لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"هنزرع رز لو على رقابينا".. فلاحو الشرقية يبورون أراضيهم في انتظار الفرج

08:43 م الأربعاء 23 مايو 2018

فلاحو الشرقية

كتبت- علياء رفعت:
تصوير- منعم سامي:

"هنزرع رز حتى لو على رقابينا، خليهم ييجوا يحبسونا احنا وعيالنا في المركز ويأكلونا هما ساعتها".. كانت تلك قذيفة غضب انطلقت من أفواه فلاحين بمركز ههيا، بمحافظة الشرقية، لدى سماعهم عن قرار وزير الموارد المائية بتحديد المساحات المصرح بزراعة الأرز فيها هذا العام، والذي حرم مركزهم من زراعة هذا المحصول.

لم يكن ذلك حال ههيا وحدها، ولكنه حال العديد من المراكز بمحافظاتِ مختلفة استقبل فلاحوها القرار بصدمة شلت تفكيرهم عن بديل لا يرون له وجود في حال عدم زراعة المحصول الأهم بالنسبة لهم، نظرًا لكونه "خَزين الدار، وزريعته تمن استئجار الأراضي" كما يؤكدون.

2

"البداية كانت بأرض محمد أبو اسماعيل، رشوله كيماوي ع الزرع فمات".. قالها أحد مُزارعي الأرز شارحًا ما يتعرضون له منذ اتخاذ القرار وبداية تطبيقه. ورغم إصدار وزارة الزراعة منشورات توضح المراكز التي تم منع زراعة الرز بها، إلا أن بعض الفلاحين خالفوا ما جاء بتلك الأوراق التي عٌلقت على أبواب نقابة الفلاحين والجمعية الزراعية بكل محافظة، فما كان من الوزارة إلا إرسال حملات تفتيش تقوم برش الكيماوى على الأراضي المخالفة، ليخسر الفلاحون "الجِلد والسقط" بعد أن فاتهم موسم الزراعة .

"بمبيد 48% بمعدل 2.5 لتر لكل فدان".. أبادت حملات التفتيش الخاصة بوزارة الزراعة محاصيل الفلاحين المخالفين، تاركة خلفها نواح ونحيب زوجاتهم، وباتت حسباتهم أكثر تعقيد بعدما أصبحوا لا يعرفون كيف سيطعمون صغارهم، أو ماذا سيزرعون ليقتاتوا من أمواله ويدفعون إيجار الأراضي؟

3

على حِماره، كان "محمد عرفة"، الأربعيني، عائدًا من حقله بعد أن شَت عقله لسوء حال الأرض التي حصد منها القمح، خَططها، ثم تركها هكذا "بور" دون محصول بعد أن مُنع من زراعة الأرز. يضرب كَفا على كف ويتساءل وهو شارد الذهن "يعني نزرع إيه؟، مفيش محصول تاني غير الرز ينفع، لازم نزرعه لجل نبرد بيه الأرض ونوكل العيال".

مُتجهًا إلى منزل أبيه ليُناقشه في "المُصيبة" التي حلت عليهم لا يعرف كيف!؛ التقي محمد بنقيب الفلاحين، عبد الكريم الحسيني، ليبادره بالسؤال "مفيش أخبار جديدة من مصر عن زراعة الرز يا حاج، هنعمل أيه لو الحال استمر كده.. الله الوكيل لازم نزرع رز، مانقدرش نزرع غيره".

بدت الحيرة على وجه النقيب الذي لم يعرف بماذا يجيب الرجل، ثم حاول إخفاء قلة حيلته وهو يجيبه "بعتنالهم جوابات ومستنظرين يردوا عليها.. ربنا يسهل".

4

تفاقم أزمة مزارعين الأرز بالشرقية دفعت نقيب الفلاحين هناك لإرسال العديد من الطلبات لنواب مجلس الشعب عن المحافظة لمناقشة الأمر في جلسة طارئة لإيجاد حل.

وتصدرت الأزمة اجتماع محافظ الشرقية مع نواب البرلمان أواخر الشهر الماضي، ليقرروا عقد اجتماع مع وزير الموارد المائية لتقديم مقترحات لزيادة المساحات المخصصة للزراعة في المحافظة، حيث يعتبر الرز بالنسبة للفلاحين هناك، محصولا اقتصاديا وغذائيا هاما يسهل زراعته وتخزينه، ويساهم في زيادة دخل الفلاح.

وعقب الاجتماع، وجه النواب العديد من طلبات الإحاطة للدكتور محمد عبد العاطي، وزير الموارد المائية والري، للاستفسار عن سبب تقليص المساحات المنزرعة من محصول الأرز من مليون ومئتي فدان إلى 700 ألف فدان، فضلًا عن فرض غرامات على المخالفين.

5

خارج منزل "أحمد عرفة" "شيخ" الفلاحين، الذي لُقب بهذا الاسم لكبر سِنه ولكونه أقدم المزارعين بالمنطقة، جلست مجموعة كبيرة من المزارعين. بعضهم جلس واضعًا يده فوق رأسه، والبعض الآخر يتحدث بغضب بسبب عدم زراعة الأرز، بينما يشترك جميعهم في الإقرار "هنزرع هنزرع مهما قالوا متزروعش.. ما كل المحافظات اللي جنبنا زرعت!"

ورغم إصرارهم على الزراعة، يعي هؤلاء أن مخالفة القانون ستكون عقوبتها إما بالغرامة أو الحبس، بحيث لا تقل الغرامة عن 3 آلاف جنيه، ولا تزيد على 10 آلاف جنيه للفدان أو كسور الفدان، بالإضافة إلى أن إزالة المخالفة ستكون على نفقة المخالف.

يقول حامد عبد الدايم، المتحدث باسم وزارة الزراعة: الغرامة يتم دفعها في حالة قام الفلاح بزراعة الأرز ثم حصاده، والقانون ينص على أن إزالة المخالفات تتم على حساب المخالف، أي أن الفلاح في حالة زراعته للأرز سيدفع مبلغ الغرامة المقرر ومن ثم تقوم الوزارة بإزالة الأرز المزروع -وفقًا للقانون- عن طريق رشه بالكيماوي لإعادة الوضع لما كان عليه.

وأشار عبد الدايم إلى أن بديل زراعة الأرز هو زراعة الذرة والقطن، والذي لم يصدر أي قانون يحد من زراعتهما ولكن أن يعمد الفلاح إلى زراعة الأرز في المناطق المحظورة بهدف الكسب المادي نظرًا لارتفاع العائد فهذا ليس مسموحا بالنسبة للوزارة "مينفعش الفلاح يكسب على حساب الصالح العام".

لم يتغير موقف الفلاحين حتى بعد معرفتهم للغرامات المقررة فهم يصرون على موقفهم الذي يساندهم فيه الشيخ السبعيني قائلًا " الناس هتزرع رز غضب عن عين الكل، وهيحصل بهدلة بين الفلاحين وبين أى حد يتعرضلهم، أو هنبور لهم الأراضي ويستحملوا هما النتيجة".

بوار الأراضي لن يكون إلا نتيجة يراها "عرفة" حتمية لدى تشبث الوزارة بانعدام زراعة الرز في المركز لأن أهالي الفلاحين لا يعرفون عن زراعة الأرز التي وعوا عليها بديلًا.
يتملك "عرفة" 10 أفدنة يوزعها بين أولاده الذين يزرعونها ليطعموا الأحفاد. الروتين الزراعي لتلك الأراضي لا يتغير منذ كان الأب يفلح بيديه؛ زراعة القمح في شهر نوفمبر وحصاده في إبريل، ثم زراعة الأرز في مايو وحصاده في سبتمبر، أما من سبتمبر لنوفمبر فزراعة البرسيم تفي بالغرض.

وبحسب عرفة يستهلك محصول الأرز نفس كمية المياه التي يستهلكها محصول القمح "أراضنا مش بتشد ماية زي ما الوزير بيقول، إحنا بنسقي الرز كل 10 أيام زيه زي الغلة بالظبط"، لكن تلك الأقوال لا تجد من تشفع عنده للفلاحين ليعاودا زراعة الأرز مرة أخرى.

الجدير بالذكر أن وزارة الموارد المائية والري، حددت المساحة التي سيتم زراعتها بمحصول الأرز الموسم الجديد "2017" بمليون و76 ألف في 10 محافظات فقط، هي البحيرة 174 ألف و978 فدان، والغربية 70 ألف فدان، وكفر الشيخ 275 ألف و18 فدانا، والدقهلية 300 ألف فدان، ودمياط 57 ألف فدان، والشرقية 176 ألف و401 فدان، والإسماعيلية 3 آلاف 520 فدانا، وبورسعيد 30 ألف فدان.

ووفقا لقرار وزارة الموارد المائية والري، تم حظر زراعة الأرز هذا العام فى مراكز "الزقازيق – القنايات - منيا القمح - مشتول السوق – ههيا – الإبراهيمية - ديرب نجم - القرين- الصالحية – القصاصين شرق".



"مشكلتنا دلوقتي إن مفيش أرز، وإن مكناش نزرع رز السنة هنعيش ازاى يعني!" يقولها "فتحي فاضل" الأربعيني، مؤكدًا أن عدم زراعتهم للأرز يعني لهم الفقر والجوع، لأن ثمن محصول الأرز العالي كان يدبر سعر استئجاره الأرض، وأنه بدونه لن تستقيم أحوال منزله ولن تجد زوجته ما تسد به جوع أطفال، مُضيفًا "الحكومة كده بتجوعنا، والفلاحين مش هيسكتوا هيثوروا عليهم من الجوع".

في انتظار قرارٍ يخفف من وطأة معانتهم، بقي الفلاحين على الأرض محروثة دون أن يبذروا فيها أي بذورٍ، أملًا في استجابة الحكومة لرغبتهم في زراعة الأرز. ولهذا يقترح الرجل الأربعيني أن يكون الحل هو قيام الحكومة بتخفيض الكمية المزروعة إلى النصف فبدلًا من أن يزرع الفلاح فدانًا يزرع نصف فدان، وهكذا، حتى يؤمنوا للجميع الحق في الزراعة والمنفعة وتأمين المخزون الأساسي لمأكلهم وأموالهم.

"الفلاح قاعد عيان من ساعة ما سمع الخبر" قالها عبد الكريم الحسيني، نقيب الفلاحين بالشرقية، موضحًا أن حالهم "لا يسر عدو ولا حبيب" وأنه يخشى لحظة انفجارهم التي إن وصلوا لها لن يستطيع أحدًا أن يرجعهم خطوة واحدة عنها الوراء، "الناس مقررة تزرع رز بالعافية واللي هيجي جمب أرضهم عشان يرشها مش هيسيبوه سليم".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان