لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

في الأتوبيس.. قصة "كمسري" من "العشر قروش للخمسة جنيه"

06:51 م الخميس 02 أغسطس 2018

الناس والاتوبيسات

كتب- محمد زكريا:

في ردهة حافلة تتبع هيئة النقل العام، يدور سيد محمد بتذاكره على الزبائن، نقاش لا ينتهي بين الرجل والركاب على مدار اليوم، تضاعف سعر التذكرة إلى خمسة جنيهات في يونيو الماضي، أغضب هذا زبائنه، وكذا أثقل من مهمة الكمسري كبير العمر، والذي بدأ عمله قبل أكثر من 30 عامًا، كان سعر التذكرة عشرة قروش، يصف حياته وقتها باليسيرة، والعمل في الشارع بالسهل، لذا أمنيته أن يعود الزمان يومًا.

في سبتمر العام 1987، عُين "عم سيد" في النقل العام. أول يوم عمل، ارتدى بدلة تُميز موظفي الهيئة، حمل تذاكره على يده، وفي طرقة الأتوبيس، كان يُحصل "عشرة صاغ" على كل تذكرة. يصف الرجل تلك الأيام بالسعيدة، "كانت الدنيا رخيصة، والشوارع مش زحمة، والناس مبسوطة ومستريحة"، يقول ذلك وهو ينظر إلى تذاكره المُلونة.

لكن الوضع الآن اختلف تمامًا. ازداد الزحام، لذا استقل سيد مقعده بجانب الباب الخلفي، يستقبل منه كل داخل إلى الأتوبيس، يُحصل خمسة جنيهات ونصفها لبعض الفئات منها العسكري والشرطي والصحفي، هذا ما أقرته الحكومة للخط الذي يعمل عليه سيد، في أعقاب الزيادة الأخيرة بأسعار المحروقات، لكن هذا لم يكن مقبولًا لدى كل الزبائن "الناس بتقول إزاي التذكرة تزيد 100% مرة واحدة".

إذ أعلنت هيئة النقل العام، يونيو الماضي، عن رفع تعريفة الحافلات، ليكون أدنى سعر للتذكرة 3 جنيهات وأقصاه 5 جنيهات، هذا بخلاف "الأتوبيس أبو دورين" وتذكرته بـ7 جنيهات.

بعد القرار الأخير، واجه سيد مشكلات عديدة، في ساعات عمله التي تصل يوميًا إلى 10 ساعات، "الزبون وهو داخل عليك تحس أنه بيقدم رجل ويأخر رجل، وهو بيدفع تحس أنه بيقطع من جلده، وفي ناس كتير بقيت تركب وتقولك مش معايا غير الـ2.5، غصب عنك بتتعاطف مع حال الناس"، لذلك وضع الرجل قانونه الخاص "بقيت اللي يركب معايا محطتين أو تلاتة بس، أدفعه نص تذكرة بدل تذكرة كاملة".

لكن ذلك لم يعد واردًا الآن "نبهوا علينا أن التذكرة بخمسة جنيه، ونزلوا قرار منقطعش نص تذكرة إنشالله الزبون يركب محطة واحدة، عاجبه يركب مش عاجبه ميركبش"، ومخالفة ذلك تستدعي "15 يوم جزا و3 شهور وقف"، يحكي الكمسري، قبل أن تقع مشدة بينه وأحد الزبائن حول ثمن التذكرة.

لهذا السبب، لم يعد سيد يُطبق نظام النصف تذكرة على "المدنيين"، وجد الأصلح في إعفاء غير القادر من دفعها بالكامل. يشرح أنه لديه من الخبرة ما يجعله يُفرق بين الزبائن "الراجل المحترم يجي جنبك يقولك معلش أنا مش معايا فلوس، أقوله اتفضل، ومقطعلوش تذكرة، ولو طلع عليا تفتيش يبقى المُفتش وضميره، أقوله الراجل ده معهوش فلوس، وحتى لو عمل فيا تقرير، ببقى عامل حسابي أروح أحقق وأقول اللي حصل، طالما مدخلش جيبي فلوس مخافش من حاجة.. لكن الزبون البجح اللي تقرب منه يقولك مش دافع، اسيبه مرة واتنين، بعد كدة مسيبوش".

يفعل سيد ذلك، لا لشيء، إلا لكونه مقدرًا لحال الناس، هو أيضًا يُعاني من ارتفاع الأسعار. يحصل الكمسري في الوقت الحالي على 1300 جنيه كراتب أساسي، يصل بعد الحوافز إلى 3000 جنيه، رغم ذلك لا يكفي هذا مصاريفه وأسرته، كما يحكي وهو يُسلم التذكرة إلى أحد الزبائن.

طيلة عشر سنوات، يدفع سيد 1000 جنيه شهريًا، حتى زوّج ابنته قبل أربع سنوات، فيما انتهى من سداد "الجمعية" قبل أيام فقط، لكن مصاريف الحياة لا تزال تُثقل كاهله "شهريًا؛ بدفع حوالي 300 جنيه كهربا و200 جنيه مياه. يومي بقى كالتالي؛ 15 جنيه بفطر بيهم أنا ومراتي والعيال، 12جنيه مواصلات رايح وجاي من الشغل، وفي نص اليوم وأنا في الأتوبيس بشتريلي علبة كشري بـ10 جنيه وكوباية شاي بـ5 جنيه.. أدي الـ50 جنيه.. ولسه مجبتش غدا للبيت".

يشتبك راكب خمسيني مع الكمسري صاحب الـ57 عامًا، بالحديث عن مصاريف لا تنتهي في ظل مرتبات ثابتة لا تتحرك، هذا جعل سيد يعود بذاكرته إلى الوراء كثيرًا. في أواخر الثمانينات "كنت ممشي حالي بـ80 جنيه، وبعدها بسنتين تلاتة لما مرتبي بالحوافز وصل 100 جنيه، كنت مبسوط؛ لحمة وسمك وهيصة، النهاردة الـ3000 جنيه ميعملوش حاجة، بالكتير أجيب الفراخ مرتين في الشهر، واللحمة يمكن مجبهاش في الشهر مرة واحدة"، قبل أن يُنهي سيد حديث الأسعار بجملة ساخرة: "دلوقتي بصور اللحمة وأنا ماشي".

ارتفعت الأسعار في السنوات الأخيرة، بالتزامن مع تطبيق الحكومة لإجراءات اقتصادية ومالية، على رأسها تحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية وفقًا لآليات العرض والطلب (التعويم) في نوفمبر 2016.

ورغم زيادة الأسعار المستمر، يقول سيد إنه لم يعد يحصل على مقدار الزيادة في الراتب التي يستحقها سنويًا، "في 2014 كان الأساسي بتاعي 450 جنيه، دلوقتي الأساسي وصل 800 جنيه، لكن حاليًا مش بتتحسبلي الزيادة السنوية على آخر راتب أساسي، لكن بتتحسب على أساسي 2014، ولما سألت عن السبب، قالولي الزيادة بقيت مربوطة بسنة 2014"، هذا على حد قول الرجل، الذي نادى على السائق بأن يتوقف عن السير لإنزال الزبائن.

أصبح العمل بهيئة النقل يُرهق سيد، زحام في الشوارع، راتب قليل و"مناهدة" مع الزبائن، فكر قبل سنوات طويلة في الاستقالة، لكنه لم يجد بديلًا آخر، الآن لم يعد لديه الكثير من الوقت ليفعل ذلك، ثلاث سنوات ويتقاعد الكمسري، يحصل على معاش "وافتحلي دكان صغير، إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان