بعد معاناة مع "السرطان".. لماذا بدأ خمسة مهندسين مشروعا لبيع اللحوم والخضروات؟

كتبت-دعاء الفولي:

تصوير-أحمد النجار:

قبل أشهر فقد محمد ربيع عمه بسبب إصابته بالسرطان. خلال فترة المرض، عرف الشاب معنى البحث عن طعام آمن، خالي من نسب الهرمونات المؤذية، أن تتوافر خضروات لا تكسوها طبقة المبيدات أو نوع من الأجبان لا يحوي كمية كبيرة من الميكروبات. علّمت التجربة ربيع الكثير، فتحت عينيه على ضرورة توافر منتجات غذائية أكثر أمانا، لذا فكر رفقة أربعة من أصدقائه في عمل مشروع يوفر ذلك.

في حي الهرم بالجيزة، افتتح أصحاب مشروع “safe food” مقرهم الأول بعد عمل بدأ في شهر أغسطس الماضي. تخرج الخمسة أصدقاء في كلية الزراعة بجامعة القاهرة، ساعدتهم تخصصاتهم المختلفة في فهم طبيعة ما يقدمونه، إذ ركز كل واحد منهم على شق مختلف؛ بين التسويق، الإدارة المالية، والحصول على مصادر جيدة للحوم والخضروات وكذلك الألبان والأجبان.

الأصل في الطعام أن يكون طبيعيا، فيتغذى الحيوان في بيئة طبيعية على الحشائش الموجودة في الأرض ثم يكبر ليتم ذبحه دون تدخل، كما لا يتم رش الخضروات والفاكهة بأي مواد صناعية "لكن لأن ده مبيحصلش ولما بيحصل بيحصل من غير ضوابط فكل المبيدات دي وغيرها من الحاجات الصناعية بتسبب أمراض مختلفة منها السرطان"، ثمة شركات تُنتج أطعمة أقرب للطبيعية أو ما يُسمى بـ"الأورجانيك"، لكنها مرتفعة الثمن للغاية "عشان كدة كنا بندور نعمل حاجة متوسطة السعر" يحكي أحمد فتحي، المدير المالي للمشروع.

التحديات التي واجهها الفريق كثيرة، بداية من إيجاد مزارع جيدة، مرورا بأقل الأدوات التي يتم استخدامها داخل مقر البيع. لا يوفر القائمون على المشروع لحوم خالية من مواد صناعية "لكنها بتراعي الاشتراطات العالمية في الأكل"، يضرب فتحي المثال بالمضادات الحيوية التي يتم حقن الأبقار بها أو الأغنام، إذ يجب ألا يتم ذبح الحيوان إلا بعد تكسيرها داخل الجسم كي لا تؤثر سلبا على من يأكل تلك اللحوم، كذلك الحال مع الخضروات "لازم تتساب فترة بعد الرش عشان ميبقاش فيها مشكلة".

التفاصيل الصغيرة كانت مهمة في مشروع الأصدقاء الخمسة "عشان نعمل حاجة صحية لازم كل شيء مؤدي ليها يكون صحي"، بداية من البحث عن مصادر موثوق بها، وحتى الحصول على ماكينات مجهزة للتعبئة بطريقة جيدة، يُشير فتحي إلى طبق من الفوم أصفر اللون يحوي أخرام عديدة، يقول: "لفينا عليه كتير عشان نلاقيه وملقيناش غير شركة واحدة بس في مصر بتشتغل بيه"، فذلك النوع يُساعد على عزل السائل الذي يخرج من قطع الدجاج، فتقل نسبة الجراثيم، فيما اضطر فتحي لاستيراد ماكينة بسيطة خاصة باللحوم "تمنها قليل لكن للأسف مش موجودة في مصر".

حين بدأ الأصدقاء مشروعهم قرروا أن يحافظوا على حد أدنى لأسعارهم أقل من منافذ بيع أخرى في السوق "عشان مينفعش نكون جزء من هدفنا التوعية الصحية ونبيع بأسعار غالية". تبدأ أسعار اللحوم في Safe food من 140 جنيها للكيلو، فيما تقترب أسعار الخضروات من تلك الموجودة في السوق العادية، ربما ذلك ما جعل ردود الفعل عبر صفحة المشروع بموقع فيسبوك جيدة "اكتشفنا إن الناس كانت عايزة ده وبتدور عليه" حسب قول ربيع، فيما لم ينفِ ذلك بعض الأسئلة المتشككة "عن الفروقات بينا وبين أي حد تاني بيبيع"، ليقرر الشباب تصوير فيديوهات ورفعها على الصفحة خلال الفترة القادمة من داخل المزارع التي يتعاملون معها، بالإضافة للمقاطع التوعوية "اللي تعرف الناس إزاي يختاروا أكلهم صح".

عدة أرفف من الخُضر تستقبل الدالف للمحل، كمياتها محدودة "عشان نضمن إنها تفضل كويسة"، بينما لا وجود للفاكهة، إذ لم يعثر أصحاب المشروع على مصدر جيد لها بعد. في الجهة اليمنى ترتكز فاترينة زجاجية؛ واحدة لعرض الدجاج والأخرى للحوم، فيما تقبع ثلاجة مُغلقة لحفظ اللحوم وفرمها، وبجانبها وقف الشيف شمس عبدالمجيد يتحدث مع أحد الزبائن التي جاءته تستفسر عن الأسعار.

أعوام عديدة قضاها شمس بين الفنادق المختلفة، يعرف جيدا عن الاهتمام باللحوم، يحاول تطبيق ذلك في المشروع الجديد "كل تفصيلة صغيرة بتفرق.. سواء العربية اللي بتنقل اللحمة لحد فكرة إنه مينفعش نخلي في لحمة جوة المفرمة عشان البكتيريا"، ظن الشيف الأربعيني أن الفكرة ستلاقي تعجبا من السيدات اللاتي يأتين للمحل "بس بالعكس لقيتهم فاهمين كويس في التخزين واللي مفروض يتعمل فمقدرين اللي احنا بنحاول نعمله".

الحصول على مصدر جيد للأجبان هو المرحلة القادمة التي يبحث عنها الخمسة مهندسين. فبحكم تخصص فتحي في ذلك المجال يعرف جيدا المشاكل الموجودة؛ أهمها إضافة زيوت مهدرجة على الجُبن، وعدم توافر بيئة مناسبة خالية من الميكروبات أثناء عملية البسترة أو بعدها "دة بيخلي البعض يرشوا مادة سوربات البوتاسيوم على الجبنة عشان تمنع تكوين فطريات بس بنسبة أكبر من المفروض"، ما يسهل حدوث أمراض مختلفة.

مشروع safe food مازال ببدايته، يتمنى القائمون عليه التوسع في أطعمة أخرى وتقديم توعية أكبر للناس بكيفية اختيار الأكل الصحي.