إعلان

الطريق إلى الحرانية.. حلم "رمسيس ويصا" في حفظ النسيج المصري (1)

10:43 م الأربعاء 19 ديسمبر 2018

الفنان رمسيس ويصا داخل مركزه بالحرانية

كتب- محمد مهدي:

تصوير- جلال المسري:

حلَ المساء، أُضيئت الأنوار في فيلا رئيس البرلمان "ويصا واصف" المُطلة على نهر النيل بالجيزة، الأب يقف على بوابتها يستقبل زائريه، تمتلئ قاعة الضيوف بكبار رجال الدولة وعدد من الفنانين، من بينهم النحات "محمود مختار"، لبدء أحد أبرز الصالونات الثقافية في عام 1929، ينظمه "ويصا" في بيته أسبوعياً، بين حين وآخر يمر طفله الصغير "رمسيس" ينصت لنقاشاتهم عن الفن والثقافة وتاريخ البلاد، فيما بَعد سيكبر الفتى متشبعًا بتلك الروح حالمًا بالحفاظ على التراث والصناعات اليدوية في مصر.

منذ طفولته، لُقب رمسيس بالفنان "كان بيحب وهو لسه 6 سنين ينحت على حجر أبيض" كما يقول المعماري إكرام نُصحي، مدير مركز رمسيس ويصا للمنسوجات، شعر الوالدان مبكرًا بموهبته، حاولا رعايته قدر الإمكان "عشان كدا لما خلص دراسة في الليسيه، سافر لفرنسا عشان يتعلم العمارة في أكاديمية الفنون" خبرات كبيرة اكتسبها الشاب المُحب للفن خلال تعلمه بباريس قبل أن يتخرج عام 1935، لم ينتظر كثيرًا، عاد إلى مصر بآمال وطموحات عديدة "كان مشغولا دائمًا بهوية العمارة المصرية والصناعات اليدوية" وفق رواية ابنته "سوزان".

في كلية فنون جميلة بالقاهرة بدأت خطوات "رمسيس"؛ إذ اختير لتدريس تاريخ العمارة للطلبة الجُدد، بدا شغوفًا بعمله، يبحث وينقب عن أكبر قدر من المعلومات عن الفنون المصرية، حتى إن الدولة طلبت منه مع عدد من الفنانين وضع منهج جديد لقسم العمارة بالكلية، بعد الحصول على جولة طويلة في مختلف محافظات مصر.

تقول سوزان عن تلك التجربة: "تأثر بالتجربة دي، ولما رجع قرر إنه لازم يبقى عنده مشروع فني".

صورة 1

أكثر ما كان يخشاه هو اندثار الحرف اليدوية، خاصة مع بدء دخول الماكينات، لذا كان يُنهي عمله يومياً في كلية فنون جميلة ثم ينطلق إلى مناطق الحرفيين في شوارع مصر القديمة "يكلم الحرفيين ويتعامل معاهم ويحاول يتعلم منهم شغل الخشب والإزاز المعشق" يسألهم عن مشاكلهم ويُفكر مهم في كيفية تطوير العمل وتمرير خبراتهم إلى آخرين حتى تقاوم الاختفاء "لكن لقاهم متكتفين بالموروثات، وكل واحد بيحافظ على سر صنعته" شعر حينها بالإحباط "عشان كدا فكر في الأطفال" أن يُصبح لدى مصر جيل يُجيد الحرف اليدوية.

حاول أيضًا مع طلابه، لكنه كان يُدرك أن النظام التعليمي "بيفرض على البني آدم وجهات نظر محددة بعيدًا عن إمكانياته وموهبته" ظل منشغلًا بالأمر، الحزن يُخيم على الأجواء، ثم جاءته فُرصة ذهبية في عام 1842 كما تروي ابنته "سوزان" حينما طُلب منه تصميم مدرسة "قصر الشمع" بمصر القديمة والإشراف على بنائها "كنيسة عايزة تعمل المدرسة كنوع لمساعدة الأطفال وأهالي الحي" وافق رمسيس، لكنه استأذن الإدارة في تعليم الأطفال حرفة كنشاط إضافي "بنى المدرسة بنظام القُبب ودا كان غريب وقتها عليهم" ومع بداية العام الدراسي صار له مواعيد ثابتة أسبوعياً مع الأطفال "وبقى يعلم الطلبة صناعة المنسوجات".

كان يخشى ضياع الوقت دون فائدة، لذا تعلم سريعًا قدر إمكانه "كان بيعمل الأنوال مع النجار، ويدور على أنواع الخيوط وأفضل طُرق التلوين" يغرق مع الكتُب والأبحاث ليتعرف على المزيد عن هذا العالم" كل حاجة بيرجع لأصولها" وفي بيته يختبر تلك المعلومات "وبيجرب في المكان وعمل حاجات كتيرة في الجنينة" حتى إنه أرسل ذات مرة إلى شقيقته التي تعيش بفرنسا مطالبًا إياها بالذهاب إلى منطقة "جبلان" للبحث عن نبات بعينه وإرسال بذوره لزراعته في حديقة منزله لأن له لونًا مميزًا غير متوافر بمصر.

صورة 2

قضى فترة والحماس يغلف التجربة، بات له طلبة يملكون الموهبة والقدرة على إنتاج قطع فنية بديعة، لكن التجربة لم تستمر طويلًا "مع الوقت أحس أن التجربة عمرها قصير" الدراسة تتوقف في فترة الصيف، الخامات غالية والإدارة لا تستطيع توفيرها، المنتجات لم تُبَع سريعًا، وبالتالي لا يوجد عائد للطلبة أو المدرسة، صارت تلك الأسباب حائلًا بينه وحلمه "بدأ التفكير وقتها في تجربة أكبر وأهم" صارح زوجته-صوفي- برغبته في البحث عن قرية حُرم أهلها من التعليم "وإنه يساعدهم بتعليمهم حرفة ويطلع الفن اللي جواهم" على أن تكون القرية قريبة من منزله "يقدر يشرف عليها كل أُسبوع" وفي حالة فشل التجربة "هيكون عمل اللي عليه، ويمكن تبقى بداية جديدة لأهالي البلد" كما تتذكر زوجته.

لم تتردد "صوفي" للحظة، وافقت على الفور، دعمت الفكرة، رشحت له عدة قُرى، وأبدت استعدادها للتجول معه للبحث عن المكان المناسب،فيما قوبلت فكرته بموجة غضب من قِبل أسرته "قالوله عندك بنتين وإنت رايح تحط فلوس في حاجة مش عارفين مصيرها" لكن كلامهم لم يؤثر في عزيمته وإصراره تجاه الحلم الذي يرافقه منذ طفولته، انطلق بسيارته الصغيرة مع الزوجة في القرى المجاورة له "كان بيدور على مكان مش بعيد وفي الناس الوقت ناس طيبة" حتى التقى بأحد الشيوخ بقرية الحرانية الذي عرض عليه شراء نصف فدان كبداية للتجربة، كان الاتفاق بسيطا وسلسا، وحينما اشتراها عاد إلى منزله في ذلك اليوم منتشيًا.

أصورة 3

فكر رمسيس كثيرًا في كيفية إتمام الأمر بأفضل طريقة ممكنة، لم يكن متعجلًا، أراد أن تكون خطواته ثابتة على الأرض لا تهتز "عمل أوضة في الأول وفتح المكان للناس تيجي تقعد فيه "توافد الأطفال أولًا ثم مع الوقت جاء ذووهم "يلعبون طول الوقت ويروحوا في أخر اليوم" وبعد أن صار الود قائمًا بينهم، والأحاديث تدور بين الجميع، عرض على الأهالي تعليمهم حرفة يدوية "وافقوا على الطول وقالوا مستعدين" سريعًا اشترى احتياجات المشروع "أشترى الأنوال، وجاب (نيقولا) واحد من تلاميذه في مدرسة مصر القديمة" اختار أن يدربهم شاب صغير قريب السن منهم "عشان هياخدوا عليه أسرع، ويتعلموا منه بدون قَلق".

كان الرجل يرغب في الحفاظ على الحرف اليدوية، وأن تخرج عفوية من الأهالي دون خبرات سابقة أو تعليم مباشر أو عرض أعمال فنية عليهم "زي ما هو متعارف بين طلبة فنون جميلة، اللي بيدرسوا أكتر من فن وبيشوفوا أعمالهم غيرهم" كان لديه رغبة في أن يحصل على أعمال مصرية صميمة من وحي الفلاحين دون تدخل من أحد "عشان كدا كان بيعلمهم الخطوات الأساسية ويوفر الأدوات ويسيبهم مع نفسهم".

بعد عدة أشهر وقف رمسيس أمام قطعة الأرض والغرفة التي بناها، والأهالي وهم يعملون بهمة ونشاط وعلى وجهه ابتسامة كبيرة كأنه يرى المستقبل، تحول المكان الصغير إلى أحد أكبر مراكز صناعة المنسوجات المصرية في مصر والوطن العربي، وجولات أعمال الأهالي في أكبر المعارض الدولية، وتخرج أجيال عديدة td الحرانية يملكون القدرة على التعبير عن موهبتهم في أعمالهم الفنية بالسجاد.

صورة-4

تابع باقي موضوعات الملف:

حلم "رمسيس ويصا" بالحرانية.. 66 عاما من الحُب والفن (ملف خاص)

الفنان رمسيس ويصا داخل مركزه بالحرانية

لطريق إلى الحرانية.. حلم "رمسيس ويصا" في حفظ النسيج المصري (2)

2

كيف تحول أهل الحرانية إلى فنانين عالميين؟.. زوجة "رمسيس ويصا" تروي (حوار)

3

من الغيط إلى العالمية.. 50 عامًا لـ"ست لُطفية" في عالم النسيج

4

بالنول والخيوط.. "نجلاء" تُكمل مسيرة الأم في مركز الحرانية للنسيج‎

5

مدير مركز "رمسيس ويصا ": حافظنا على التجربة وتلك خططنا المستقبلية (حوار)

6

من هو رمسيس ويصا.. إمبراطور النسيج المصري (فيديو جراف)

7

فيديو قد يعجبك: