"بعد رحيل الابن".. أسرة مؤسسي مسجد نيوزيلندا تواصل دعم المهاجرين
كتبت- إشراق أحمد:
قبل أيام عادت أسرة محمد عطا عليان لمنزلها في منطقة هورنبي بنيوزيلندا، كانوا غادروه منذ 15 مارس الجاري إلى بيت أحد الأصدقاء بعد الهجوم على مسجدين في كرايست تشيرش، ورغم أنه يبعد عن مسجد النور بنحو 5 كيلو مترات، لكن الأوضاع لم تكن أمنة في ذلك الوقت؛ إذ تقع أسفله الحضانة التي أقاموها للمسلمين هناك كما فعلوا مع الجامع، الذي استهدفه إرهابي استرالي، متعمدًا قتل 50 مصليًا، من بينهم عطا الابن الأكبر لآل عليان، ورغم المصاب لكن ظلوا يقدمون الدعم للجالية العربية كما عهدهم من عرفوهم منذ التسعينيات.
كانت أحلام هربيد في عملها، حين علمت بالواقعة الإرهابية من ابنتها المسافرة مع الصليب الأحمر لمخيم يمر بمدينة كرايست تشيرش، أرسلت لها رسالة على الهاتف، قبل أن تشاهد فيديو مقتل المصلين المرسل من صديقة لها. "صعقت ولم أستطع تصديق ما أرى. كنت أعلم أن أصدقاءنا هناك وكنت أتمنى ألا يكونوا بينهم" تقول أحلام، صديقة أسرة عليان وسكنت تلك المدينة قبل أن تغادرها للجزيرة الشمالية في نيوزيلندا.
في منطقة تسمى الريكارتون بكرايست تشيرش اعتادت أحلام أن تتردد على مسجد النور منذ عرفت بأمره عام 1994، تقول لمصراوي إنه أول جامع في الجزيرة الجنوبية لنيوزيلندا، لهذا له طابعاً خاصًا، لاسيما أن القائمين عليه جعلوه أكثر من كونه مكان للصلاة "كان مدرسة ومركز تعليمي وثقافي يقدم الكثير من الخدمات للمسلمين وغير المسلمين، يفتح أبوابه إلى كل شخص يحب أن يتعلم عن عاداتنا وتقاليدنا وديننا الحنيف"، كذلك تنقل السيدة ما لمسته من آل عليان وهدفهم من بناء المسجد.
لم يكتف الفلسطيني الأصل محمد عليان بإتمامه الدكتوراه في أمريكا، والهجرة لإيجاد الاستقرار والأمان في الدولة الواقعة جنوب غرب المحيط الهادي، بل قرر رفقة زوجته أن يعينا غيرهم من المهاجرين، فأسس عليان مسجد النور بعدما انتقل إلى مدينة كرايست تشيرش، وألحقوا به أول حضانة للمسلمين وغيرهم.
لم يستسلم دار عليان للظروف الاقتصادية غير القوية في نيوزيلندا، ويغادروها مثلما فعل البعض لكسب الأموال من أجل شراء منزل والعودة مرة أخرى كما فعل البعض حسب قول أحلام، بل تمسكوا بالبقاء، وخلق السبل لتحسين الأوضاع، ولو بالتكاتف مع رفاقهم من العرب والمسلمين المستقرين في الدولة الواقعة جنوب غرب المحيط الهادي.
ظل "أبو عطا" إمام مسجد النور على مدار السنوات، فيما تتواجد زوجته ميسون بين النساء، كل أحد. تترأس السيدة الخمسينية حاليا المجلس الإسلامي للسيدات في نيوزلندا. "ناس طيبين فوق العادة بيساعدوا الجميع، بيتهم مفتوح للكل" تصف أحلام أسرة عليان، وتتذكر الابن الراحل لها، إذ كان صديق ابنها من أيام الطفولة "كانوا بيروحوا على الحضانة وكان عطا الله يرحمه ياخد الأولاد من البيت معه"، تستعيد السيدة لطفه ومحبته من قبل أصدقائه سواء العرب أو الأجانب، فخلاف اشتغلا عطا عليان في الهندسية، كان الراحل حارس مرمى فريق المنتخب النيوزيلندي لكرة الصالات.
فور معرفة أحلام بما جرى في المسجد، حاولت الاتصال بميسون، وفي الوقت ذاته محاولة السفر إلى أصدقائها، إذ تبعد المدينة التي تسكنها عن كرايست تشيرش قرابة ساعتين بالطائرة. ظلت السيدة الأربعينية في قلق بالغ، لاسيما مع تأخر حركة الطيران، كما لم يكن تأكد وفاة عطا بعد. حتى بلغت المدينة الحزينة.
تبدل حال المسجد يوم الأحد حينما بلغت منطقة الريكارتون، كان مغلقًا والورود تتناثر من حوله، فيما لازالت سيارات الضحايا مستقرة أمامه كأنما شواهد قبور. ذهبت أحلام إلى المستشفى للاطمئنان على زوج صديقتها، بعدما أصيب محمد عطا برصاصتين في كتفه، تغيرت وجهة السيدة، بينما كان ذلك اليوم يحمل الكثير من "الونس" والمودة "كنا نروح ندرس الأولاد عربي وكانت ميسون تعطي درس ديني"، فضلا عن تنظيم الرحلات للعائلات "كنا نحجز مسبح مسكر –مغلق- ونحاول نقرب الأطفال والشابات لبعض من ناحية أخلاقيتنا كمسلمين في بلد أجنبي. نحث على الصداقة ويكونوا قدوة لبعض".
ذاقت أسرة عليان معنى الغربة، فعملوا على نشر الدفء فيما حولهم. ولد الزوجان والأبناء في الكويت بعيدًا عن موطنهم الأصلي، في بلدة أبو ديس شرق القدس، لكن ظل منزلهم قبلة العرب المنتمين للعائلة من كافة الأرجاء في الأردن وفلسطين ودول الخليج، والذين توافدوا بعد الهجوم الإرهابي لتقديم العزاء. فلم تتوقف الحياة والدعم من قبل آل عليان، تقول أحلام إن كانت هناك عائلة سورية رتبت مع السيدة ميسون للذهاب إلى المستشفى من أجل طهور وليدهم، فما تخلفت عن موعدها، وحرصت أن تجد البديل لها للوقوف مع الأسرة اللاجئة.
رغم الحزن على فقدان الابن والأصدقاء من المصلين في مسجد النور، لكن بدا أن الصبر يتغمد الأسرة، يستقبلون ضيوفهم، فيما تفتح روضتا الأطفال التي أنشأها في كرايست تشيرش أبوابها أمام الصغار، دون أن يغيب عنهم الطموح بتأسيس مدرسة عربية في نيوزيلندا.
فيديو قد يعجبك: