صديقان في الدراسة والخير.. أحمد وعبد الرحمن كفيفان يعلمان الأطفال
كتبت-شروق غنيم ودعاء الفولي:
تصوير-جلال المسري:
داخل غرفتين منفصلتين بمؤسسة "صناع مستقبل مصر " جلس أحمد عنتر وعبد الرحمن شعبان. وقف الأول أمام الكمبيوتر، يُلقن 3 تلاميذ كيفية فهم التكنولوجيا، ببرنامج مُصمم للمكفوفين، فيما قبع عبد الرحمن بحجرة ثانية رفقة دينا، نور، كريم ومنة، يشرح ثورة 1919، يُدربهم على الإملاء بطريقة برايل. للشابين قصة؛ جاءا من محافظة بني سويف ليعلموا للأطفال، يرفعون عنهم جزءً من الظلام الذي أحاط بهم.
في أغسطس الماضي سمع عبد الرحمن عن المؤسسة التي تقدم خدمات تعليمية للأطفال المكفوفين "جيت قدمت واتقبلت". يُدرّس الشاب التاريخ واللغة العربية للصف الأول والثانوي الثانوي وكذلك المرحلة الإعدادية. عشق المدرس الكفيف اللغة العربية منذ صغره "كنت بسمع برنامج لغتنا الجميلة على الراديو وهو اللي حببني فيها"، وحينما كَبُر تمنّى الالتحاق بكلية دار العلوم، لكن وجودها في العاصمة منعه من ذلك "دخلت آداب لغة عربية جامعة بني سويف".
عقب استقرار عمل عبد الرحمن في المؤسسة أخبر صديقه المقرب أحمد "لما قاللي وافقت فورا"، ورغم أن دراسة الأخير مطابقة لصاحبه "بس بحب مجال الكمبيوتر وفاهم فيه شوية".
تعلم أحمد التكنولوجيا بشكل ذاتي مع أخيه "إحنا الاتنين مكفوفين وكان عندنا أوقات فراغ لازم نستغلها"، استطاعا تطوير بعض البرامج الأساسية لتناسب احتياجات الشخص الكفيف. مارس أحمد التعليم منذ فترة طويلة "كنت بعلم ولاد القرءان على الإنترنت" لذا ما أن واتته الفرصة على أرض الواقع حتى طار بها فرحا.
من بني سويف إلى القاهرة يتحرك أحمد مرتين في الأسبوع. يستقل قطار التاسعة صباحا ليصل بعد ساعتين ونصف، ثم يكرر الأمر في الخامسة والنصف مساءً "اللي عايز حاجة بيعملها، كوني كفيف ميمنعنيش أحلم".. تلك الحالة من الإصرار هي دستور عبد الرحمن في الحياة كذلك "أمي كانت خايفة آجي القاهرة في الأول لوحدي بس دلوقتي بتقولي أنا فخورة بيك".
عام 2014 استقر عبد الرحمن في القاهرة "الشغل هنا أكتر"، تحسس خطواته الأولى كمتطوع في جمعية خيرية لتعليم الأطفال، وهُناك قابل زوجته "هي ضعيفة البصر لكن الحمد لله إحنا الاتنين متفاهمين جدا"، لم يكن إيجاد الشخص المناسب سهلا "فيه ناس كتير معندهاش شجاعة أو ثقافة التعامل مع المكفوفين ولا الارتباط بيهم".
لا يُدرّس عبد الرحمن التاريخ فقط "بدرس تأسيس للمكفوفين"، تقوم تلك المادة على تعريفهم بحروف برايل وكيفية تكوين كلمات ثم جُمل "رغم إن فيها مشقة لكنها ممتعة"، يلمس فيها المُدرس شغف التلاميذ بالتعلم "بنبقى متفاهمين سوا واستيعابهم عالي"، تلك الجائزة هي أفضل ما يناله عبدالرحمن، وكذلك أحمد "لما بحس إنه الدنيا فتّحت عند ولد بتأكد إن التعب مجاش على الفاضي، أي حاجة بسيطة بيتعلموها بتخليهم أقرب لإخواتهم المبصرين".
يُعلم أحمد طلابه مبادئ التعامل مع بعض البرامج "زي الأوفيس"، ولا يقتصر دوره بالمؤسسة على ذلك "بعلم ولاد تانيين قراءات القرءان".
منذ وعي على الدنيا، أقسم عبد الرحمن أن يُعلم الآخرين ويتعلم، وزاد إصراره بعدما روت عليه والدته قصة فقدانه البصر؛ كان في عمر العامين وقت إصابته بالحصبة. فزعت الأم، لكنها سمعت لنصائح الجيران "قالولها لبسيه جلابية حمراء وافصليه عن إخواته"، ظل الفيروس يقتله ببطء لأسبوعين "لدرجة إنهم جهزوا لي الكفن"، قبل أن تضربه الحمى الشوكية ويفقد البصر "لما أهلي راحوا الدكتور قال لهم عينه مفيش منها رجا.. علموه بالفلوس أحسن"، يصمت المُعلم قليلا ثم يقول "لو اللي بيعملوا الأطفال عندهم إخلاص مش هيبقى في جهل وبالتالي الأمراض هتقل ودة اللي انا ناوي أعمله".
أما صديقه أحمد فتدور حياته بين تلقّي العلم وتمريره؛ حصل على دبلومة تربوية ويدرس حاليا في معهد الدراسات الإسلامية بالزمالك، ورغم أنه يعاني مع كثرة الكتب التي يدرسها، إذ لا يجد أحيانا من يقرأها له، لكن رُحى عطائه للطلبة لا تتوقف.
مؤسسة تُعلّم الأطفال المكفوفين وأمهاتهم.. النور مكانه في "صناع مستقبل مصر"
"سوبر ماما".. أطفال مكفوفون يواجهون الظلام ببصيرة أمهاتهم
بالفيديو- فسحة طفولية في حديقة الأورمان.. "من حق الكفيف يتبسط"
فيديو قد يعجبك: