"عايزة الناس تفهم يعني ايه صداع نصفي".. شابة مريضة تُنشئ مبادرة "القبعة الثقيلة"
كتبت-رنا الجميعي:
كان الألم يُصارعها مُستندة إلى الجدار الأبيض، كُل ما ترغب فيه بتلك اللحظة هو أن يهتم بها أحد، لكنها ظلّت واقفة مُدة ساعتين داخل طُرقات المستشفى، لا يدري أي مار بجوارها أن صُداع رأسها هو ألم حقيقي، تلك الذكرى ظلّت قابعة داخل نفس سارة فرج، المريضة بالصداع النصفي، توخزها كُلما وجدت جهلًا من المحيطين بها، تتمنى فقط أن يفهم هذا العالم معاناتها، لذا قررت أن تُنشأ صفحة داعمة لمرضى الصداع النصفي تحت اسم "The Heavy Hat - Migraineurs of Egypt".
منذ أربعة أيام فحسب دشّنت سارة فرج، خريجة كلية العلوم، صفحة "القبعة الثقيلة- مرضى الصداع النصفي في مصر"، تقول الشابة لمصراوي إن ما دفعها لإنشاء الصفحة هو قلّة التوعية الموجودة في مصر عن المرض، سارة نفسها هي مريضة مزمنة بالصداع النصفي "كنت دايمَا بحس إن محدش حاسس بالألم، الناس بتشوفه مجرد صداع"، لا يُوجد مجتمع داعم للمرض كما تذكر "مُجرد مقالات مترجمة، لكن مفيش مجتمع يدعّم ويفهّم الناس اللي بنمر به".
تقوم الصفحة على خلق مجتمع داعم من خلال سرد المتابعين لتجاربهم مع المرض "لازم الناس تتكلم وتحكي عن مشاعرها"، ضمّت الصفحة حتى الآن ألف عضو، أغلبهم من الفتيات "نسبة اصابة السيدات أكتر من الرجال"، شاركت سارة معهن حتى الآن ثلاثة تجارب لأشخاص مختلفة، دفعت الكثير لسرد تجاربهم هم أيضًا داخل التعليقات، لم يكن في نيّة سارة حكي التجارب "مكنتش فكرتي، لما نشرت الصفحة وبدأت توصل لعدد كبير، لقيت بنتين بعتولي تجربتهم من غير ما أطلب"، وجدت الشابة أن سرد التجارب تُوصل إلى هدفها بشكل أفضل.
ترغب سارة في نشر خبرتها طيلة عمرها المُناهز الثلاثين، شجّعها أكثر زيادة عدد التجارب الموجودة داخل بريد الصفحة، والتي تنشر منهم تجربة يوميًا، "عايزة أوّعي الناس بإيه هي الأدوية الضارة بالمرض، وإن فيه أكل ممكن يزود الصداع"، كما تُريد نشر مراحل الصداع النصفي "المريض لو مرتاحش لما تجيله النوبة، بتزيد وممكن توصل لتلات أيام".
كذلك ترغب في توعية المرضى بالحالات المُختلفة "يعني لو انتي أم تتعاملي ازاي، طب لو بتشتغل، أو لو انت في البيت هتعمل ايه"، أما عن المجتمع المحيط فترغب في توعيته بالجُمل غير المرغوبة بالنسبة للمرضى "زي خد اسبرين وكمل شغل، واوعي تقولي مصدعة لا تبقي مجنونة".
لم يكن تسمية الصفحة بالقبعة الثقيلة مُصطلحًا علميًا، بل هو شُعور سارة تجاه المرض، أصيبت الشابة بالصداع النصفي في عمر الثامنة "فضلت فترة الطفولة والمراهقة مفيش ولا دكتور عرف يوصف مرضي"، عانت من نوبات صداع وآلام مستمرة دون معرفة سبب ذلك "أنا البنت اللي كانوا بيتصلوا بمامتها يقولولها كل شوية بنتك تعبانة تعالي خديها"، تحكي سارة عن تلك المرحلة فتقول: "لفيت على دكاترة؛ عيون وباطنة وأعصاب، دكتور العيون وصف لي نضارة، ودكتور الأعصاب قال لماما دي مفيهاش حاجة، دي عندها صداع نابغي العقول، دي ذكية جدًا"، تقول سارة ساخرة.
تتذكر سارة تلك المواقف ضاحكة، عانت كثيرًا دونما أي اهتمام من المؤسسات المعنية "وأنا صغيرة ممكن تجيني نوبة في المدرسة، ويِتَفّهُوا من اللي بحسه، وفي الطوارئ مكنوش بيقتنعوا اني مريضة ويفتكروا إني بدلع، فيمشوني من غير وصف لدوا". أدركت سارة مرضها في عمر الـ19 "في الكلية عرفت دكتور أعصاب، كشفت رنين مغناطيسي وعرفت إن عندي صداع نصفي وإن مرضي مزمن مش هخف منه"، لذا أطلقت سارة على الصفحة اسم القبعة الثقيلة "هو دا اللي بحسه، كأنه بُرنيطة تقيلة على راسي مش عارفة أشيلها".
تدريجيًا بدأت سارة تتطلع كثيرًا حول مرضها، تقرأ الكثير من المقالات، وجدت أن المحتوي العربي ضعيف "يقتصر على الأعراض بس، لكن مفيهوش ازاي الناس تقدر تساعد وتفهم المريض ده"، اتجهت إلى المحتوى الأجنبي، دخلت إلى مجتمعات أوروبية وأمريكية داعمة على الانترنت، علمت أن الشريط البنفسجي اللون كإشارة لدعم مرضى الصداع النصفي، كما الشريط الوردي يساند مريضات سرطان الثدي، تُضيف سارة أن شهر يوليو يعتبر التوقيت الذي تزداد فيه حملات التوعية.
ظلّت معاناة سارة مُستمرة مع المرض، تمكنت من التكيف معه، لكنها لا تعرف كيف تتعامل مع المجتمع المحيط، واجهت الكثير من المواقف العدائية والمحبطة "كنت بنام على مكتبي لأن مديري في الشغل مفهمش أنا عايزة أستأذن ليه، وازاي حتّة صداع يخليني تعبانة كدا"، حتى الأصدقاء تُتهم بينهم أنها مُقصّرة دومًا، وكذلك في حضور المناسبات الاجتماعية "قليل اللي بيهتم حتى من الأصدقاء، دايمًا أنا الشخص الغايب اللي بيلغي خروجات ومش بيسافر، فهو معزول وغريب".
تراكم لدى سارة خبرة معرفية بالمرض، تسمح لها بنقل تلك الخبرة "كنت بخاف دايمًا من الخطوة دي، لكن أنا بقالي تلات سنين باخد دعم سلوكي ونفسي عشان أقدر أتعامل مع المرض"، الآن وصلت سارة لسن الثلاثين مُتكيفة مع ذلك المرض، كما أنها زوجة وأم؛ مما في ذلك من ثِقل لمهامها، لكنها تمكّنت أيضًا من خلق أسرة داعمة "جوزي بيساعدني طول الوقت، وابني بقى فاهم لما ماما تبقى مصدعة وعندها النوبة يعمل ايه"، تحكي سارة عن خفض صغيرها لصوته حينما يُحادثها، كذلك عدم فتح التلفاز وإخفاض الأضواء التي تُزعج أمه "وعارف باخد دوا ايه والساعة كام".
كُل تلك الخبرة رغبت سارة في نقلها للصفحة، وجدت نفسها أخيرًا مؤهلة لذلك، تتحدث الشابة بحماس بالغ عن أحلامها مع التفاعل القائم خلال فترة قصيرة "لما الصفحة جابت ألف عضو بسرعة، لقيتني بفكر إني ممكن أعمل مؤسسة، أنا مستعدة فعلا، ومستعدة كمان نعمل يوم في السنة ندعم فيه المرضي".
لزيارة صفحة مرضى الصداع النصفي:
فيديو قد يعجبك: