إعلان

"بكاء طفلة السبب".. احتفالات البراجيل برمضان تبدأ بمجسم مسجد وتنتهي بالاحتفالات

11:18 م السبت 04 مايو 2019

كتب وتصوير - عبدالله عويس:
تقف جليلة ناجي وإلى جوارها سيف الدين عادل، على وجهيهما ابتسامة، بينما تستقر أعينهما على مجسم لمسجد، يتوسط أحد شوارع قرية البراجيل التي تقع في الجيزة، في احتفالية بقدوم رمضان، لها سنوات طويلة مستمرة، ينتظرها الكبار قبل الصغار، ويشترك في تحصيل ثمنها كافة أبناء القرية، وعمل عليها لساعات متطوعون، كل ما يرجونه أن تكون البهجة والفرحة من نصيبهم، ورغم السنوات التي أقيمت فيها تلك الاحتفالية، إلا أن قليلون من يعرفون قصة نشأتها، حين بكت طفلة صغيرة رغبة في فانوس، نفذه لها شاب، فأعجب بقية القرية، ليقرر أن يصمم لهم مجسمًا لمسجد كبير الحجم، تحتفل به القرية، ويستمر ذلك العمل حتى الآن، ويتطور حتى يختلف التصميم كل سنة، والطفلة التي بكت هي جليلة والشاب الذي نفذ الفانوس هو سيف الدين.

1

2

3

لا يتذكر عماد سعودي على وجه التحديد من الذي بدأ ذلك الاحتفال، لكن ابن القرية، شهد احتفالاتها بينما لا يزال طفلا، وهو شاهد على تغير بعض تفاصيل ذلك الاحتفال بدخول رمضان، فبعدما كان مجسم المسجد، يوضع على عربة كارو ويطوف به البعض في كل شوارعها، صار الآن يوضع في شارع بعينه: "زمان كنا نقدر نلف بيه، مكنش في بيوت كتير ولا عمران، والشوارع كانت سالكة، لكن دلوقتي بنحطه في شارع والناس تيجي تتفرج وتفرح".
456

يمر بناء ذلك المجسم الذي يُعد الزينة الرمضانية للمنطقة، بأكثر من مرحلة، ويدخل فيه عدد من الخامات، وقبل رمضان بأشهر، يقوم بعض السكان بجمع مبالغ من الجيران، ليكون المجسم جاهزًا، ويتولى عملية الجمع تلك محمد أحمد، المشهور بـ"حمص العكش" ويساعده في الأمر عمه سمير ناجي، ولأن المجسم تتغير تفاصيله في كل عام، بينما يبقى جزء منه ثابتا لبضعة سنوات، فإن الشاب وعمه جمعا حوالي 3 آلاف جنيه، إضافة إلى تبرعات من البعض بخامات تدخل في عملية تطوير المجسم: "لازم كل سنة يبقى مختلف عن السنة اللي قبلها، والمجسم ده بقاله 8 سنوات، لكن السنة اللي فاتت كبرنا حجمه وزودنا فيه كام مأذنة، والسنة دي اتغير تاني" يحكي الشاب، ذو الـ30 عاما، ويتمنى أن يحوز المجسم إعجاب السكان هذه المرة. المبلغ الذي يتم تجميعه يدخل في شراء الخامات وتجهيز الاحتفالات، التي يوجد فيها فرقة للابتهالات والإنشاد وعزف الموسيقى كذلك، لكن تكلفة المجسم كله تصل إلى 25 ألف جنيه أو يزيد بحسب الشاب: "لإن في شاسيه حديد وفي شغل كتير وقطع صغيرة جدا، ونماذج لمقاعد ومراوح داخل المجسم، بس المبلغ ده متجمعش مرة واحدة، دي سنوات متعاقبة، وعشان الأصل موجود فمش بنلم كتير". كان المجسم يلف شوارع القرية، لكن الأمر توقف بحسب الشاب في عام 1998، ومنذ ذلك التاريخ وهو ثابت لا يتحرك، ولا يرفع من مكانه إلا بعد دخول ليلة العيد: "ويتشال في أي مكان لحد ما نعمله تعديلات قبل رمضان اللي بعده".

78

على سطوح منزل محمد وعمه، وضع المجسم منذ فترة، قبل أن تدخل عليه التعديلات، ولأن حجمه كبير نسبيا، فلن تقبل ورشة أن يظل داخلها لفترة طويلة، فمن شأن ذلك إعاقة بقية الأعمال الجارية، واستقرت المجموعة المشرفة على ذلك العمل، على أن يكون التصميم هذا العام لمحمد سيف الدين عادل، أحد شباب القرية، ويعمل في مجال التصميم والإعلانات، واستقر على أن يكون في المجسم بعض ملامح النوبة، لوجود عدد كبير من أهل الصعيد في محيط الشارع الذي سيوضع فيه المجسم. يلقي محمد نظرة على المجسم قبل أن يتحدث: "بدأنا من حوالي شهر شغل عليه، أول حاجة بنحط تصميم، بعد كده ننفذه، ونكبر الحجم، ونبتدي نزود أشكال بالخشب، ونركب حاجات فايبر بدل الزجاج، وراعينا إن شكل الشبابيك والأبواب والألوان تبقى قريبة من جو النوبة" يحكي الشاب الذي يظهر في صورة بينما لا يزال طفلا، أمام مجسم للمسجد، لكنه الآن أحد صناعه.

11109

يعمل محمد عُبد في إضاءة مجسم المسجد وتركيب كافة احتياجاته الكهربائية، وعمرو أبو نصر في طلائه، ومحمد أحمد يعاونه في الأمر، إلى جانب قيامه بالتصميم، ومرزوق بربري لأعمال النجارة، ولكل فرد عمله الخاص، لكنهم يخصصون جميعا جزءًا من وقتهم لذلك العمل، ولا يحصل أحدهم على مقابل للأمر، الذي بدأ وفق عدد من السكان منذ 30 عاما: "أنا أبويا زمان كان بيعمل المسجد ده، وكان مشهور بعمايله ليه، واتورثنا الحاجات دي بقى، وبنعملها بالمحبة مش عايزين حاجة من حد". ينصت والده إلى حديثه، ثم يحدثهم عن روايته لأول مرة صنع فيها ذلك المجسم: "كان ليا أخت صغيرة جليلة وكان نفسها في فانوس معين، وقعدت تعيط، فوالدي راح لسيف الدين عادل رضوان وعمله جامع صغير زي اللي كانت بتعيط بسببه، فقلنا ليه منعملش واحد كبير ونحطه للمنطقة زي الزينة ومن ساعتها الموضوع موقفش". تضحك جليلة وهي تنظر للجموع حولها: "كنت صغيرة ولما شبطت في فانوس عملوا زيه، فناس تانية شبطت فيه فسيف الدين عادل عمل زيه بس كبير لكل المنطقة" تحكي ذات الـ52 عاما، متمنية أن يدوم ذلك الأمر.

12
1314

يقترب سيف الدين عادل، أول من صنع ذلك المجسم منذ سنوات طويلة، يتذكر حين صنعه لجليلة، وبعد ذلك طلبه منه الكثير، فرأى صنع نموذج كبير: "أنا شغال كهربائي، وزمان كنت بعمله صاج وحديد، ونغطيه بجلاد، بعد كده عملته خشب" يحكي الرجل، الذي كان يقطع أحيانا سفره، ويعود من السعودية لمصر، لصنع المجسم: "بش من 10 سنوات بطلت بقى خالص، مبقتش قادر وابني بيعمل معاهم".

15

1617

صباح السبت، أي قبل يوم واحد من صلاة أول تراويح، صعد بعض شباب القرية إلى سطوح محمد أحمد، لوضع اللمسات الأخيرة على المجسم، وتركيبه قبل أن يتم إنزاله إلى الشارع، ووضعه فوق "باكية" من الخشب تستقر في منطقة "شرق البلد" تحديدا في شارع أحمد عرابي، واختيار ذلك التوقيت، يعود لرغبتهم في أن تستمر الاحتفالات التي يحضرها الأطفال والكبار وقتا أطول، فلو كانت قبل رمضان بيوم، لمنعت صلاة التراويح استمرار الاحتفالات، بحسب عماد سعودي، أحد سكان القرية. وكان مسعد حسن، يقوم بوضع لمسات نهائية للمجسم، من خلال لصق عدة أوراق فيها بأشكال هندسية، على سبيل مساعدة أبناء منطقته: "دي عادتنا من سنين، ومكمل زي ما كل شباب المنطقة مكملة". كانت القاعدة الحديدية مستقرة في الشارع، سترفع بعد قليل على "باكية" خشبية مرتفعة عن الأرض، تسمح للعربات والتوكتوك بالمرور من أسفلها، ومن فوقها سيستقر المجسم، الذي تم إنزال بعض قطعه إلى الشارع، بينما أنزل الجزء الأكبر منه بأحبال من فوق السطوح، ويبلغ عرض المسجد 5 أمتار ونصف وطوله من المأذنة وحتى قاعدته 7 أمتار، لكن قبل رفعه على "الباكية" سيستقر فوق مسرح حتى انتهاء الاحتفال.

باقتراب المساء كانت الشيشة حاضرة في الشارع، ونصبات الشاي والقهوة، وأعد المسرح تجهيزًا لقدوم الفرقة كذلك، واجتمع الأطفال سريعا، وكان الكبار يصلون شيئا فشيئا، وتم إنزال المسجد وتجميعه فوق مسرح، ثم تركيبه، وبدأت الاحتفالات.

201918

فيديو قد يعجبك: