إعلان

تحت المطر.. أطول رحلة "سواقة" لوائل في القاهرة بعد عودته من دبي

02:05 م الخميس 26 أبريل 2018

كتبت-إشراق أحمد:

مساء يوم الثلاثاء المنصرف، والسماء مازالت ملبدة بالغيوم، جراء الأمطار الكثيفة. استقبل وائل عبد الله رسالة هاتفية، بطلب توصيل من التحرير إلى المعادي، نظر قائد السيارة التابع لشركة "كريم" من شرفة منزله في منطقة المنيرة، وجد زحام سيارات لا ينتهي، حدث نفسه قائلاً "يبقى البلد كلها واقفة"، ومع ذلك قَبِل بمهمة العمل وتحرك، لكنه لم يتوقع أن بانتظاره، أطول رحلة يخوضها منذ عمله بالقيادة الخاصة قبل ثلاث سنوات في دبي الإماراتية، وطيلة شهرين بعد رجوعه إلى القاهرة.

ساعتان ونصف مكث بها وائل داخل سيارته، في مسافة لا تستغرق بالأوقات الطبيعية نصف الساعة. منذ تحرك في العاشرة والربع مساءً، لاستقبال صاحبة طلب التوصيل، لم يستوعب ما يحدث؛ سيارات تتكدس في مسافات صغيرة، ومشاة يصطفون على جانبي الطريق. حاول الرجل الأربعيني استنتاج الأسباب، إلى أن التقى بفتاة عشرينية، وسيدة أربعينية، كان السائق بالنسبة لهما بمثابة طوق نجاة، ينتشلهما للعودة إلى المنزل.

"المترو اتعطل ومحدش عارف هيشتغل تاني أمتى" قالتها الراكبة الشابة لوائل، بينما تخبره أنها لم تتوقع أن يقبل طلب التوصيل، فالمواصلات في تلك الساعات المطيرة، تحولت إلى دعوة يتمنى قائلها أن تُجاب. اتضح الأمر للسائق، لكن الصورة إلى تلك الكلمات لم تنذر بسوء، إلى أن وصل لطريق كورنيش النيل المؤدي إلى منطقة المعادي.

الحافلات مكتظة بالركاب، البعض لم يجد له مكان داخلها فتعلق بالأبواب، وسيارات النقل الصغيرة "الميكروباص" بات الوقوف فيها مشهدًا تقليديًا، والرصيف لا يخلو من المشاة انتظار لوسيلة أو سيرًا، كذلك المحطات شهدت أسر كاملة تنتظر. كأنها ساعة الظهيرة. رغم أنها تشارف على منتصف الليل.

أخذ وائل يُسجي الوقت بمتابعة تفاصيل المشهد، وفي خاطره يدور حديث لا يتوقف "القيادات من مسؤول حي لمحافظ مش فارق معاها كل البشر دي، مفيش حد فيهم معرفش يروح ولا روح على رجليه". كان السائق ينظر بحزن إلى العائدين إلى منازلهم سيرًا "على طول الطريق من مصر القديمة إلى المعادي الناس ماشية". تمنى لو استطاع مساعدتهم لكن قلة الحيلة تمنعه.

الموقف فرض على السائق المقارنة "روحت دبي، الهند، لندن، باريس، مشوفتش لما المطرة تنزل المواصلات العامة توقف، ممكن الخاصة متشتغلش، إنما الخدمات الحكومية بتزيد وقت الأزمات، لكن أحنا هنا بتقل".

يسافر وائل كثيرًا بحكم عمله الأساسي في تصميم الملابس، إلى جانب كونه "كابتن" في شركة "كريم" للنقل الخاص في دبي. منذ عام 2011 لم تعد إقامة الرجل الأربعيني في مصر سوى شهور قليلة، وتلك المرة أطولها "قاعد 4 شهور لتقييم تجربة الشركة ونقل خبرة للعاملين والناس".

يرى السائق تجمعًا للمياه أسفل الكوبرى وكل تقاطع، يستعيد آخر مرة شهد بها أمطار في دبي، يناير المنصرف "قعدت 3 أيام تمطر، لكن الماية متشافتش في الشارع، عمال البلدية كانوا يزقوا المياه على المصارف لو واقفة".

حين يفاضل وائل بين الأوضاع يحدث نفسه "الناس هي هي.. لكن في مصر متعودناش على النظام.. وبره مش عاملين اختراع". يجد أن إهمال المسؤولين "طلق الناس على بعض"، فأصبح كل شخص لا يهمه سوى نفسه وفقط، فلم يعد هناك ضير من التكالب للحاق بمكان خالي في مواصلة، فيما يحزن برؤية هؤلاء ممن لم يجدوا سوى سيارة نقل تقلهم بالطريق.

طيلة الرحلة ربط وائل على نفسه الهدوء، إلا مرات قليلة انزعج من تصرف قائدين سيارات بالجوار، حاولوا دون تفكير إيجاد مساحة لهم بين التكدس المتوقف، ينهر أحدهم فيبرر الشاب المستقل للعربة المجاورة "بقالنا ساعتين في الشارع هنعمل ايه"، يرد عليه قائد "كريم" إن هذا الوقت أولى بمراعاة غيره.

في الواحدة صباح يوم الأربعاء انتهت الرحلة غير المتوقعة لوائل، أوصل السيدة والشابة العشرينية إلى منازلهم، وكما خاب ظنه في الطريق إلى المعادي، جاءت رحلته في الرجوع لمنزله غير متوقعة "روحت في ربع ساعة الطريق كان فاضي لأن المشكلة في خط حلوان"، حينها تأكد الرجل أن الأزمة ليست في الأمطار لكن في عقول لا تجيد إدارة الأزمات رغم أنها مسؤوليتها، فيما تبقى الناس ضحايا إلى أن يظهر لهم "نظام".

فيديو قد يعجبك: