لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

العتبة والخياطة وتدوير القديم.. أبرز حيل المصريين لمواجهة غلاء لبس العيد

02:21 م الأحد 10 يونيو 2018

0

كتبت- علياء رفعت:

في وسط ميدان العتبة، وقفت "نورا" مع صديقتها أمام "استندات" مُعلق عليها بلوزات بمختلف الأشكال والألوان. أخذت الصديقتان تقلبان جيدًا حتى استقر أمرهما على قطعة قررا شراءها، عقب رحلة طويلة استمرت ثلاث ساعات تجولتا خلالها، بين شوارع وحواري وسط البلد وصولًا إلى العتبة.

نورا، مثل أغلب المصريين، تنهمك عقب مُضي النصف الأول من رمضان، في خوض رحلات البحث عن ملابس العيد الجديدة، ولكن الأوضاع الاقتصادية وغلاء أسعار الملابس هذا العام أصابتها وأصابت شريحة كبيرة من المواطنين بالصدمة، فأخدوا يبحثون عن بدائل تمكنهم من التحايل على الغلاء كي لا تنطفئ فرحتهم بعيد الفطر، ولا تنقطع العادة.

1

"الأسعار في وسط البلد نار، معرفتش اشتري من هناك حاجة رغم إني متعودة بجيب منها كل سنة".. بهذه الكلمات استهلت نورا حديثها وهى تتذكر أحداث اليوم الذي تنتظره في العادة من العام للعام، لشراء لبس العيد الجديد والذي تمنع نفسها مما تشتهيه قبل موعد العيد بفترة "بحوشله قبلها بـ3 شهور".

صُدمت الفتاة بارتفاع الأسعار فقررت أن تخوض التجربة الأرخص وتذهب إلى العتبة بعدما نصحتها صديقتها بذلك: "صحيح الذوق هنا مش زي وسط البلد بس الواحد لو تعب ودور هيلاقي حاجات حلوة."

فارق أسعار الملابس ما بين العتبة ووسط البلد في القطعة الواحدة بلغ خمسين جنيها، ووصل أحيانًا إلى المائة حسبما توضح نورا، التي قالت بانفعال إنها لن تشتري لبس العيد مرة أخرى "الطقم عاوز له مش أقل من ألف جنيه، وأنا حظي كان حلو عشان لقيت السنة دي في العتبة لكن السنة جاية مش هعرف أجيب بالأسعار دي ولا لا؟!"

بحسب بيانات الجهاز التعبئة العامة والإحصاء، فإن مجموعة الملابس والأحذية سجلت ارتفاعا قدره 24% في أبريل الماضي، مقارنة بنفس الشهر العام الماضي. وارتفعت أسعار الملابس الجاهزة بنسبة 24%، والأحذية بنسبة 29.8% خلال أبريل، ووفقا لبيانات التضخم التي يصدرها الجهاز شهريًا.

20180604_162838

على بعد 10 أمتار من نورا وصديقتها، كانت "سوسن" الثلاثينية تقف أمام فرشة جينز للأطفال تجاورها فرشة للأحذية. تسأل عن سعر البنطلون لطفلتها الصغيرة ليأتيها الرد مُزعجًا "120 جنيه"، تفتح محفظتها لتتأكد من أن كُل ما تملكه هو مائة وخمسون جنيها فقط، ولن تستطيع بها شراء بنطلونين لصغيرتيها الاثنتين.

على الفور اتخذت السيدة القرار، اشترت حذائين صغيرين بمبلغ سبعين جنيها، فقط، وأعرضت عن فكرة شراء بناطيل جديدة.

"أهو كُل الناس على الحال ده تيجي تسأل على الأسعار وتمشي، رغم إنها العتبة يعني مفيش أرخص من كده".. قالها عادل الخمسيني وهو يُعدل من وضع بعض البنطلونات المرصوصة أعلى فرشته، فبرغم أن رمضان يعتبر "موسم" العام بالنسبة لهؤلاء الباعة إلا أن هذه السنة ليست مثل الأعوام الماضية.

"الرزق يا دوب ع القد.. واللي جاى أقل من اللي رايح" بهذه الكلمات التقط "حسين" الثلاثيني صاحب فرشة الأحذية المجاورة لعادل أطراف الحديث، وهو يؤكد أنه بات يبيع أقل من نصف الكمية التي اعتاد بيعها كل عام في مثل هذا الموسم، "الناس بتيجي تسأل وفي الغالب مبقوش يشتروا رغم إن العتبة مكان للي فلوسهم ع القد بس العيشة بقت صعبة أوي اليومين دول"، هكذا يقول حسين بصوت يملأه الغضب.

6

في الثامنة ليلًا، جمعت سوسن أدواتها وجلست خلف ماكينة الخياطة الخاصة بها بعدما جمعت كل الملابس القديمة لصغيرتيها. فرزتها جيدًا بعناية بعد أن غسلتها وعطرتها، ثم جلست بعيدا عن أعين الصغيرتين، تغير ملامحهما، لتبدو موديلات جديدة، بعيدة كل البعد عن هيئتها الأولى، حتى لا يتعرفن عليها، ويكتشفن أنهما ترتدين ملابس قديمة في العيد.

بحركاتٍ رشيقة، أمسكت سوسن بقبضة المقص، والملابس القديمة اقتطعت أجزاء من الفساتين الصغيرة، والبناطيل والبلوزات، ثم أضافت عليها كُلف من الدانتيل، وحبات من اللولي، وحولت البطلونات المهترئة إلى "شورتات" قصيرة، أضافت إليها أطراف الدانتيل. أما البلوزات ذات الأكمام أزالت عنها أكمامها لتصبح عارية الكتفين مرصعة بحبات اللؤلؤ البلاستيكية.

بعد أربع ساعات متواصلة من العمل الجاد، كانت سوسن قد انتهت من صنع أطقم العيد لصغيرتيها، وأدخلتها إلى الغرفة لتقيسا الملابس الجديدة، ارتفعت صيحات البنتين فرحًا، لم تشكان للحظة أنها لبسهما القديم.

"مكنش عندي حل تاني، أرخص مكان كنت بروحه هو العتبة والسنة دي حتى مقدرتش اشتري منها لأن اللبس نازل للتجار غالي فبقى الضعف على المشتري"، قالتها سوسن وهو تفسر ما دفعها للجوء إلي الخياطة، التي تعلمتها على يد والدتها، "مقدرتش مشتريش هِدمتين العيد للعيال، بس العين بصيرة والإيد قصيرة فكان لازم افكر في حل تاني"، هكذا قالت.

يؤكد يحيى زنانيري، رئيس شعبة الملابس بغرفة القاهرة التجارية، أن أسعار الملابس الصيفي ارتفعت هذا العام بنسبة تتراوح بين 10 و15%، مشيرا إلى أن هذه الزيادة ليس لها علاقة باقتراب العيد، ولكن المواطنين شعروا بها عند الشراء قبل العيد، مؤكدًا أن السبب في ذلك هو زيادة المواد الخام وارتفاعها في ظل انخفاض قيمة الجنيه.

وأشار الزنانيري إلى أن نسبة الملابس المستوردة في السوق المحلية تراجعت من 60% إلى نحو 30 أو 45% حاليا، والباقي لصالح المنتج المصري، بعد تراجع الاستيراد وزيادة تكلفته لارتفاع الدولار.

2

في زقاقٍ ضيق من أزقة العتبة، اتخذت "نرمين" ووالدتها موضعهما أمام إحدى فرشات الشنط الحريمي بعد أن خاضتا رحلة طويلة من مصر الجديدة إلى العتبة لشراء أحذية وشنط العيد.

"كنا متعودين ننزل روكسي كل سنة، بس السنة دي روحت لقيت أقل شنطة بـ350 جنيها، واحنا 3 بنات مش واحدة"، قالتها نرمين العشرينية وهي تقلب إحدى الشنط التي اعجبتها بين يديها لتأخذ رأي والدتها، التي ما إن رأت ارتفاع الأسعار إلى هذا الحد، قررت أن تصحبها إلى العتبة للشراء منها "من زمان وأنا بقولهم يجربوا ييجوا العتبة بس مكنوش بيسمعوا الكلام عشان يجيبوا مع صحباتهم من نفس الأماكن، بس دلوقتي غلا الأسعار أجبرهم"، تقولها الأم.

"200 جنيه" هكذا جاء رد البائع على نرمين حين سألته عن سعر الحقيبة التي أعجبتها، أفلتت الأم الحقيبة على الفور من يديها، شكرت البائع في عجالة واتجهت نحو زقاقٍ أضيق يؤدي إلى ورش بيع جملة.

"دستة أو نص.. دستة أو نص" صيحاتٌ تعالت منذ أن وطأت أقدامهما أول الزقاق الذي يعلن أصحابه عن بيع دِست الحقائب أو نصف دستة بسعر الجملة دون أن يزيدوا عليه قيمة مكاسب التجار.

5

عقب مفاوضات عديدة خاضتها الأم مع صاحب إحدى الورش، استقر حالها على شراء ثلاثة حقائب لبناتها بمبلغ 300.

"دي نفس الورش اللي بتنزل للمحلات الكبيرة بس بتبيع أرخص وبسعر الجملة، ناصيتين من البياع اللي كنا واقفين عنده بس وفرنا أضعاف مضاعفة".. قالتها الأم وهى تنظر لابنتها التي تزين وجهها بابتسامة عريضة، بعدما اشترت أخيرا الحقيبة الجديدة، فتقول لها والدتها، وكأنها تنصحها "خليكِي ناصحة في بدايل كتير للبس الغالي واحنا لازم نمشي على قدنا في الظروف اللي احنا فيها دي".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان