"المنطقة الرمادية".. فيلم عن المواهب المهمشة في "المنيا"
كتب- محمد مهدي:
مشاجرة أوحت للمخرج محمد خان بفيلمه "زوجة رجل مهم". ذهب إلى المنيا في عام 1987 لتصوير جزء من السيناريو، لم يصطحب معه سوى الأبطال الرئيسين، فَضل منح الأدوار الصغيرة لفناني المحافظة، ليظهر "عم فاروق" في 3 مشاهد مؤدياً شخصية "جواهرجي" أمام أحمد ذكي.
فُرصة لم تتكرر كثيراً لأبناء الصعيد، وهو ما دفع المُخرج الشاب "محمود أبوبكر" لصناعة فيلم تسجيلي داخل محافظته-المنيا- للحديث عن تهميش الموهوبين في الوجه القِبلي والأقاليم، وتسليط الأضواء فقط على العاصمة أو من يتنقلون إليها.
كان أبوبكر، الذي يعمل في مجال "الميديا" منذ سنوات ككاتب، يساوره سؤال دائما عن سِر عدم النظَر بعين الاهتمام لكثير من الموهوبين بالمنيا وباقي المحافظات التي لا ترى شمس الفن. تحول السؤال إلى فِكرة بأن يصنع فيلما عن أبرز النماذج الفنية من حوله، وكيف عاش بعضهم عقود في دنيا الرسم أو الشعر أو السينما دون أن يعرف عنهم الكثير في القاهرة "وكان عم فاروق أول خيط، وأفضل افتتاحية للفيلم".
اختار خان "عم فاروق" في الفيلم الشهير، لكنه لم يُمنح خطوات أكبر في السينما، انتهى كل شيء بمغادرة المُخرج الكبير أرض المنيا. وظل الرجل لسنوات يُمارس موهبته في قصور الثقافة. الأمر ذاته عاشه الشاعر أشرف عتريس، الذي قضى 33 عاما يكتب قصائد، ويتلوها داخل القصور، ولم يزرَ القاهرة سوى مرة "شاف فيها إزاي الناس ملمومة على الشباب اللي لسه بيبتدوا، بينما الصعيد محدش بيبص عليها".
تلك شخصيات فنية عثر عليها "أبوبكر" في طريق البحث عن خيوط العمل"بدور طول الوقت من ساعة ما وعيي اتشكل على أزمة الظلم الفني للصعيد والأقاليم" يسأل الشاب العشريني كثيراً، يُناقش أصدقائه في جلساتهم، ينطلق هنا وهناك في انتظار الوصول لفنانين أكلت المسافات حقهم في الظهور "لحد ما وصلت كمان للفنان العالمي حسن الشرق، ودي قصة كبيرة".
حسن الشرق، فنان تشكيلي عالمي، لوحاته تُباع في أكبر المتاحف العالمية، ولديه متحف كبير في المنيا-وفق أبوبكر- دُهش الفنان الشاب حينما تعرف على الفنان الكبير "فيه ناس كتير في المحافظة لو قولتلهم عليه مش هيبقوا عارفين رغم قيمته الكبيرة" وهو صُلب ما يرغب أبوبكر في التعبير عنه، لذا تطرق أيضاً لموهبة شابة مثل "أحمد كمال" صاحب فيلم قصير، وتجربة مسرحية "هو أبرز الناس اللي بتحاول تعمل حاجة في المنيا".
كان العمل حبيس الأدراج والعقل، خلال السنوات الماضية، لكن في 2017 قرر أبوبكر خوض الطريق، بحث عن فريق جيد لمشاركته العمل "إسراء مقيدم، حمادة الجارحي، أحمد يوسف، حاتم يوسف، منى ممدوح" شعر بالسعادة لوجود عناصر نسائية عديدة في الفيلم "لأن الستات مش واخدها حقها بشكل كافي في الصعيد في الفن".
في سبتمبر من العام الفائت، انهمك أبوبكر بجوار فريقه في إتمام العمل "اتعمل بجهود ذاتية، صورنا ب3 كاميرات وكل الفريق اشتغل بدون مُقابل" جائت موافقات الشخصيات التي ظهرت بالفيلم سريعة "يمكن أ. حسن كان رافض في الأول لأنه إتعامل عنه كتير في وكالات أجنبية ومشاريع تخرج، بس لما عرف الفكرة تحمس".
دارت عجلة العِمل، لكنها احتاجت لنحو 8 أشهر للخروج إلى النور "لأن أغلب الناس متطوعة، فكنا بنشوف الأوقات الأمثل لكل واحد" إسراء تكتب بصياغة بديعة حديث الراوي، تتلوه منى بعذوبة، يخرج أبوبكر إلى الشوارع للتصوير بكاميرا صغيرة "الجوبرو" وسط دهشة المواطنين، يجتهد الجارحي في تصوير المقابلات، بينما يضع حاتم لمساته في المرحلة الأولى بالمونتاج ويُكملها أحمد يوسف.
منذ أيام، بات الفيلم مكتملا "قررنا إننا ننشره على الإنترنت" نَشره أبوبكر على صفحة خاصة بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك "كنت حاسس إننا عملنا كل اللي نقدر عليه" لكن ذلك لم يمنع القلق من زيارته، غير أن ردود الفعل حول العمل كانت مبهجة وحقق مشاهدات وصلت نحو 50 ألف "كلام جميل، وناس قالت إن الفكرة لمستهم، وشايف مشاركات كتيرة، وأكتر تعليق لما حد قال بصوا شوفوا المنيا فيها فنانين أهوه" يذكرها بفخر.
كمن ألقى حجر في المياة الراكدة، كان العمل الذي حقق نحو 50 ألف مشاهدة "متنفس، أو محاولة للخروج من الصمت اللي احنا فيه والتجاهل، والصراحة جاب مردود مهم" يُحدثه الكثيرين من أبناء المنيا وعدد من المحافظات المختلفة "متحمسين، عايزين نبدأ أعمال تانية، بيقولوا معانا معدات وأفكار وعايزين نشتغل" هذا ما كان يتمناه أبوبكر.
"المنطقة الرمادية" هو العمل الأول لأبوبكر، لكنه ليس الأخير، هاجسه بأن "المنيا ممكن تقفل عليا أو القاهرة تسد ودانها عن موهبتنا" يدفعه دائما لمزيد من العمل "أول ما بقلق بشتغل أكتر وأطلع أفكار، وأكلم ناس نعمل مشروعات سوا" لذا هو الآن يبحث عن مشروع جديد لاستكمال ما بدأوه في فيلمه الأول "بس المرادي هيكون دوري أصغر، وناس تانية هي تقود عشان المنيا تطلع ناس أكتر وأكتر".
فيديو قد يعجبك: