إعلان

"الكاميرا هي رجلي".. سلوادي يوثق تراث فلسطين في 11 كتاب من على "كرسي متحرك"

06:33 م الأحد 27 أكتوبر 2019

كتبت- إشراق أحمد:
يوم فارق لكنه أصبح ذكرى؛ يقلب أسامة سلوادي فيما التقطه من صور لمشروعه الجاري عن الزراعة والطعام في فلسطين، يبحث ويفكر في اللقطات القادمة، يتقدم بكرسيه المتحرك، يتذكر، اليوم السابع من أكتوبر، يستعيد وقوفه في شرفة مكتب العمل، تطلعه المسيرة الهادرة وسط مدينة البيرة –في الضفة الغربية، تصدي الاحتلال الإسرائيلي لها، ثم. توقف الزمن. 40 يومًا مكث في غيبوبة، بعدما نالت منه رصاصة إسرائيلية أصابته بشلل نصفي. تغيرت حياته لكنه تشبث بكاميرته، حتى أنه مع العام الـ13 لإصابته، صار في تمام الثقة حين يقول "أصبحت حرًا أكثر".

في قاموس الفلسطينيين، لا وجود لمعنى "هزيمة". دائمًا هناك جولات للمعركة حتى الرمق الأخير، وحين استعاد المصور الفلسطيني وعيه بعد نحو شهر ونصف، أخبره الطبيب أنه لم يكن متوقعًا نجاته، لكنه مع ذلك لن يستطيع الحركة على قدميه بعد الآن؛ لم ييأس أسامة على ما فات، طالب بأن يأتوه بكاميرته، لم يستوعب ما قاله الطبيب. كل ما عرفه أنه لن يتوقف عن السير، وإن حدث فالكاميرا هي قدميه، سيتوكأ عليها.

1

6 أشهر ظل أسامة خارج منزله، داخل المستشفى أعيد تأهيله على الحياة الجديدة، وفي 21 مارس 2007 عاد إلى بيته في حي الطيرة –غرب مدينة رام الله، واتخذ القرار المصيري "اتحول من التصوير الإخباري إلى التوثيق البصري". أن يطوع الظروف لمواصلة حمل الكاميرا وفعل ما يهوى منذ كان بعمر 16 عامًا، حين دخل عالم التصوير حبًا في التقاط صور للطبيعة، فكانت مرافقة العدسات نافذته على فلسطين في كل أوقاتها، اطلع عبرها على الكثير، فما كان أن يغادرها بين يوم وليلة.

عافر المصور الفلسطيني لتدريب نفسه على الإمساك بالكاميرا وهو على كرسيه المتحرك، لم يتحد البيئة غير الممهدة فقط بل أيضًا القوالب الذهنية الصلبة التي لا تؤمن بأن من مثله بإمكانه العمل "عادة في وطننا العربي تكون نظرة الشفقة هي التي تسيطر على مشاعر الناس تجاه ذوي الاعاقات رغم أنهم طاقات كبيرة يجب أن لا نهدرها".

2
استعاد أسامة رغبته القديمة في الحفاظ على التراث الفلسطيني والهوية أمام التشوية والضياع من قبل الاحتلال، الآن أصبح محررًا من الركض المستمر وراء الأخبار في ساحة الميدان، استرد المصور الفلسطيني حنين معيشته في مدينة سلواد ذات الطابع الزراعي "كوني رجل فلاح مطلع على مكونات التراث دفعني ذلك للحفاظ على موروث الطفولة من الضياع"، وبدلا مما كان يقتطع أسامة من الوقت للعمل على مشاريع توثيقية، اتسع له الزمن. تفرغ صاحب السادسة والأربعين لتنفيذ الكتب المصورة، حتى بلغ ما أصدره إلى الآن نحو 11 كتابًا، 9 منهم بعد الإصابة.

ملكات الحرير، بوح الحجارة، الختيار، القدس.. أسماء بعض إصدارات أسامة، التقط فيها صورا لتوثيق العمارة والأزياء والمدينة العتيقة عاصمة فلسطين، وحتى ما شارك فيه من لحظات عصيبة في حياة الرئيس الراحل ياسر عرفات من الحصار والمرض، حرص المصور الفلسطيني أن تحفظه المكتبة البصرية الفلسطينية، رغم صعوبة ذلك لغياب دور النشر ومراكز الأبحاث المهتمة بهذا المجال، لكن أسامة لا يتوقف أمام التحدي، يخوضه حتى يكتب بنفسه كلمة النهاية برؤية الكتاب بين يديه.

3

تغيرت دفة حياة أسامة ولم تتوقف. واصل طموحه وجهده نحو الصورة، بالسابق كان سير الأحداث هو ما يحدد برنامجه اليومي، يسارع الزمن لإرسال اللقطات إلى الوكالات الإخبارية التي حظى بالعمل معها، فيما تعج أيامه اليوم بالبحث والعمل، يجوب رفقة الكاميرا أرجاء رام الله وما استطاع داخل فلسطين، يلتقي الناس متحدثا عن التاريخ والتراث، فيما أصبح منزله قبلة للطلبة والباحثين عن القضايا التي تخص تراث فلسطين، ومع كل لقاء يشرق شمس المصور الفلسطيني من جديد كأن لم يمسه سوء يومًا.

طوال 30 عامًا مع الكاميرا اختبر أسامة الكثير من المواقف، يوقن أن "النضج والخبرة والتجربة تصهرنا وتغيرنا". كانت مشاهدة الضحايا أكثرها قسوة على نفسه، لهذا حين حمل هذا الوصف بعد الإصابة سرعان ما لفظه، وركن إلى الجانب الأروح على قلبه، حينما يمتلئ بالفرحة لرؤية "كتاب في مكتبتي خرج من المطبعة أو عندما أرى صورة جميلة التقطها"، وقتها يصرح بفعله أن لقب ضحية لا يليق به.

4

قبل الإصابة ساهم أسامة في تشكيل أرشيف صور مؤسسة ياسر عرفات، ومجلة "أبولو" المصورة، ومن بعد أسس بنك صور فلسطين، يضم إليه عشرات اللقطات الموثقة للحياة في فلسطين في نواحي شتى، حتى أن الاتحاد العالمي للمصورين "Gpu" اختاره في مارس المنصرف ممثلا عنهم في فلسطين.

بات سلوادي نموذجًا ملهمًا لمن حوله، شأن العديد من أبناء فلسطين. أذهبت الكاميرا الحزن والغضب عن أسامة، أدرك المصور أن طاقة هذه المشاعر إما أن تتحول لشر وانتقام أو تتبدل إلى إنتاج "وأنا اخترت الثانية. الاندماج في العمل والبحث والدراسة". تضاءل تأثير مرور يوم الحادث عليه، أصبح ذكرى "هو يوم لأتذكر ما حصل وكيف تغيرت حياتي. أنظر للجانب الإيجابي قبل السلبي. ما حققته بعد الإصابة من إنجازات مهنية على صعيد توثيق التراث الفلسطيني كان كبيرا وله أثر طويل الأمد".

5

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان