لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بعضهم عاد لأجل لقمة العيش.. كيف يعيش العمال الناجون من الخطف في ليبيا؟

04:42 م الثلاثاء 01 مايو 2018

كتبت – نانيس البيلي:

عُمر جديد كُتب لـ"هيثم جمال" الشاب المصري الذي أنقذه الجيش الليبي من واقعة الاختطاف التي تعرض لها رفقة 20 عاملا مصريا قبل نحو عامين ونصف على أيدي جماعة ليبية مسلحة وأعادوهم إلى مصر. الآن شريط الذكريات المريرة يمر أمام عينيه مع كل مشادة يدخل فيها مع أحد الليبيين في نفس المدينة الليبية "زلة" والتي سافر إليها مرة أخرى بعد شهرين فقط من الواقعة.

أواخر ديسمبر عام 2015، تعرض 20 عاملاً مصريًا بليبيا، للاختطاف على أيدى ميليشيات ليبية مسلحة، وبعد 20 يوما نجحت الأجهزة الأمنية المصرية بالتعاون مع السلطات الليبية الشرعية في تحريرهم، واستقبلهم الرئيس عبد الفتاح السيسي في مطار القاهرة الدولي.

وينتمي العمال المصريون إلى قرية ساكية داقوف مركز سمالوط محافظة المنيا، معظمهم أبناء عمومة وأقارب، بعد فترة عاد بعضهم إلى ليبيا مرة أخرى.. في "عيد العمال" "مصراوي" تحدث مع عدد منهم:

"عاوز أكمل نص ديني وأبني شقة"، بصوت مُختنق يبرر صاحب الـ23 سنة سبب عودته إلى ليبيا رغم واقعة الاختطاف التي نجا منها بأعجوبة، وعلمه بخطورة تواجده هناك.
مشكلات عدة تواجه المصريين العاملين حاليًا في ليبيا، بحسب "هيثم"، فبخلاف قلة فرص العمل "ممكن أشتغل أسبوع وأقعد أسبوعين مش لاقي"، قد يمتنع أرباب العمل عن دفع مستحقاتهم المالية "كتير بياكلوا علينا فلوسنا ويقولي روح اشتكيني".

شعور بقلة الحيلة ينتاب "هيثم" حيال عجزه عن الحصول على أجرته نظير العمل الذي أتمه، فيذكر أنه في المرات الأولى كان يذهب للشكوى في المراكز الشرطية دون جدوى "بيقولولي لم موضوعك مع نفسك".

haitham

لا ينتهي الأمر عند هذا الحد، يقول الشاب العشريني إن صاحب العمل قد يرسل له مسلحين للانتقام منه لإقدامه على الشكوى ضده "كتير بيبعتلي حد تبعه السكن اللي أنا فيه يبهدلني ويبهدل الناس اللي معايا".

بصوت منكسر، يطلق "هيثم"، زفرة غضب ويقول إنه يقف صامتًا أمام الإهانة وربما الاعتداء الجسدي الذي يتعرض له وزملاؤه من أي مواطن ليبي "الواحد بيكتم جواه، لأن لو اشتكيته بيروح باعتلي قرايبه يسحبوا عليا السلاح"، يصمت قليلاً ويضيف أن انتشار السلاح بصورة كبيرة مع الأفراد يبث الخوف في قلوبهم "مفيش أمان هنا بصراحة، إحنا ماشيين بحماية ربنا".

العودة إلى مصر والاستقرار بجانب الأهل والأحبة والحصول على وظيفة توفر حياة كريمة وتكوين أسرة، أحلام تراود "هيثم"، الذي يحكي وغُصة في حلقه عن معاناته في بلاد الغربة "والله إحنا ما بنحب الغربة، ولو لقينا شغل في مصر مش هنتغرب ونتبهدل ونسيب أهلنا.. مصر أولى بينا وإحنا نعمر في بلدنا أحسن ما نعمر في حتة تانية، أهلنا قلقانين علينا وكل شوية يقولولي تعالى ارجع بس ما باليد حيلة.. شوفولنا حل".

العمال المصريون العائدون من الخطف في ليبيا

على عكس هيثم، قرر "محمد سامي" البقاء في مصر، لكنه يعاني من البطالة منذ عودته في 2015.

رحلة بحث عن أي فرصة عمل بدأها الشاب قبل عامين ونصف ومستمرة حتى الآن "من ساعة ما رجعت لا اشتغلت ولا عملت جنيه" وهو ما أدخله في حالة نفسية سيئة "الدنيا واقفة والنفسية زفت وتعبت خالص من العيشة".

بعد حصوله على شهادة الدبلوم، سافر ابن قرية "ساكية داقوف" وهو بعمر 19 عاما إلى ليبيا التي يعمل بها عدد كبير من أقاربه وأبناء قريته، راوده آنذاك حلم الزواج وتجهيز متطلبات شقة الزوجية، وبعد تحريره من الخطف وإعادته إلى أرض الوطن خسر جزء كبير من أمواله "سيبنا كل حاجة، وجينا إيد وراء وإيد قدام".

"في بيع الفراخ ثم الخضراوات" عمل "محمد" في مدينة "زلة"، يقول إنه كان يحصل في الشهر الواحد على حوالي ألف دينار ليبي "3 آلاف جنيه مصري": "الدنيا كانت تمام وحلوة وبنحمد ربنا"، بنبرة ساخرة يتحدث عن إحدى الوظائف التي تم قبوله فيها بعد عودته بمحافظة المنيا "قالولي هتاخد 300 جنيه في الشهر، دول يدوب يكفوا ثمن المواصلات من القرية بتاعتي".

رغم المأساة التي عاشها خلال أيام اختطافه، يفكر "محمد" حاليًا في السفر مرة أخرى إلى ليبيا لرغبته في الزواج "هسافر تاني حتى لو هموت هناك، أعمل إيه ما أنا كنت في خطر وكنت شغال والدنيا حلوة".

يصمت قليلاً ويتذكر رغد العيش الذي كان شاهداً عليه أول عامين في سفره قبل اندلاع الحرب هناك وتبدل الأحوال، "اللي حصل في ليبيا خراب بيوت ووقف حال للعمال المصريين".

hamada
"حمادة ماهر" عائد آخر من ليبيا، نجح في الحصول على عمل في مصر، ويعمل حاليا كسائق على سيارة ميكروباص في منطقة عين شمس بيومية تتراوح بين 50 إلى 100 جنيه.

يتحامل الشاب الثلاثيني على آلام الغضروف التي تداهمه بين الوقت والآخر ليستمر في العمل لإطعام زوجته وطفليه، "وممكن أتشتم بأمي وأهلي من السواقين، بس مستحمل عشان أجيب لابني لقمة حلال بدل ما أدخل في طريق حرام أو أسرق".

" 20 يوم وإحنا بنموت تحت الأرض، أنا كنت بصلي وبتشاهد على روحي، الباب لما كان بيتفتح كنت بركع على ركبي من الخوف".. كلمات ممزوجة بالتلعثم والخوف أطلقها "حمادة" وهو يتذكر لحظات الفزع.

رفض قاطع أظهر "حمادة" حيال فكرة السفر إلى ليبيا مرة أخرى، "من اللي شفته هناك مش قادر أرجع تاني"، يصمت قليلاً قبل أن يغير حديثه قائلاً "بس هخلي ولاد عمي يعملوا لي أوراق عشان أمشي، كله يهون عشان بيتي وولادي اللي عندي بالدنيا وما فيها".

العمال المصريين بليبيا

طوال 5 أشهر ظل "هشام جمال" يبحث عن عمل بعد عودته من الاختطاف في ليبيا، خلالها كان يحاول تدبير أي مبلغ لإطعام أطفاله الثلاثة وزوجته "كان أبويا ممكن يديني مصاريف، وساعات أشتغل في البلد أي حاجة أجيب فلوس".

بعد ذلك، عثر الرجل على فرصة عمل بمصنع طوب في مرسى مطروح براتب 2500 جنيه "بس الواحد اتبهدل كتير، على ما لقيت الشغل ده"، يقول إن نفقات أطفاله التي تزيد تجعله يفكر في السفر للخارج "بس مش عاوز أرجع ليبيا، لو فيه السعودية أو دولة خليجية أطلع".

بنبرة حزينة، يذكر "هشام" أنه لم يتمكن من ادخار أي شيء خلال سفره إلى ليبيا التي مكث بها 5 أشهر فقط قبل واقعة الاختطاف عمل خلالها "شيال" طوب ورمال في أحد الأسواق بيومية 40 دينار ليبي "180 جنيها مصريا": "ملحقتش أعمل حاجة والله، كنت لسه يدوب بدعبس على شغل اتخطفنا، كنت اللي بجيبه بصرفه أكل وشرب ومصاريف".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان