"إنهم يحبون محفوظ".. كيف امتلك "مهاويس" أديب نوبل أعماله الكاملة؟
كتبت- رنا الجميعي:
خلال الأيام الماضية نشأت أزمة بين مثقفين طالبوا بالتحرك ضد دار الشروق، لنزع حق ملكية نشر روايات نجيب محفوظ، وانقسم مُحبو الروائي الحاصل على نوبل للآداب إلى فرق، بين مُوقّعين على البيان، ورافضين، وحمل البيان اتهامًا صريحًا للدار بتعمّد حجب روايات محفوظ، وفي ظلّ تلك الأزمة كانت المحبّة هي ما هيمن على الأمر، حيث انتحى فريق آخر جانب الطريق، ارتأوا أن محفوظ ملك للجميع، وأن العقد هو شريعة المتعاقدين، بينما خاضوا هم أنفسهم رحلة طويلة لتمتلئ مكتباتهم الخاصة بروايات الأديب العالمي.
مُفارقة جعلت اسم محفوظ غير منسيّ بالنسبة لجابر طاحون، داخل شبين الكوم التقط اسم الأديب لأول مرة كسُبّة وسط الجماعات الإسلامية "كانوا بيشتموا في أولاد حارتنا"، فالعمل الأشهر لمحفوظ كان سببًا في محاولة اغتياله في فترة التسعينات، حينها كان الشاب صبيًا، لا يملك القُدرة على بيان الأمر "لكن مكرهتوش وقتها"، كبُر طاحون ولازمه اسم محفوظ "في ثانوي قرأت له رواية "همس الجنون".
مع ابتعاد طاحون عن الجماعات الإسلامية كان محفوظ وسيلته للتغيير، تغيّر الشاب "بقيت على الضفة التانية وكان طبيعي أقرا أكتر للأديب اللي هما بيشتموه"، وفي عام 2012 قرر طاحون جمع أعماله، لم يقف أمام الشاب كونه من مدينة بعيدة عن العاصمة "مفيش منفذ بيع عندي"، صارت مشاوير القاهرة لازمة "كنت بشتري من مكتبة مصر وسور الأزبكية".
خلال عام تمكّن طاحون من امتلاك أعمال محفوظ الـ56، كان قراره جمع الأعمال في زمن تتوفر فيه الروايات لدى مكتبة مصر بأسعار منخفضة، رغم شراء دار الشروق حق النشر منذ الثمنانينات، حيث ظلّت طبعات روايات محفوظ لدى مكتبة مصر حتى عامين مضوا، ولم يلجأ طاحون للشروق سوى لشراء عملين هما "أولاد حارتنا والحرافيش".
خلال الأزمة الأخيرة كان طاحون ضمن المُوقّعين، يرى أن "محفوظ مش حكر"، غير أنه لا يُوافق على نزع الملكية المطالب به داخل البيان، هذا بالإضافة إلى أن هناك اتفاقًا بين طرفين هما الدار والورثة، في ظنّه أن حل تلك الأزمة يكون بشراء الهيئة العامة للكتاب-جهة الدولة- بشراء بعض الطبعات "أو يحصل تعاون بين الحكومة والدار"، ينظر طاحون إلى الأسعار المرتفعة لروايات محفوظ لدى الشروق "لما يبقى سعرها مُخفّض هيبقى أسهل عليا".
يُطالب المثقفون في بيانهم "وزارة الثقافة، بالتحرك ضد دار الشروق، لنزع حق ملكية نشر روايات نجيب محفوظ، حيث إن دار الشروق، لصاحبها إبراهيم المعلم، تعمدت طوال سنوات عديدة ماضية، حجب روايات نجيب محفوظ، ولما كانت تلك الروايات تخرج عن دائرة احتكارها لجهة خاصة، بحكم مكانتها العالمية، وكلاسيكيتها، فمن حق الدولة والمصريين جميعاً، نزع تلك الملكية عن الجهة المُحتكرة".
"أنا بحبه أكتر من أبويا".. هكذا صرّح الشاب أحمد جمال مُنطلقًا بحبه لمحفوظ، الذي بدأ منذ تم تكليفه ضمن طلبة قسم اللغة العربية بنقد رواية "بداية ونهاية" أو "قلب الليل"، ذاق جمال حلاوة أدب محفوظ تدريجيًا، حتى أدرك أنه "أحسن حد قريت له في حياتي"، بالنسبة لجمال فإن أديب نوبل يكتب عن كل إنسان في ذلك الوجود "مش مجرد حواديت".
لم يقتصر الأمر على ذلك بالنسبة لجمال، اقترب الشاب من الموت كثيرًا، كان ضمن جمهور نادي الأهلي الذي سافر لحضور مباراته أمام نادي المصري ببورسعيد، في فبراير 2011، وقتها كان أديب نوبل هو المُنقذ له من المذبحة الشهيرة، فانغمس في قراءة ثلاثية محفوظ، بين القصرين وقصر الشوق والسكرية، كي تخرجه من كواليس الحادث، فكانت هي حبل النجاة.
بدأ جمال بتجميع أعمال محفوظ منذ عام 2009، لم يلجأ هو الآخر لدار الشروق لغلو الأسعار، كانت مكتبة مصر هي المنفذ الرئيسي له، غير أنه واجه أزمة أثناء البحث عن رواية "أولاد حارتنا"- العمل الممنوع من الصدور في طبعته الأولى داخل مصر، وتمكّن جمال من اقتناء نُسخة الآداب اللبنانية -هي الدار التي نشرت روايته في طبعتها الأولى.
لم يُوقع جمال على البيان الأخير، لا يُوافق الشاب على الأزمة الحاصلة، ولا على اتهام الدار بتعمّد الحجب، ومن واقع عمل جمال داخل إحدى المكتبات الخاصة يرى أن المسألة كلها هي نفاد الطبعات "وبيتم إعادة الطبع لكن بحسابات السوق".
ردّت دار الشروق على بيان المثقفين حيث قالت إنها "تقدر اهتمام بعض القراء بمتابعة مؤلفات الأستاذ الكبير نجيب محفوظ، وحرصهم على الـتأكد من انتشار إبداعه الإنسانى الأدبى الرفيع"، كما أضافت أنها تنشر رواياته "بكميات غير مسبوقة، وفى أكثر من طبعة من كل عنوان، بل منها عناوين تعدت طبعاتها الست عشرة طبعة، ووصل إجمالى كمياتها حوالى 650 ألف نسخة"، وأكّدت على أن التعاقد كان "معه شخصيًا ابتداء من ثمانينيات القرن الماضى ثم مع أسرته الكريمة وباقى الورثة".
سور الأزبكية هي المنفذ الذي تمكّن ضياء مصطفى عبره من جمع أعمال محفوظ، سمع الشاب اسم الأديب لأول مرة عبر أفلام قصصه، يُحب مصطفى أن تكون قراءاته تحت يده، وهو الدافع الذي جعله يحصل على روايات محفوظ كاملة، كذلك فعل مع أدباء آخرين، مثل خيري شلبي.
لم يعتمد مصطفى هو الآخر على دار الشروق، سور الأزبكية وموسم معرض الكتاب هما الطريقتان التي أكمل خلالهما الشاب أعمال محفوظ، تعتبر رواية "أولاد حارتنا" هي الوحيدة التي اشتراها مصطفى من دار الشروق "كانت موجودة بنسخ مضروبة لكن مفضلتش أشتريها".
خلال الأزمة الأخيرة تابع مصطفى ما يحدث، لكنه لم يوقع أيضًا، يتساءل عن سبب اقحام محفوظ وحده داخل البيان "الاحتكار ده بيطول كتاب تانيين زي ابراهيم أصلان وتوفيق الحكيم"، لكنه يتحفّظ على ارتفاع أسعار الدار التي اضطر شراء أعمال خيري شلبي منها "يمكن اشتريت 12 عمل لشلبي بنفس الرقم اللي اشتريت بيه أعمال محفوظ كلها".
فيديو قد يعجبك: