لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بعد الليلة الكبيرة.. سكان مقابر السيدة نفيسة: "من غير المولد زينا زي الميتين"

07:09 م الخميس 01 مارس 2018

كتبت- دعاء الفولي وشروق غنيم:

تصوير-شروق غنيم:

كان الاحتفال بمولد السيدة نفيسة يملأ الشوارع المحيطة بالمسجد؛ العائلات تتخذ من الحواري مستقراً، تصنع السيدات الطعام، يُقدمه الرجال كخدمة "لله وآل البيت"، أصوات الذكر تصدح، يتمايل الرجال بلا توقف، ويلهو الأطفال. بالأمس ضجت الأجواء بتفاصيل سعيدة، لا تتناسب مع المنطقة العامرة بالقبور. "ونس" حلّ بسكان المنطقة في الليلة الكبيرة، بعضهم انتظر المولد ليرى القادمين من كل حدب وصوب، وآخرون ساعدوا بطهي الطعام أو اعتبروها فرصة جيدة للربح؛ نشاط مؤقت اجتاح بيوت المقابر، قبل عودة الحياة هادئة مرة أخرى.

جلست أمنية محمد في ساحة منزلها من الداخل. بابه مفتوح؛ تشاهد منه الفتاة المارة، تأتيها آثار الاحتفال بمولد السيدة نفيسة، فيترك في نفسها سعادة غامرة "ده العيد بتاعنا" تقولها ذات الواحد والعشرين عامًا.

منذ أدركت أمنية؛ تولي عناية خاصة لمولد السيدة نفيسة، تستعد له قبل ميعاد الليلة الكبيرة بأسبوع "بشتري هدوم جديدة وشبشب"، تضحك الشابة، قبل أن تقول "صحيح مبنروحش لحد المسجد.. بس نروح ليه والمولد جاي لحد عندنا؟".

تحرس أمنية مع والدها وأختها مدفن إحدى العائلات، يبعد مكان سكنهم عن المسجد نحو 200 متر "الليلة الكبيرة بنطلع نقعد على الباب كلنا نتفرج على الناس وهي بتغني وترقص"، تروي أن أكثر ما يسعدها رؤية "الدراويش وهما بيتنططوا.. شكلهم بيبقى حلو"، فيما لا تمر أيام المولد على العائلة دون تعب أيضًا.

"من سنتين بقينا نقول للناس هاتوا الخضار أو اللحمة وإحنا هنطبخها".. تفعل أمنية ذلك مع أختها دون مقابل "هما بيطلعوه لله والغلابة فإحنا مش هناخد فلوس". تختلف كميات الطعام من وقت لآخر "هو إرهاق علينا بس الحدث مبيجيش غير مرة في السنة فمش مشكلة"، تتغير ملامح أمنية قليلًا "الواحد بيزعل لما المولد يخلص ونرجع للسكوت تاني".

ينفِض المولد السكون عن "الحوش" الذي يحرسه حمادة أحمد، يُعيده إلى مهنة والده "أبويا تُرَبي وأخويا الكبير برضو بس أنا اشتغلت نقاش"، يأخذ الرجل الأربعيني إجازة مؤقتة من عمله، إذ يُعّد المولد موسم رزق بالنسبة إليه.

يُشرف حمادة على تسكين رواد المولد في الأزقة المُحيطة بالمدافن التي يحرسها هو وشقيقه "بنوفر لهم مياه ومكان للحمام واللي محتاجينه" في مقابل نفحات يمنحه إياها أصحاب الخَدم "ممكن حد يدفع مية جنيه غيره عشرين تالت خمسمية جنيه وهكذا" غير أن هذه الأموال لا تستقر في جيوب الشقيقين "بتروح للمعلم التربي وبيوزع علينا، وزي أي مهنة في ناس تاكل الأكلة كلها وناس ليها الفتافيت زي حالاتنا".

أصبحت الوجوه التي تأتي إلى المكان مألوفة بالنسبة لحمادة "في ناس بقالها عشرين سنة بتيجي هنا من أيام أبويا الله يرحمه، ولادهم استلموا من عيلتهم موضوع الموالد زي ما أنا وأخويا ورثناه عن أبويا"، ينتهي المولد فيترك آثاره على المكان.

رغم ما يقدمه المولد من خير للرجل الأربعيني، إلا أنه يكره حين ينتهي "بحس بفراغ"، يرحل الحدث لكنه يترك آثاره على المكان "في ناس مبتنضفش وبيسيبوا زبالتهم وراهم"، ذاك ما يضايق حمادة من المولد إلى جانب وجود لصوص في المكان "لسه ماسك 4 حرامية من وقت ما بدأنا".

حالة من الحنين تلبست صباح أحمد مع مجيء المولد، بالأمس جلست السيدة جوار قريبتها هويدا عبدالعاطي تتابعان الحدث باهتمام. تعيش السيدتان في غرفتين منفصلتين داخل المقابر "لما المولد بيخلص بنرجع ميتين تاني" تقول هويدا.

عايشت السيدة الأربعينية، صباح، المولد منذ صغرها، تذكر "زفة" السيدة نفيسة، التي كانت تخرج من المنطقة لتمر بكل المساجد الكبيرة كالحسين والسيدة زينب "كان ولاد المنطقة يعملوا شكل كدة ويحطوا عليه كسوة ويلفوا بيه لحد 12 بليل في الليلة الكبيرة"، مازال صوت زغاريد النساء يرن في أذنيها "كانت أيام حلوة، بس من ييجي سبع سنين كده الحكومة منعت الزفة".

رغم ذلك، لا تنفك السيدتان تحكيان مظاهر الفرحة التي لا يخلو منها المولد "تلاقي الستات الكبيرة ماشية ترقص وتسقف وتغني للسيدة نفيسة".

ربما يحمل المولد فائدة أخرى أيضًا لصباح، فهي تمتلك فرشة لبيع البخور في ساحة المسجد "بس الحكومة شالوها من سبع شهور"، لكن خلال أيام المولد سُمح لها وللآخرين بالعودة "معرفش هيشيلونا تاني ولا لأ"، في المقابل ترى هويدا المولد بشكل مختلف؛ فهو فرصة لـ"غلابة" المنطقة، كي يحصلوا على طعام مجاني أو أموال ولو بسيطة.

يحِل المولد فيطرد وحشة الوِحدة من منزل السيدة حياة محمد سعيد، يكر شريط ذكرياتها حين كان يذوب قلبها سعادة مع الأجواء، وقتما كانت تخرج صباحًا في الليلة الكبيرة في زفة تجوب المنطقة بالورد والجِريد "كنا نزغرد وناكل عسل وجبنة وأروح بيتنا مبسوطة".

لا تقوى صحة السيدة صاحبة الخمسة والثمانين عامًا على مُجاراة الأجواء حاليًا "عيني راحت ومبقتش أعرف أروح بس المولد بقى هو اللي بقى يجي لحد عندي"، تعاني حياة من ضعف البصر "ومستنية قرار العلاج على نفقة الدول عشان أعمل عملية وأرجع أشوف حلو من تاني".

تستأنس حياة بالمولد من عام لآخر داخل منزلها المكوّن من غرفتين بأثاث بسيط "المولد يخلص وترجع الدنيا هُس هُس"، يمنحها المولد "الهيصة" لكنه يبخل عليها بالخيرات "بيتوزع لحمة وعيش وسكر على الخدم اللي جمبي لكن أنا مبخدش حاجة"، تشكو صاحبة المعاش البالغ قدره 320 جنيهًا حالها.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان