيوت الطبقة المصرية الوسطى، كل شخصية فيها دفعت من الروح والجسد أثمانا باهظة لهذه الحياة، إما بالاقتطاع المباشر ختانًا، أو بانصهار الروح حرمانا، مارةً بحزمة من الأزمات النفسية والاجتماعية والسياسية في عالم يدور حول قصر السكاكيني وسط القاهرة.
صدرت الرواية في يناير الماضي عقب ست سنوات من الكتابة.. لماذا كل هذه المُدة؟
لسببين، الأول لإنها التجربة الأولى، والثاني لأن بها أجزاء تاريخية اقترب حجمها من نصف الرواية، وبناء عليه كان عليّ العودة للعديد من المصادر التاريخية بحثًا عن التفاصيل اللازمة لحياة شخصيات الرواية.
عرضت من خلال قصة حياة "سَليمة" مأساة الختان الفرعوني.. لماذا تلك القضية؟
الختان قضية مؤرقة لأي متابع لشأن الأنثى في مصر، صدمتي الأكبر كانت فيما يُطلق عليه "الختان الفرعوني أو السوداني"، وهو أكثر قسوة ووحشية وهمجية من ختان الأنثى المتعارف عليه بـ "الختان السُني"، المفاجأة الصادمة بالنسبة لي كانت في أنه ما زال يُجرى تحت أستار الكتمان في مناطق بعيدة أقصى جنوبي مصر "داخل مصر وخارجها من جهة السودان"، كان هذا كافيا لإثارة حفيظتي وتسليط الضوء عليه من خلال سَليمة ومأساتها، حين قرر والديها ختانها فرعونيًا بعد أن بلغت سبعة عشر عامًا، وثقافة تحصين الأنثى بالختان في أوقات الحرب، وامتداد لثقافة وأد البنات ولكن بصور مختلفة.
الرواية تتعرض لأربع نساء.. هل وجدت كرجل صعوبة في الكتابة بصوت المرأة؟
قررت منذ البداية أن ابتعد في الحكي بأسلوب "الراوي العليم"، وبذلك ستتحدث كل شخصية عن الحقيقة من وجهة نظرها، هذا أكثر صعوبة في الكتابة والسرد، لإنه يتطلب التقمص الوجداني أثناء فعل الكتابة حتى تخرج الكلمات صادقًة وغير مفتعلة، بعضهم يرى ألا أحدًا يكتب عن المرأة أفضل من مرأة مثلها، وأنا أرى أن هذا ليس بالضرورة. ورد لي تعليقٌ لطيف يقول: "أنت تكتب عن الستات أحسن منهم"، أعتقد أن أي كتابة صادقة عن المرأة تنبع بالأساس من صدق التقدير لها.
وما أبرز المصادر التاريخية التي لجأت لها؟
المراجع عن الفترة التاريخية إبان عصر محمد علي، أبرزها "عصر محمد علي" لعبد الرحمن الرافعي، "مصر في عهد محمد علي" لعفاف لطفي السيد مارسو، "لمحة عامة إلى مصر" للفرنسي كلوت بك، و"كل رجال الباشا" للدكتور خالد فهمي، بالإضافة إلى ما ذُكر من سودانيين وسودانيات في مدونات إلكترونية عن المعاناة مع الختان السوداني أو الفرعوني.
وكيف أعطت لك المراجع مصدرا لإلهام الرواية؟
بالطبع؛ فعلى سبيل المثال أكدت المراجع أن الجيش الذي قام بالأفعال الوحشية في السودان لم يكن الجيش المصري الذي كون فيما بعد، بل جيش محمد علي الذي كان مكونًا من البدو والمغاربة والأرناؤوط وعناصر شتى.
بعض التعليقات ذكرت أن روايتك صادمة وقاسية جدًا.. ما رأيك؟
الواقع دومًا أكثر قسوة ووحشية بمراحل من أي رواية، القرن التاسع عشر في مصر على سبيل المثال يفيض بالحكايات المملوءة بالعار، نُصدم إذا قرأنا عنها، مثل عمليات الخصي الجماعي التي كانت تتم للذكور على يد كهنة في أسيوط.. كيف يمكن لرجال دين تنظيم هذه العمليات الوحشية؟، العبيد والإماء في أسواق القاهرة، والاطلاع الفاحص على عورات البشر للتأكد من جودة السلعة قبل التفاوض حول سعرها، كلها حقائق ذاخرة بالإثارة والقسوة والدراما المجتمعية المرتبطة بها وإن كانت في زمانها متناسقة مع السياق الثقافي العام وغير مُدهشة.
وهل اضطررت لحذف أو مراجعة أي من أجزاء الرواية لأحداثها الصادمة؟
لم تطلب مني دار النشر حذف أي جزء منها، وإن صدمتهم بعض مشاهدها، فقط باللحظات الأخيرة قبل الطبع قمت بحذف نصف مشهد "الحمام الشعبي"، كان كاشفًا للخريطة المجتمعية في مصر وقتها من خلال حكايات الجسد، لكني فضلتْ حذف نصفه تخفيفًا لجرعة الصدمة.
ولماذا عدت للقرن التاسع عشر بجانب السنوات الحديثة في أحداث الرواية؟
لسببين؛ الأول هو أن التاريخ والواقع المعيش بالنسبة لي ما هما إلا سلسلة واحدة متصلة. ثانيًا، وكأحد مواليد برج الجدي.. أنا مفتون بكل ما هو ماضي، والماضي نسبي وليس ثابتا، فحملة محمد علي ضد بلاد السودان نراها كمصريين وندرسها في كتبنا المدرسية فتحًا مبينا، في حين يراها السودانيون بكل أحداثها ومآسيها غزوًا واحتلالًا، لهذا تملكني شغف إعادة قراءة التاريخ من الأبواب الخلفية، محمد علي حاكم عظيم على أي مسطرة من مساطر القياس، لكن وبعيدًا عن إجابات السؤال التقليدي "أذكر إنجازات محمد علي من حملته على السودان؟"، حاولت مشاهدة كل ما دار من عيون أخرى كعيون سَليمة وسر الخاتم، والبحث عن إجابة مختلفة، لعلي أصل إلى وجه أخر من وجوه الحقيقة.. للحقيقة وجوه كثيرة.
بجانب الختان الفرعوني، طرحت الرواية "حزمة" من القضايا التي مرت بها مصر.. لماذا اخترت كل تلك الأزمات؟
الزمن الحديث في رواية "وأنا أحبك يا سَليمة" ما هو إلا شريحة تحت المجهر بدأت بأحداث الأمن المركزي في فبراير 1986 ولعقدين كاملين من بعد هذه الأحداث، لذا ظهرت تحت عدسته وبوضوح العديد من الأزمات الأخلاقية والاجتماعية، أكثر الملفات صعوبة في حساسيتها تمثلت في ملف مثل "الكنيسة والأمن" وقضية الراهب المشلوح، وفي النهاية الرواية لا تمثل رأيي الشخصي لكنها تمثل الشخصيات.
الرواية رصدت مشهدًا منحرفا للمجال الإعلامي.. ألم تخشى رد فعل غاضب من الوسط الإعلامي؟
على العكس.. لم أكن أتوقع كل هذا الاحتفاء بالرواية، واخترت هذا الوسط لإنه الأقرب لي، فأنا أعمل بماسبيرو منذ 17 عامًا، وصلتني مثلا مكالمات عن شخصية "عبير" وأخرى عن شخصية "سحر العزايزي" بالرواية، وسئلت "هل تقصد فلانة أو فلانة؟"، وعلى كل حال نموذج عبير أو سحر العزايزي نماذج استثنائية لا تمثل المجموع.
وهل شاهدت شخصياتك على أرض الواقع؟
وقع أمام عينيّ مثلًا حكاية مثل رُقية، تركها زوجها في اليوم السابع لشهر العسل للهجرة والعمل بالخارج، بالطبع لم تنته الحكاية مثل الرواية، لكنها لفتت انتباهي، وعن الوسط الإعلامي، فطبيعة عملي قربتني من حكايات كثيرة، ولفت نظري مثلما لفت نظر غيري أصحاب الصعود الناعم أو المفاجىء، وغالبيتهم ليسوا من الرجال، شاهدت صحفي يكتب خبره بأسلوب لصحيفته القومية ويرسله بأسلوب أخر مختلف لقناة أخرى مثل الجزيرة وغيرها، بدافع المادة أو التوجه الإيديولوجي، تمامًا مثلما كانت تفعل شخصية عبير، لكني أيضا قابلت كثيرًا من النماذج المشرفة.
رصدت حياة 3 نساء مع عبير.. من أكثرهن قربا للفتاة المصرية؟
كل فتاة تمثل نفسها، ومن المستحيل أن "عبير" تُمثل الصحفيات و"سحر العزايزي" لا تُمثل ماسبيرو، لكنهن في النهاية من حالات المرأة المصرية، أنا لا أُقدم خطبة جمعة، أنا أقدم عملًا فنيًا، الدراما لا تتوفر عند شخصية سوية، لكن عند شخصيات مملوءة بصراعات الخير والشر، الشخصية المنحرفة موجودة في أي مجال ولا تمثله، وتعاطفي الأكثر كان مع "رقية".
كيف قرأت تقييم قراء موقع "جودريدز" الرواية بـ5 نجوم؟ والاندهاش بإنها الرواية الأولى؟
هو شئ أسعدني جدًا وأشعرني بالانتشاء، لكن أرعبني وأنا أشرع في الرواية الثانية، وهل ستتم المقارنة، لكني انتبهت جيدًا لمن أعطى الرواية نجمة واحدة، كنت أريد أن أعرف لماذا؟؛ لإني مهتم بالنقد، أما عن الاندهاش بأنها التجربة الأولى فهذا رُبما يعكس الاقتراب من نضج سن الأربعين، فأنا أرى أنه مع قرب الأربعين يكون الإنسان أنسب لكتابة رواية، فما تجاربك أو مشاهداتك مثلا في أول العشرينيات؟. أين "الخميرة" التي ستكتب عنها؟. وقد يحدث الاستثناء مثلما حدث لسعود السنعوسي في الكويت حين كتب وهو بعيد عن الأربعين روايته البديعة "ساق البامبو".
هل تطمح لخروج الرواية في عمل درامي؟
أي كاتب يهدف لأن تتحول روايته لعمل مرئي، لسببين لإنها شهرة وترسيخ لاسم الكاتب، فضلًا عن السبب المادي، الكتابة في مصر لا تصلح مصدرًا للرزق, الكتاب الآن يعملون مهنًا مختلفة جانب الكتابة، وهذا يفسر أن البعض يكتب وعينه على الجوائز في الداخل أو الخارج لقيمة الجوائز المرتفعة ماديًا.
بمن تأثرت في كتابة الرواية الأولى؟
ليس تأثرًا، أنا أتعلم من كتابات كل الأساتذة بدءًا بكبير الحكائين نجيب محفوظ، مرورًا بمحمد المنسي قنديل وإبراهيم عبد المجيد وأهداف سويف وعلاء الأسواني، وحاليًا أنا منبهر بروعة يوسف السباعي في أرض النفاق.
تستعين بالسوشيال ميديا للترويج لروايتك.. هل ترى أن تأثيرها جيدا على الأدب؟
هناك أزمات عدة بمواقع التواصل، فمن يطبع كتابا يسمي نفسه روائي، أنا لا أجرؤ على كتابة ذلك بحسابي حتى الآن، على الأقل ليس قبل 3 روايات، لكن السوشيال ميديا تُصدر كتابا لدور النشر بإغراء الانتشار والترافيك لمتابعيهم، وكذلك مذيعين للقنوات.
هل ساعدك عملك كمخرج في نسج روايتك الأولى؟
بالطبع، ودون أن أدري، في البناء غلبت الصورة، أسعى لأن يرى الناس المشهد، لم أتوغل في المونولوج الداخلي للشخصيات، الرواية أقرب للفيلم، الدائر في شوارع حول قصر السكاكيني.
ختمت الرواية بـ"أبدا لم تتم".. هلى تسعى لجزء ثاني للرواية؟
ليس بالضرورة وجود جزء ثاني للرواية، في رأيي أن الحكايات كلها لا تنتهي، أنا مولع بالنهايات المفتوحة.
فيديو قد يعجبك: