أمومة في الشارع.. مواقف من قصص إنقاذ الكلاب والقطط
كتبت-دعاء الفولي:
في كل رُكن لهم حكاية، لا يعبأ بهم المارة، هم كلاب وقطط ضالة، لكن أرواحهم تشرّبت الأمومة، تُدافع عن الأبناء من بطش المواطنين الغاضبين، السيارات السريعة على الطريق، ومحاولات القتل التي تفتك بهم بين حين وآخر، وفيما يعانون بصمت، تحاول نانسي زعزع ورانيا الكردي مساعدتهم قدر المستطاع، تشهد السيدتان على أمومة لا تنضب، وتفاني لإنقاذ الصغار وإطعامهم.
كانت نانسي زعزع تقود سيارتها في شارع الهرم، حين شاهدت كلبة تعبر الطريق عدة مرات، خافت عليها من الدهس، اشترت لها بعض شطائر اللحم من مكان قريب، وضعتها على الرصيف "فوجئت بيها بتاخد الأكل وبتمشي بعيد ولما روحت وراها لقيت ولادها على الناحية التانية من الشارع وهي حطت الأكل قدامهم"، فهمت نانسي سبب حيرة الأم، ابتاعت لها مجموعة أخرى من الشطائر، فأخذتهم لأبنائها أيضا.
ذلك الموقف هو جزء من بحر عايشته خلال جولاتها في الشارع "كنت وقتها أول مرة أشوف حاجة شبه كدة.. ساعتها قلت لنفسي إن الأم أم مهما حصل". منذ عشر سنوات بدأ اهتمام نانسي بإنقاذ الحيوانات، لم تعمل مع جمعيات تهتم بذلك المجال "بشتغل لوحدي على أد ما أقدر ولو احتجت حاجة بسأل اللي
حواليا"، في تلك السنوات كانت نانسي تُمارس الأمومة مع الحيوانات أحيانا.
في محيط ميدان الجيزة كانت نانسي تسير حين لمحت قطة ذيلها مقطوع "كانت بتتمسح فيا بشكل غريب"، اصطحبتها إلى فناء منزلها، وضعت لها الطعام، وبعد يومين اختفت الهرة "دوّرنا عليها ولقيناها جوة مدرسة جنبنا والدة"، أنجبت القطة 5 صغار، مات منهم اثنان، والثلاثة الباقين كانت أعينهم مريضة. ظلت نانسي ترعى الأسرة الصغيرة عدة أسابيع "القطة دي عشان تتعود عليا أخدت وقت.. كانت شرسة مع أي قط تاني يقرب من ولادها أو أي شخص"، وبعد فترة تبنّى أحد المهتمين القطة وأولادها، مصطحبا إياهم إلى منزله.
كحال نانسي مع قطط الشارع وكلابه، تفعل رانيا نفس الأمر، غير أن الأخيرة إذا ما وجدت حيوانًا يعاني، فلا تتركه إلا بعدما تعود به لمنزلها "معنديش خرم إبرة في البيت"، فيما ترفض أن تقول عنهم حيوانات أليفة "دول ولادي".
لا تتهاون رانيا مع قسوة البعض ضد كلاب وقطط الشارع، عايشت تفاصيلا سيئة، تتذكرها السيدة بضيق "مرة كنت على طريق صلاح سالم ولقيت سواق تريلا نزل شال حاجة صغيرة ورماها على الرصيف"، انخلع قلبها، ركنت السيارة وعبرت الطريق لتجد قطًا يبلغ عمره تقريبا خمسة أيام "كان بيموت.. ومامته مكنتش موجودة"، اصطحبته معها وأعطته اللبن اللازم، ظل معها في منزلها، أطلقت عليه اسم "ديدوس"، وانضم لُزمرة أبنائها الآخرين، قبل أن يموت فيما بعد بسبب خطأ طبيب بيطري.
"الناس فاكرة إن قطط الشارع دول مبيحسوش.. مع إن الأمومة عندهم أنقى من البشر".. عاينت رانيا ونانسي حالات صعبة؛ قطة قُتل أبنائها أمامها فمرّت باكتئاب شديد ثم ماتت، وأخرى تم أخذ أبنائها فتحجّر اللبن في صدرها وأُصيبت بأورام "ده غير إننا مرة لقينا كيس أسود في صفيحة زبالة ولقينا جواه جرو صغير حد راميه" حسبما تقول رانيا.
على الجهة الأخرى، لا يبدو المشهد قاتما بشكل دائم، تشعر رانيا بالفخر، حين يكبر أولادها من القطط والكلاب أمام عينيها، تتذكر السيدة الخمسينية أيام السهر لأجلهم "كنت أصحى كل كام ساعة أدي رضعة لأكتر من قطة.. كان نومي بيقل وحياتي بتتأثر بس مبسوطة".
تعرف رانيا أهمية الرحمة حين تنظر لبعض القطط التي التقطها من الشارع بـ"عين بايظة أو عضو مقطوع"، ثم تجدها فيما بعد وقد اندمجت بين أخواتها، كذلك القط الذي أخذته من أحد المحلات "اتخانقت مع الراجل لأن القط كان شكله متبهدل وعينه فيها مشكلة"، طافت به رانيا على أكثر من طبيب "كلهم قالولي عينه الاتنين فيهم صديد ومش هيشوف تاني"، لم تهتم بما قيل "فضلت أتابع معاه بالدوا.. وبعد 8 شهور بقى يشوف بعين واحدة الحمد لله".
مازال العجب والاندهاش يعتري نانسي ورانيا، كلما تبحّرت إحداهن في أمومة الكلاب والقطط؛ تذكر نانسي حين جاءتها قطة وأولادها الأربعة على مدخل العمارة التي تقطن بها "زي ما تكون عارفة إني ههتم بيهم"، وضعت السيدة الصغار في صندوق بباحة العقار، وكانت الأم تخرج وتدخل لهم، وفي إحدى المرات كان الباب مُغلقًا، فقفزت القطة من فوق الباب وكسرت أحد قوائمها "خدناها لدكتور في نفس اليوم لما شوفناها".
رُوايات تُكتب في صفحات كثيرة عن تضحيات كبيرة، حد قول السيدتين، مشاهد علمتهما الكثير عن علاقة الأم بابنها، مهما كان نوعها، أو بيئتها، أو شراستها البادية لبني البشر، فحسبما تقول رانيا "كتير من اللي بيتعضوا من كلاب الشارع بيبقى عشان قرّبوا منها وهي لسه والدة، ليه الناس بتفترض إن الحيوانات مش هتدافع عن ولادها زي البشر؟".
تابع باقي موضوعات الملف:
-"مبروك حيوانك حامل".. معاناة أم تتألم في صمت
-حكايات حيوانات مع الأمومة.. بطولة "قطة" وتمرد "بقرة"
-"القرود عزوة".. "عم وحيد" الراعي الرسمي لحديقة الحيوان منذ 31 عاما
-داليا في الملجأ.. أمومة متبادلة مع 582 كلبًا
-عالم أمومة الحيوانات.. صنوف من الرعاية والرحمة (صور)
فيديو قد يعجبك: