"خناقات التختة الأولى".. سلم وتسلق مواسير ومشاجرات بتحريض من الأهل
كتبت - نانيس البيلي:
أب يحمل صغيره ويساعده على التسلق على مواسير المجاري بالمدرسة، وأم تقف على سور المدرسة وتدفع طفلتها للصعود على سلم خشبي، وأخرى تحاول القفز إلى داخل الفصل الدراسي مع ابنها.. كانت هذه المشاهد الصادمة هى أبرز مظاهر اليوم الدراسي الأول، الذي انتهى بشكل مأساوي بمصرع تلميذ وفقء عين آخر في "خناقات التختة الأولى".
صباح أمس، استيقظت "إلهام" مبكرا، لتساعد طفليها "أحمد وعمر" على ارتداء الزي الجديد للمدرسة، بينما توصيهما بأبرز نصائح اليوم الدراسي الأول، "على قد ما تقدر يا حبيبي اقعد في التختة الأولى".
أمام بوابة المدرسة كررت النصيحة نفسها، ليزفُر "أحمد" غاضبًا "يعني يا ماما أقعد اتخانق مع العيال عشان التختة الأولى"، لتهلع الأم مشددة عليه "لأ بلاش عنف، أنت لحقت ماشي ملحقتش خلاص بس آخرك اقعد في الديسك الأول أو الثاني أو الثالث".
للجلوس في المقعد الأول عدة فوائد، في رأي إلهام: "الولد هيخاف من عين المدرس فهيركز غصب عنه، ومش هيرغي مع اللي جنبه لأنه هيخاف المدرس يشوفه".
يلتحق "عمر" بالسنة الأولى في المرحلة الابتدائية، لذا طلبت مَدرسته منه الحضور الخميس الماضي قبل الموعد الرسمي لبدء الدراسة، "قالوا عشان يبقى فيه تعارف بينه وبين المدرسين"، وحين اصطحبته والدته أَملت عليه النصيحة ذاتها بضرورة اقتناص المقعد الأول، "بس معرفش يلحق غير التختة الثانية".
أمس، عندما ذهبت معه طلبت من مدرسته تغيير مكانه للتختة الأولى، "قولتلها خليه قدامك عشان تبقي شايفاه وميبقاش ورا ومتنتبهيش ليه"، لتستجيب لطلبها وتنقله، بينما لم يتمكن "أحمد" طالب الصف السادس الابتدائي من اللحاق بالتختة الأولى، وجلس بالديسك الرابع "بعد العناء ده كله معرفش يلحق التختة الأولى، بس أهون من إنه يكون في الآخر".
"لا توجد آلية بعينها من وزارة التربية والتعليم تُحدد من يجلس بالتختة الأولى، لكنها أمر تقديري للمدرس والمدرسة"، يقول خالد حجازي مدير عام إدارة القاهرة الجديدة التعليمية، ويشير إلى عُرف عادة ما يؤخذ في الاعتبار بالنسبة للمقعد الأول مثل ضعاف البصر، وأصحاب القامات القصيرة، وذوي الأجسام الصغيرة، "لكن مفيش حاجة اسمها اللي بيلحق بيقعد".
مأزق كبير واجهته "آمال إسماعيل" مدير إحدى المدارس الابتدائية بالدقهلية في اليوم الدراسي الأول. حضر معظم أولياء الأمور مع أطفالهم وحاولوا الصعود للفصول لإجلاسهم بالمقاعد الأولى: "كان عندي مهرجان النهاردة في المدرسة"، حاولت ومعاونوها من المعلمين والمشرفين إقناع الأهالي باتباع التعليمات وترك الأمر لإدارة المدرسة "بس كل ولي أمر يجيلي يقولي ده أنا ابني نظره ضعيف أو عامل عملية في ودانة، 136 حالة قالتلي كده النهاردة".
وحول ذلك، يُعلق "حجازي": "مش منطق إن كل الفصل نظره ضعيف أو سمعه قليل، ده كلام مرسل، وفيه رؤية للمدرس وإدارة المدرسة"، وتشير "آمال" إلى أنه لا توجد تعليمات من الوزارة لهم حول هذا الأمر "دي حاجة تقديرية للمدرس، بس المهم إنه يبقى حكيم ويمنع أي عنف أو مشادات".
أمام إصرار الأهالي، قررت المديرة "آمال" إجلاس التلاميذ وفقًا لترتيب الأسماء "وقفنا الطلبة قدام فصولهم، وندهنا الأسماء ودخلناهم يقعدوا بحسب القوائم"، لكن أولياء الأمور أعادوا ذات الطلب بنفس الحجة، لتفصل "آمال" في الأمر "عشان نتلاشى ده قولنالهم اللي ابنه عنده مشكلة يجيب شهادة طبية من الدكتور".
تتعجب من اعتبار الأهالي المقعد الأول بكونه معياراً للتفوق "والمشكلة إنها بقت ظاهرة كل سنة".
لبضع دقائق، سادت حالة من الهرج مع بدء طابور المدرسة: "الأهالي دخلوا البوابة ووقفوا في الحوش"، لتتخذ المديرة الخمسينية إجراءات حازمة "فضلنا موقفين الولاد لحد ما طلعنا أولياء الأمور، وقفلنا البوابة الخلفية وفتحنا بوابة واحدة بس وبقى المشرفين بيطلعوا الولاد للفصول وعنيهم في وسط راسهم".
عدة حجج قدمها أولياء الأمور لـ"آمال" حتى توافق على منح أطفالهم "التختة الأولى" :"يقولي ابني عامل نظارة أو مركب سماعة في الأذن أو مبيركزش وهو ورا"، لكن أغربها بالنسة لها: "أم قالتلي أصل البت عنيها خضراء وملونة فمش هتشوف".
حُزن كبير سيطر على "أمل" بعدما ذهبت لاصطحاب ابنتها "دنيا" من مدرستها الإعدادية، وأخبرتها الصغيرة أنها لم تلحق التختة الأولى وجلست بآخر مقعد، كانت تتمنى الأم الثلاثينية أن تصعد معها للفصل من أجل ذلك "بس معرفتش أدخل لأنهم منعونا كلنا"، بينما تنوي الذهاب معها لاحقًا لتبديل مكانها "هروح بكرة أتكلم مع المدرسين لأن نظرها ضعيف شوية وهى مش طويلة أوي".
رغم حُزنها الشديد، لكن "دنيا" تفكر في إقناع أمها بعدم الذهاب معها لتبديل مكانها "خايفة عشان المدرسين قالولنا مينفعش ماما وبابا يجوا يتكلموا معانا عالتخت وإلا هيتخصملكوا من الدرجات".
تقول إن أكثر ما يغضبها أن بعض المعلمين ينحازون لأقاربهم ويجلسونهم بالديسك الأول "المدرسين بيوصوا بعض على الولاد اللي يعرفوهم، بيقوله قدامنا تعالى اقعد هنا عشان مبيشوفش بس هو بيكون مش نظره ضعيف ولا حاجة".
أمس كان يومًا عصيبا لن تنساه "سلوى الإمام" - اسم مستعار - مدير مدرسة ابتدائية بالشرقية: "أولياء الأمور كانوا متجمهرين قدام المدرسة، وبيتخانقوا مع بعض ومعانا عشان التختة الأولى"، لوقت قصير خرجت الأمور عن سيطرتها بعدما اعتلى الأهالي وأبناؤهم أسوار المدرسة وصعدوا للفصول لتسكين صغارهم بالمقعد الأول، غير أنها أخرجتهم جميعًا ولم تبدأ الحصص إلا بعد ذلك.
"التعلُم النشط ألغى مفهوم التختة الأولى" يؤكد مدير إدارة القاهرة الجديدة التعليمية، ويوضح أن النظام الجديد المُطبق على رياض الأطفال والصف الأول الابتدائي يجعل التلاميذ يجلسون على شكل دوائر أو مربعات أو حرف L لكي ينتبه المعلم للجميع.
كان المشهد صادمًا بالنسبة لـ"ياسمين" وهى تقف مع بناتها الثلاثة أمام المدرسة الخاصة الملتحقين بها، صراخ وعنف بين أولياء الأمور لإجبار إدارة المدرسة على السماح لهم بالدخول لإجلاس أبنائهم بالمقعد الأول، "فضلوا يرزعوا ويخبطوا في البوابة بصورة بشعة".
نفس الرعب تملك "مريم" وهى توصل طفليها "ماريا" ومينا" لمدرستهما الحكومية "الأمهات كانوا واقفين على باب الفصل والعيال بتقع ومش عارفة تدخل كل ده عشان عاوزين التختة الأولى".
في نهاية اليوم، بكت "ماريا" بعد عودتها للمنزل لأنها جلست بالمقعد الأخير بالفصل، بينما ظلت والدتها تهدئ من روعها، "بقولها يا بنتي مكان ما تشوفي اقعدي، مدام الفصل هادي وهى شايفة كويس مش لازم تقعد في التختة الأولى".
تحمل آمال مدير المدرسة، المسؤولية عن ضبط مشاجرات التختة الأولى، فالعقاب – في رأيها – هو الرادع الأمثل "اللي هيتسلق سور أو يقتحم الفصول بعنف هو أو أولاده هعمل للطالب إنذار عشان ميكررهاش". فيما تنوي إلهام وأمل اصطحاب أطفالهما العام المقبل "السنة الجاية أساسي نروح معاهم عشان التختة الأولى".
فيديو قد يعجبك: