كوارث ومظاهرات وفنانون.. جولة في حياة أشهر مذيع "نشرة" في مصر (1-2)
حوار- محمد مهدي:
تصوير- روجيه أنيس:
حين اقترب موظف شؤون العاملين بمبنى الإذاعة والتلفزيون من المُذيع خيري حسن، ليُخبره بأن أيام تفصله عن سِن المعاش وانتهاء عمله، لم يُصدق الرجل "قولت يا خبر، بقى العمر دا كُله عدى عليا"، نحو 40 عاما قضاها في "ماسبيرو" تحمل الكثير من الذكريات مع زملائه أو الجمهور ممن تابعوه على مدار عمله، وأطل عليهم في السراء والضراء ليُصبح واحدا من أشهر الذين أذاعوا النشرات الإخبارية بمصر.
مصراوي التقى حسن للحديث عن مسيرته الإذاعية ثم التلفزيونية، أبرز محطاته، أهم الأحداث التي أذاعها، كواليس ما جرى خلف الميكرفون، علاقته بالرؤساء والمواقف التي عايشها معهم، ودخوله عالم السينما في عدد من أهم الأفلام المصرية.
أول مرة "ماسبيرو"
مندهشًا بدنيا العاصمة، تحرك "خيري" مع شقيقه "فتحي" في اتجاه مبنى الإذاعة والتلفزيون عام 1969، يخطو خلَف أخيه -الذي يعمل مخرجاً في إذاعة القرآن الكريم- نحو البوابة، حين اقتربا سمعا ضجة قريبة من المكان، فجأة لم يعد شقيقه بجانبه، هرول تجاه الزحام، فيما وقف هو لدقائق قبل أن يعود الغائب "قالي إنه راح يسلم على عبدالحليم حافظ لأنه بيجي المبنى من وقت للتاني" ضحك "طيب مش تقولي أسلم عليه أنا كمان" ثم دلفا معًا إلى "ماسبيرو" للمرة الأولى لكنها لم تكن الأخيرة.
قبل تلك اللحظة بأعوام، كان الأب الموظف بشركة السُكر بنجع حمادي، يهتم كثيرًا بتعليم ابنه خيري "بداية من الكُتاب لحد مدارس سان جورج، كانت المدارس وقتها لغات كمان" لم يكن هناك خطة بأن يعمل "خيري" في الإعلام "كان والدي عايز يشغلني معاه في المصنع، ويوصي أخويا إنه ميميلش دماغي بأني أروح معاه القاهرة" غير أن الفتى قلبه تعلق بالعاصمة والإذاعة عندما سمع قراءة الإذاعي جلال معوض لمقال محمد حسنين هيكل اليومي "يقعد يقوله في ساعتين وأنا أفضل سامع ومستمتع".
في العام الأخير بكلية الآداب بجامعة المنيا، استغل "خيري" الإجازات في الذهاب إلى القاهرة عند شقيقه "اتعرف أكتر على تفاصيل الإذاعة والدنيا بتمشي إزاي" يستعد لأن يصبح ذات يومًا أحد أفراد هذا الكيان "خاصة إني كنت معروف في المدرسة والكلية بقراءة النَشرة ولغتي كويسة"، لذا حين تخرج في الجامعة 1975، لم يذهب إلى نجع حمادي وقرر العيش في العاصمة "حسيت إني مش هنفع في أي شغلانة غير الإذاعة".
اختبارات الإذاعة
حين عَلم باستقبال مُذيعين جُدد في إذاعة الشعب "كانت إذاعة مهمة وقتها، وبتهتم بأخبار العمال والفلاحين، والناس بتستناها عشان نتيجة الثانوية العامة" تقدم إلى الامتحانات متمنيًا النجاح "في الأول امتحان لغة انجليزية، عدينا منه بأعجوبة" يذكرها ضاحكًا.
الاختبار الثاني كان التعرف على القدرة على الإلقاء، ومن بعدها امتحان لم يعهده من قَبل "دخلت الأوضة على صبري موسى لقيته يتخانق معايا، وبيتعصب" تعجب من هذا التصرف، لم يرد، خرج من المكان دون الاشتباك مع الإذاعي الكبير "لقيت نفسي نجحت، ولما قابلته قالي افرض مستمع شتمك على الهوا لازم تبقى هادي وثابت زي ما عملت معايا ومتردش عليه".
من بين مئات من المُتقدمين حصل على الفُرصة برفقة 7 آخريين، تم عرضهم على رئيس الإذاعة حينها الأستاذ فهمي عمرو "بص علينا واختارني أقرا النَشرة والباقي يتوزعوا على البرامج" وبدأت حكاياته مع الميكرفون والناس، تحسس خطواته للتعرف على آلية العمل داخل مبنى الإذاعة والتلفزيون، مواعيده منضبطة، يتعلم سريعًا "كنت عايز أبقى موجود في كل حاجة" لم يترك شييئاً في الإذاعة إلا وفعله.
من النَشرة إلى الإذاعات الخارجية "كنت أروح أغطي صلاة الجمعة أو أي حدث" إلى البرامج المتخصصة سواء اجتماعية أو سياسية أو فنية، صارت حياته هي الإذاعة، يعمل بها بجد واهتمام وشغف "وأحب أوي أطلع أقول الأخبار الحلوة للناس" مثل الاحتفالات، أو بدء شهر رمضان الكريم أو الأعياد "بحسها بتربط صوت الواحد عند الناس بحاجة كويسة".
أهم الأنباء
مرت على المُذيع الشهير ذكريات لا تُنسى، من بينها خروج المواطنين في 1977 اعتراضًا على رفع الدعم عن بعض السلع التمونية، يومها كان لديه وردية في الإذاعة، خرج في موعده دون تأخير "لقيت مصر كلها في الشارع" خشى أن يمضي الوقت دون أن يصل في توقيت العمل "ركبت تاكسي وقولتله أسرع حاجة عندك" لم تتحرك السيارة كثيرًا الشوارع ممتلئة عن أخرها "يدوبك وصلت الدقي وحسيت إن مفيش فايدة فنزلت" شق الصفوف على أقدامه جريًا حتى ماسبيرو "وكان عندي مديرة صعبة جدًا، قولت هترفدني".
فكر في حيلة حتى لا يُعاقب بسبب التأخير "دخلت لصيدلية جنب المبنى، قولتله شوية شاش ومكركروم لو سمحت، لفتهم ودخلت على الشغل" يقولها ساخرًا من فعلته، حين وصل إلى المكان وجد الجميع في حالة تأهب، ثم مديرته تطمئن عليه "ليه جيت؟ الدنيا صعبة في الشارع" حين شعر بأنها ليست غاضبة "روحت فاكك الحاجة وقولتلها جات سليمة" ثم بدأ في إذاعة ما دار في الأحداث التي ظلت ليومين قبل السيطرة عليها.
مثلما منحته الإذاعة أوقات عصيبة، دفعته أحيانًا للحظات لا مثيل لها "يعني مقدرش أنسى حكايتي مع المطربة فايزة أحمد "التليفونات وقتها مكنتش بتجمع إلا بالعافية، وكنت في مكتب الإذاعة والتليفون ضَرب" على الخط تحدثه المطربة الكبيرة "كانت عايزة تكلم الأستاذ فهمي عمرو" أخبرها بأنه ذهب ليُصلي وأن تُحدثه في وقت آخر "قالتلي لا، دانا وصلتلكم بالعافي، هستنى على الخط" وحتى لا يشعران بالملل لحين وصول الإذاعي الكبير "قالتلي هغنيلك لحد ما يجي" مضت دقائق من أمتع ما يكون، وهو ينصت لأغاني "ياما القمر على الباب" وغيرها من أعمالها الفنية البديعة.
أيضًا جمعه لقاء مع الفنانة ماجدة، حين طُلب منه إجراء لقاء معها في برنامج "مجلة الهواء" عن فيلمها الجديد "العُمر لحظة" ذهب إلى بيتها برفقة مُهندس الصوت، وهناك أصرت على تناول وجبة من مطعم شهير حينها يُسمى "ويمبي" اعتقد أنه مشروب كحولي "قولتلها مبشربش الحاجات دي" كان لديه تصور خاطيء عن الفنانين، أصرت الفنانة، وحين حضر الطعام انفجروا في الضحك "وعملت حوار من أكتر الحوارات اللي بعتز بيها، وهي كانت مبسوطة من الأسئلة واللقاء".
الانضمام إلى التلفزيون
بعد سنوات من العمل في الإذاعة، انضم إلى التلفزيون في الثمانينيات"فيه فترة أغلب المُذيعين سافروا الخليج أو اشتغلوا في مؤسسات عالمية، فقرروا يضموا مجموعة جديدة" قام نحو 40 مُذيع بتسجيل النَشرة الإخبارية أمام الكاميرا "محستش بفرق، نفس أداء الإذاعة بس لابس بدلة" لم يكن وقتها الاختيار عبر تصفية أو خبراء، كما يقول خيري، فقد جلس صفوت الشريف، وزير الإعلام آنذاك مع عدد من أعضاء مجلس الشعب والفنانين والكُتاب، واختاروا 3 فقط "أنا وهالة أبوعلم، ونادر دياب".
من بوابة قطاع الأخبار، صار أحد أشهر المُذيعين لدى الجمهور المصري، القَدر جعله في محط الأنظار منذ اللحظة الأولى "حصلت أحداث الأمن المركزي" كانت الشوارع تضج بمجندي معكسر الجيزة، حالة من الهلع انتابت الجميع، العيون مشدوهة تجاة التلفزيون ليعرفون ما يدور في البلاد فيطل عليهم "خيري" بأخر الأخبار "أول مرة يبقى فيه حاجة اسمها أهم الأنباء".
مُذيع الكوارث
بخطى ثابتة تقدم في التلفزيون، بات أحد أشهر مُذيعي النَشرة في فترة التسعينيات "خاصة إني بقيت أطلع أقول أي أخبار متعلقة بالكوارث زي السيول أو زلزال 92" وأية أخبار هامة عن الدولة وقرارتها "كمان بقيت بسافر مع الرئيس في زياراته الخارجية" وداخليًا يهتم البابا شنودة بوجوده لتغطية أعياد الميلاد في كُل عام "حتى إعلانات البرامج بقيت أعملها بصوتي، والتجارية كمان".
تلك الشهرة الواسعة التي مُنحت للرجل لدى المواطن المُصري، جعلت منه محَل اهتمام من السينمائين، عندما يحتاجون إلى مُذيع نَشرة داخل العمل، يلجأون إليه بدلًا من الاستعانة بممثل، وتلك تجربة كبيرة يرويها في الجزء الثاني من الحوار.
فيديو قد يعجبك: