إعلان

مدحت بنزهير.. سيرة "باللون الأخضر" لشاب رحل قبل إتمامه 29 عامًا

07:22 م الإثنين 02 أبريل 2018

كتبت-إشراق أحمد:

كثير هم الراحلين إما بالوفاة أو الابتعاد. يغيبون في لحظة، يتركون فراغًا ثم يدخلون دائرة النسيان البشري، غير أن مدحت بنزهير ما كان منسيًا، طيلة فترة غيابه عن سيوة، منذ آخر زيارة له عام أوائل عام 2017. ظل أطفال الواحة يسألون صاحب المركز الثقافي عن أستاذهم إعادة التدوير والرسم. واليوم يلتقى فارس حسنين بالصغار، ولأول مرة تتبدل الإجابة من "قريبًا" أو حينما تتهيأ الظروف إلى الصمت. "مش عارف هقول لهم إزاي أن مدحت مات".

قبل قرابة أسبوعين، صدمت سيارة طائشة مدحت، الشريك المؤسس لمؤسسة "جرينيش" الهادفة لنشر التوعية بالبيئة عبر الأعمال الفنية اليدوية. دخل الشاب العشريني في غيبوبة، ثم فاق قبل أن يدخل في نوبة غياب تام. دارس الفنون الجميلة، المعروف منذ سنوات بنشاطه الفني وقيامه بورش خاصة للأطفال في محافظات عدة، بات بين الحياة والموت، حَزِن محيط مدحت من أصدقاء ومعارف، منهم عمر هشام، الذي جاء ألمه مختلفًا "كان عندي أمل أنه هيفوق وهنلحق نبقى صحاب".

1

عرف طالب كلية الإعلام مدحت منذ يناير المنصرف، عبر ورشة حكي مسرحي، ومن وقتها وتمنى أن تقوى المعرفة بينهما، لاسيما بعدما تطوع في "جرينيش"، لكن أمل الشاب خاب بعد وفاة مدحت.

كان هشام يتجنب حضور الجنازات إلا لأقرب المقربين "بخاف أني أنهار نفسيا، فبكتفي بحضور العزاء". في عمر صاحب الثامنة عشر عامًا، جنازة مدحت هي الثالثة له بعد وفاة مدرس له، وجدته التي وافتها المنية عام 2016. "جنازة مدحت كانت أكبر حاجة أحضرها". لم ينبهر هشام، إذ أن سيرة الشاب الراحل تلحق باسمه في أوساط مختلفة "شوفت ناس جت تصلي عليه عارفاه من فيسبوك".

منذ عام 2011 بدأ مدحت "جرينيش" بمشاركة زميله شادي عبد الله. أراد الشاب أن يزرع في كل ركن شجرة، أن يكسو اللون الأخضر مد بصره وأينما تولت أعين السائرين، لذلك تنقل بين العديد من الأماكن داخل مصر لتحقيق هدفه، ومن ضمنها كانت سيوه، وفيها لمس فارس، مؤسس المركز الثقافي "حاوية سيوة"، طباع مدحت أكثر. تقابل الشابان عام 2013، سافرا إلى نويبع، إلا أن في الواحة تجلى الأثر "كانت ورشة أقل من أسبوع لكن الأطفال لغاية النهاردة حافظين اسمها بالإنجليزي ومدحت الوحيد اللي فضلوا فاكرينه رغم أن كتير بيجوا المكان".

2

عشق مدحت الأطفال، بادلهم الاحترام وحاول نقل ذلك لغيره، فكلما نزل هشام لمستوى صغير تذكر كلمات الراحل "لما تيجوا تتكلموا مع طفل وطي له عشان ميحسش أنك بتتعالى عليه"، ولازال صغار سيوة المترددين على مركز فارس الثقافي، يقولون كلما رأوا كومًا من القمامة "مدحت أهو". يقصدونها بمعناها الطيب، فلم يكن يترك مدحت ركنًا من المخلفات إلا فكر في إعادة تدويره، يصنع أسماك من عقاب السجائر، ومراكب من الزجاجات البلاستيكية.

لم يكن مدحت شخصًا حالمًا بالكلمات، حرص أن يفعل ما يقول "كان نفسه لو يقدر يغير العالم"، فاتخذ الفن سبيًا لذلك؛ يشارك في معارض بدول مختلفة، يحاضر في ورش عن إعادة التدوير والتقليل من استخدام البلاستيك، حتى صار مقترنًا في ذاكرة مَن يعرفه باللون الأخضر، حتى اتباعه نظام غذائي معين اتخذه لأسباب "كان نباتي عشان قضية.. مضايق من اللي بيحصل في الحيوانات" كما يقول هشام.

3

ثلاثون يومًا كانت تفصل مدحت عن اتمامه التاسعة والعشرين من العمر، في 2 مايو المقبل. حالة من الود غمرت اسم الراحل بعد إعلان وفاته، وفاضت عند دفنه، يقول هشام إنهم مكثوا للدعاء له قرابة الساعة بعدما واروه الثرى في مدافن السيدة عائشة "الشيخ قرأ وقعد يدعي خلص لقينا حد قام يدعي وبعده حد تالت.. الناس كأنها مش عايزة تمشي".

يظن فارس أن الأثر الذي أراد مدحت تركه تحقق. يرى ذلك في نفسه "علمني إزاي أكون هادي"، يتذكر قبل أعوام حينما مر بمشكلة كادت تعيق حياته، فأخبره أن عليه بالأحجار وعلمه الرسم عليها، فأصبحت تلك وسيلة الشاب من حينها، وكذلك أطفال سيوه زال عنهم تعليق "مبنعرفش نرسم"، استجابوا لطريقة مدحت في تعليمهم، وساروا على النهج، فلم يتركوا الورقة خالية رغم ابتعاد الشاب، ولا يعتقد فارس أنهم سيفعلون بعد غيابه الأبدي.

4

فيديو قد يعجبك: