غاب صاحب القهوة.. الحاج حنفي يفارق الحياة بعد "فرحته بالزمالك"
كتابة وتصوير- شروق غنيم:
انقلب الحال في غمضة عين؛ مع صافرة الحكم الإثيوبي باملاك تيسيما تغيرت معالم قهوة الزمالك بمنطقة ميت عقبة. احتفالات صاخبة، قفز البعض عن مقاعده، من حمل ابنه على كتفه وطاف به المكان، آخرين يلوحون بعلم الزمالك، هتافات وصفير، شاشات التلفزيون حافلة بمشهد جماهيري مُلهم من ملعب برج العرب، كان لكل زملكاوي في تلك اللحظة طريقته في الاحتفال، بينما ظل الحاج حنفي أبو العنين، صاحب المقهى، ساكن في مقعده عقب دقيقة واحدة من انتهاء المباراة. فيما تبدلت الملامح من الفرح إلى الحزن.
كانت الأجواء مختلفة الأحد الماضي؛ حماس وحركة أكبر من المعتاد دّبت في أرجاء مقهى الزمالك؛ الفريق الأبيض على موعد مع أهم مبارياته هذا العام، إياب نهائي كأس الكونفدرالية أمام الفريق المغربي نهضة على ملعب برج العرب في مدينة الإسكندرية، بات على خطوة واحدة من تحقيق اللقب لأول مرة في تاريخه، كانت لحظة مهمة جعلت أبو العينين يتجّهز جيدًا ليوم كهذا.
اعتاد المشجع الزملكاوي العتيد على تهيأة قهوته لتحتضن كل الزملكاوية في هذا المكان؛ أحضر شاشات تلفاز من منزله، فصار بالقهوة 6 شاشات، أعّد أجهزة صوت إضافية "وراح القهوة من الضهر عشان يشرف على كل حاجة بنفسه"، لكن قبل المباراة بيوم حكى لأبناؤه "قالي أنا خايف من الماتش ده". كما يحكي هاني أبو العنين ابن الراحل.
كانت الأجواء تُبشر بأن الزمالك قد يتوّج باللقب "فحضرنا أغاني للاحتفالات نشغلها بعد ما الماتش يخلص"، غير أن هاني شعر بغصة في قلبه دون سبب معلوم "اليوم ده مكنش ليا نِفس لأي حاجة رغم الماتش المهم اللي كلنا مستنيينه، في الأول افتكرت إن ده معناه الزمالك هيخسر، لكن طلع لإني خسرت أبويا في اليوم ده".
لم يكن الحاج حنفي به شيئًا ملحوظ، فقط اهتمام أكثر أبداه تجاه الحدث "وبينظم المكان ومستني الماتش زي أي يوم عادي، لكن مكنش تعبان خالص"، يحكي بيومي محمد، أحد العاملين مع صاحب المقهى منذ عشرين عامًا "هو كان راجل بيجبر بخاطر أي حد، قلبه بفتة بيضا زي لون فانلة النادي اللي بيعشقه"، يقول الرجل الأربعيني رغم كونه أهلاوي "بس كنت بحب إخلاص الحاج حنفي لفريقه".
كانت المباراة هامة للرجل الستيني حتى أنه طالب أقاربه بالحضور ومشاهدتها في المقهى "لأول مرة كلنا نتجمع بالشكل ده، ما بين إخوات أبويا وولاده وولاد عمامه، كل حبايبه كانو موجودين عشان ماتش الزمالك، كإن ربنا كان عاوزنا كلنا نشوفه قبل ما يمشي".
في منتصف الشوط الثاني كان آخر لقاء بيومي والحاج حنفي "نزلتله كوباية شاي طالبها وبعدها انشغلت بالزحمة اللي ع القهوة"، صريخ عالي في المقهى مع كل هجمة خطيرة يصنعها النادي الأبيض، تصفيق حار لكل "لعبة حلوة"، أو إنقاذ موقف من الفريق المنافس، اندمج الجمع في أجواء المباراة ومعهم الحاج حنفي "بس هو مكنش بيشجع زي الشباب، يعني حتى أما ييجي جون مبيتنططش وكده، بيفضل قاعد مكانه يسقف ويضحك ولا كان بيتعصب مثلًا فنقول ممكن يموت بسبب ماتش".
مع نهاية المباراة انقلب المقهى لمهرجان، توّج فريق الزمالك بالبطولة الأفريقية "هيصة كتير وناس فرحانة مش مصدقين اللي بيحصل"، انشغل الابن الثلاثيني في حماية المكان رفقة باقي العاملين "عشان لحظة زي دي ممكن حاجة تتكسر مثلًا"، حتى جاء أحد يخبره أن والده تعب "جه يقوم من الكرسي داخ ووقع، افتكرنا جاله هبوط من الزحمة"، حاولوا إفاقته "فاق لما جبناله مياه بسكر وقالنا محتاج هوا لكن مفيش ثواني ووقع تاني بس المرة دي مقامش".
ساد الارتباك في المقهى، تبدل الحال بعد الفرحة العارمة حّل السكون، مات الحاج حنفي في المكان الذي أحبه وتولى إدارته قبل عشرين عامًا وراثة عن جده، وبعدما اطمئن على فريقه الذي عشقه منذ وُلِد ووّرث حبه لابناؤه "كان ياخدنا زمان الستاد، يحكيلنا على لاعيبة الزمالك والإدارة اللي كانت بتجيله القهوة".
على مقربة من المقهى أُقيم سرادق العزاء، يضم كل المحبين الذين اقتربوا من الراحل وأحبوا صدقه وإخلاصه، بينما أُغلق المقهى، امتلأت أرجاؤه بالعتمة، بينما لأول مرة تكون مقاعده بالداخل وليست مصطّفة بالمكان تحمل المشجعين والمتفرجين، ووضع على أبوابه ورقة تحمل تفاصيل العزاء، بينما يعلوها اسم المقهى وعلامة نادي الزمالك.
فيديو قد يعجبك: