50 عاما من الحب.. "سيد" يرفض إغلاق محل الحلاقة رغم مرض القلب
-
عرض 4 صورة
-
عرض 4 صورة
-
عرض 4 صورة
-
عرض 4 صورة
كتبت-دعاء الفولي:
تصوير-كريم سليمان:
قبل 45 عاما كان سيد الجزار يعمل رفقة والده في محل الحلاقة. تشرّب الرجل الستيني المهنة من والده. صار له روتين ثابت، بين عمله بمنطقة الجمالية، ومنزله في السيدة زينب يتحرك الأب يوميا، لا يمنعه عن محل الحلاقة تشخيصه بضعف القلب والشرايين، إذا اشتد عليه المرض واضطر للمكوث في المنزل "بيبقى من أسوأ أيام حياتي".
أمام المحل العتيق بحارة "حبس الرحبة" يجلس الجزار يوميا من الظهر وحتى الثامنة مساءً. لا يبرح مقعده المُطل على الشارع إلا حينما يأتي زبون "دلوقتي مبقوش كتير.. أصل انا مبقتش أحلق غير على قدي". يعمل صاحب المكان وحيدا، لا يفضل توظيف أحدهم "عشان أجيب صبي هحتاج أدفع له كويس وهو يا دوب اللي جاي على أد اللي رايح".
يحصل الجزار على 50 جنيها يوميا من العمل في المحل "ساعات مبيجيليش حاجة خالص.. بفتح وأقفل زي ما أنا"، يسنده المعاش الذي يحصل عليه من الدولة، فمنذ عام 1970 يدفع تأمينا للدولة "ودلوقتي باخد مرتب 800 جنيه كل شهر"، لا يتأفف الرجل الستيني من الرقم. "مستورة" هي الكلمة التي يرد بها دائما على الناس، غير أن الوضع صار أسوأ بعدما هاجمه المرض، منذ عدة أشهر.
"جالي دوخة فجأة ووقعت وأعصابي كانت سايبة"، ذهب الأب إلى الطبيب "فقاللي عندك دهون على الشرايين"، أصبح العلاج ضروريا "بقيت أصرف بحوالي 300 جنيه شهريا"، فيما تُعاني زوجته أصلا من حساسية مزمنة على الصدر، تحتاج معها لعلاج دائم.
رغم كل شيء، يُحب الرجل عمله، يحصل على إجازته الأسبوعية فقط، وأحيانا لا يفعل، يعمل بدوام كامل في الإجازات الرسمية، لا يتعلق الأمر عنده بالربح قدر "الحب". يحترم مهنته "اتربيت في المحل ده"، يذكر حين كان الوضع أفضل "كنت أسهر في المحل لوقت متأخر ويجيلي ناس كتير".
تدهور الأحوال يرتبط بعدة أمور؛ تغير الزمن "المحل بيقدم بس الأدوات بتطور وانا مش قادر أعمل تطوير كبير"، صار الوضع أسوأ مع مرضه "مبقتش قادر أقف كتير ولا عندي صبر أعمل قصّات جديدة"، لذا وبشكل متسامح يُطلق على نفسه "حلّاق العواجيز".
لا تتعدى مساحة المكان بضعة أمتار، بالكاد يتسع لمقعدين للحلاقة، ومقعد آخر للانتظار، تظهر علامات الزمن على المحل، أدوات الحلاقة تتزاحم على المنضدة، فيما تبدو صورة والد الجزار واضحة للزائرين. يعتبر الجزار المكان بيته؛ يُعلق فيه أيضا صورة ولديه.
خلال مشوار حياته، فكّر الرجل الستيني في ترك المهنة "هي فلوسها قليلة.. بس كنت برجع وأقول دة الكار بتاعي"، فيما يساوره الندم حين يتذكر حصوله على عمل تابع للحكومة "وقتها كنت شغال مع أبويا في المحل وبكسب أكتر من الوظيفة"، رُبما أدرك المثل الذي يقول "إن جالك الميري اتمرغ في ترابه"، إذ كان سيضمن له حياة أكثر راحة، حسب تعبيره، لاسيما وأنه يُسدد قرضا لبنك ناصر للتأمين "كنت واخده عشان جواز بنتي".
حاول الجزار تلقين المهنة لابنه محمد "وقف معايا فترة بس مكنش ميّال ليها أوي وجاله شغل كمحاسب"، يفخر الرجل بما وصل له ابنه "علّمته هو واخته وعملت اللي عليا معاهم"، يخفت صوته قليلا، كأنه يتحدث لنفسه قائلا "بس نفسي أطوّر المحل شوية لأن الشغلانة دي هي حياتي".
فيديو قد يعجبك: