بين تطوير المحتوى ورفع أسعار الجرائد.. هل تنتهي "صحافة الورق"؟
كتب- إشراق أحمد ومحمد زكريا:
تصوير- محمد حسام الدين:
سبتمبر المقبل، تنتظر الجرائد الورقية زيادة جديدة في أسعارها، أعاد ذلك الجدل حول قدرة المطبوع على الصمود، إذا ما أُخذ في الاعتبار الحالة الاقتصادية للمواطنين في السنوات الأخيرة، والتكنولوجيا التي تجعل المواطن ذاته ناقلًا للأخبار. فما بين تجارب صحفية أغلقت ومحاولات الإبقاء على الجرائد المطبوعة، يكون هناك أسباب تُدخل الصحيفة دائرة الموت.
شهد العام 2010، وجود 127 جريدة، وهو الرقم الأكبر خلال 13 عامًا، في إحصاء يقيس عدد الصحف ما بين عامي 2004 و2016، إذ انخفض العدد في العام الأخير إلى 76 جريدة، وفقًا لمؤشر صدر عن التعبة العامة والإحصاء الحكومي.
رفض الكاتب الصحفي، عبد الله السناوي، فكرة موت الصحافة الورقية، وقال "كل ما يقال عن احتضار الصحافة الورقية، على مستوى العالم، فيه مبالغة شديدة"، ودلل على ذلك بوجود عدد كبير من الصحف في الولايات المتحدة وبريطانيا زادت معدلات توزيعها في السنوات الأخيرة، رغم المنافسة الشرسة مع الوسائط الحديثة تكنولوجيًا، حسب قوله.
الأزمة في المحتوى
غياب المحتوى المتناول لاهتمامات القارئ يعد سببًا في دخول الجريدة دائرة الموت. يقول السناوي إن "الصحف لم يعد لديها ما تقوله كل صباح. فكل الأخبار التي تنشرها يكون القارئ أطلع عليها من الانترنت أو على شاشات الفضائيات قبلها بساعات أو ربما بأيام"، ومن ثم بات هناك سؤالا طبيعيًا يطرحه مشتري الصحف "ليه هشتري الجرنال؟"، فلا يجد إجابة مقنعة إذا ما صارت في موضع مقارنة مع الظروف الاقتصادية حسبما يقول مجدي الحفناوي، مدير عام التوزيع والطباعة في جريدة المصري اليوم.
"إحنا مبنقدمش خدمة، القارئ بقى عارف أني بضحك عليه لأن مفيش حاجة بقدمها له" كذلك يرى الحفناوي الوضع القائم، مشيرًا إلى خلو الصحف من مناقشة ما يعبر عن الناس، وهو ما وصفه السناوي بـ"خدمة لا تساوي ثمنها الخمسة صاغ".
ودلل الحفناوي على غياب المضمون بالأرقام "لما نكون 100 مليون واللي بيشتري الجرنال دلوقت حوالي 330 ألف، يبقى القارئ معدش بيصدق الجرايد". بعكس الماضي، كما يقول السناوي، لما كان توزيع جريدة الأهرام يزيد عن المليون نسخة عندما كان عدد السكان 30 مليون.
وأرجع سيد محمود، الصحفي المتخصص في الملف الثقافي بمجلة الأهرام العربي، ابتعاد المضمون الصحفي عما يثير القارئ إلى غياب "رئيس التحرير المغامر"، قائلاً إنه داخل الصحف سواء خاصة أو تملكها الدولة، لا يوجد مَن لديه الاستعداد لكسر التبويب الثابت المتبع في الصحف من صفحات مخصصة للأخبار وأخرى للرأي والفن وغيرها "وكأننا حافظين مكان الدرج وده بيخلي الصحافة تموت أن مفيش جديد".
كذلك يرى السناوي، أن على مدار العقود الماضية، شهدت الصحافة انخفاض مستمر في مستوى إدارات تحرير الصحف، حتى بات الموجودين الآن هم "الأضعف كفاءة منذ العام 1938"، بحسب وصفه.
ارتفاع الأسعار قتل وفرصة
تعد القاهرة أكثر المحافظات، التي يصدر منها صحف، بواقع 35 جريدة، بالقياس على أكبر خمس محافظات، طبقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وكانت الهيئة الوطنية للصحافة أعلنت 8 أغسطس الجاري دراسة رفع سعر الصحف بداية من سبتمبر المقبل.
لا يرى الحفناوي في قرار رفع أسعار الجرائد خطوة لإنقاذها بل القضاء عليها، فيما وصف السناوي الأمر بـ"قتل جماعي"، بينما اعتبر سيد محمود، أن ذلك يعطي فرصة أكبر للمجلات، إذ يصبح ثمن الجريدة يقترب من بعض المجلات، ومن ثم تكون خيار أفضل للقارئ خاصة إذا ما قدمت ما يجذبه.
جريدة البديل مثال
خلال الأعوام العشرة الماضية أغلقت عدد من الصحف أبوابها، فيما تراجع انتعاش أخرى وأعطت اهتمامها الكامل للنسخة الإلكترونية. البديل إحدى الصحف التي انتهت تجربتها الورقية عام 2009.
يحكي خالد البلشي، رئيس تحرير الجريدة المطبوعة حينها، أن المسألة لم تكن تتعلق بضعف الميزانية كما تداول، فقبل غلق "البديل" بنحو 15 يومًا، عقدت جمعية عمومية بتاريخ 22 مارس 2009، وخرج قرار زيادة الميزانية من 4 إلى 20 مليون جنيه، لكن في تاريخ 8 إبريل من العام ذاته، تفاجأ البلشي والصحفيين بعقد جلسة عمومية أخرى وإعلان قرار جديد لكن تلك المرة بغلق الجريدة.
وانتقل الحديث من إمكانية الاستمرار حتى نهاية العام إلى الغلق الفوري لضيق الميزانية، يعتقد البلشي أنه ربما تعرض مالكي "البديل" لضغط، إذ كانت الجريدة تتناول وقتها الموضوعات المتعلقة بالحريات مثل قضايا التعذيب، والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
حاول البلشي بعد ثورة 25 يناير إصدار تجربة "البديل" مرة ثانية خاصة بعدما وافق مجموعة ملاك الجريدة السابقين على هذا، وكان البلشي يرى أنهم أفضل مَن تفهم فكرة فصل الإدارة عن التحرير، غير أن المحاولة باءت بالفشل، لم يستطع الممولين إكمال الأمر ونقلوا الملكية إلى أخرين حاولوا "فرض رئاسة تحريرية علينا فأحنا موافقناش"، فلجأ رئيس التحرير إلى الموقع الإلكتروني للاستمرار في التجربة الصحفية التي بدأها.
المواقع الإلكترونية بالنسبة للبلشي خيار مهم، لكنه لا يغني عن الجريدة الورقية، يقول "بدليل أن وقت ثورة يناير كان في أعلى معدل توزيع في مصر"، ويتفق السناوي بقوله إن توزيع المصري اليوم وصل وقتها لـ400 ألف نسخة.
ورغم كل التحفظات التي تنال من الجرائد المطبوعة غير أن رئيس تحرير البديل السابق يرى أن هناك فرصة لها لا تتعلق برفع السعر وحده. "لو عندنا جرنال مختلف بيقدم صحافة حقيقية يعبر عن الناس. الناس هتشتريه ولو بـ10 جنيه" يقول البلشي، فيما يشير إلى تجربة جريدة الدستور الورقية عام 2005، إذ كان ثمن الصحيفة جنيهان وهو أعلى سعر وقتها وتوزيع الجريدة تجاوز وقتها 150 ألف نسخة، وهو ما دفع البلشي لقول "لو الصحافة اهتمت بالناس. الناس هتهتم بشرائها".
الحرية والتغيير
ورغم ما يراه السناوي من أن الصحافة تستطيع أن تتطور وتدخل فيما لا يستطيع التليفزيون والمواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي الدخول إليه، لكنه يجد أن هناك مشكلتان تُهددان استمرار الصحافة الورقية في مصر. الأولى هي "انخفاض مستوى حرية التعبير". بقوله: "إذا ضاقت الحرية، واتسعت المحظورات، هذا يكون بمثابة حكم بالإعدام على الصحافة في زمن السماوات المفتوحة".
أما الأزمة الثانية في نظر السناوي تتعلق بغياب "المدارس الفكرية"، بمعنى "القدرة على أن تكون لكل صحيفة شخصيتها المستقلة، في معالجة الموضوعات واختيار العناوين". شارحًا ذلك بقوله: "في الماضي. كانت الأهرام تمثل الصحافة المحافظة. وأخبار اليوم تمثل الصحافة الشعبية. فيما اعتمدت روزاليوسف على صحافة الرأي، حيث النقد والدخول في الممنوع. الآن لا تستطيع أن تُفرق بين صحيفة وأخرى، كأنهم طبعة واحدة على المستوى الإخباري والسياسي".
ومع الأزمات البادية، لكن سيد محمود الذي رأس تحرير جريدة القاهرة سابقًا، يؤمن أن إحياء جريدة على شفا الموت ليس مهمة مستحيلة، فلا يوجد "وسيط يلغي وسيط آخر" كما يقول، ودلل على ذلك بانتعاش الراديو بفعل الإنترنت، لذا يرى أن العمل على ما وراء الخبر بطرق معالجة مختلفة، تخرج في شكل قصص خبرية، أو فيتشر وتحقيقات استقصائية سبيل لهذا.
واعتبر محمود أن التفكير في طرح مختلف عما تقدمه الجرائد اليوم، يحقق أكثر من ميزة، أولها أنه لا يجعل أزمة الصحافة المطبوعة متعلقة بالمجال السياسي، وإيجاد حلول خاصة باهتمامات الناس، في الشأن الاجتماعي والفني والثقافي.
وانتقد صحفي مجلة الأهرام العربي ابتعاد الصحافة عن الخدمات التي هي أساس المهنة كما يقول "إحنا معندناش أي جرنال نقدر نفتحه يقول ممكن تاكل فين النهاردة ولو غاوي ترفيه هتروح مسرح أمتى وفين، ايه عروض الكتب اللي محتاج تقرأها، مفيش في الجرنال القارئ يشتريه عشانها أو نثير فضوله لها".
وعن دور النقابة في الإبقاء عن الصحف المطبوعة، يقول عمرو بدر، عضو نقابة الصحفيين، إنه يتمثل في وضع القوانين، التي تُساهم في رسم السياسات التحريرية للصحف المطبوعة، بما يتلاءم مع المستجدات التكنولوجية، إلى جانب دورها في التفاوض مع الدولة حول سقف الحريات.
فيديو قد يعجبك: