"الحنّة" في مواجهة السرطان.. شابة مجرية ترسم "الأمل" لمحاربات المرض
كتبت-دعاء الفولي:
في ملامح كل سيدة ترى توندي زكاري جدّتها الراحلة. تتذكر كيف كانت علاقتهما مطمئنة، قبل أن يهزمها المرض الخبيث. تمنّت الشابة المجرية دائما لو احتفظ عقلها بصورة جدتها المُشرقة قبل المرض، لذا قررت منذ أربع سنوات تسخير جهدها التطوعي لرسم الحنّاء لمحاربات السرطان، عوضا عن شعرهن الذي تساقط.
كل بضعة أسابيع، تذهب توندي التي تعيش في المجر، لفعالية تحت عنوان "يوم الجمال والأمل"، تشارك فيه متطوعات أخريات، يرسمن الحنّاء للسيدات اللاتي يعانين من السرطان، فيما يضم اليوم تفاصيل أخرى لمساعدة هؤلاء السيدات، بداية من الاعتناء ببشرتهن، وحتى الدعم النفسي.
منذ كانت صغيرة فُتنت الشابة برسومات الحنّاء، رغم كونها بعيدة عن ثقافة المجر "كنت أشاهدها في الأفلام والصور، عرفت الطريقة وأتقنتها" تقول توندي لمصراوي.
مع الوقت بات لصاحبة العشرين عاما أسلوبها في الرسم، تبدأ عادة بالتعرف على السيدة التي أمامها "أسمع قصتها وكيف ترويها.. أستكشف شخصيتها ثم أرسم فوق رأسها أو جسدها بينما نتحدث سويا"، لا تضع الشابة شكلا معينا في اعتبارها أثناء العمل "لأنه مع انتهاء حديثنا تكون الألفة قد زادت ووُلدت الرسمة كذلك"، تُمسي الرسومات مختلفة "لأن صاحبات الرسم مختلفات"، تُجر الشابة الحنّة قبل الشروع فيما تعمل لتتجنب الحساسية، كما تتأكد من صاحبة الشأن أن الأمر مسموح به طبيا.
أحيانا ما تعتمد توندي على ما تُحضره السيدات من صور وأشكال معينة، بات الكثير منهن صديقات للشابة المجرية "لا أتطوع في الفعالية فقط بل أفعل ذلك أسبوعي في أماكن مختلفة" تُشجعها لمعة أعين السيدات على الاستمرار فيما تعمل "هؤلاء النساء قريبات لقلبي.. لا أفعل ذلك لأنهن مصابات بالسرطان فقط، بل لأنهن نساء.. لهن الحق أن يشعرن بجمالهن.. النظرة التي تعلو وجههن بعد الرسم تستحق التعب".
تتذكر توندي السيدة الأولى التي رسمت لها، مازالت ابنة تلك السيدة على تواصل مع الشابة إلى الآن، رغم رحيل الوالدة.
تدرس توندي اللغات في مدينة بودابست، تنتظر أن تصبح مُدرسة لغة إنجليزية، فيما تتطوع حاليا لتعليم اللغة الهنجارية للاجئي المجر والإنجليزية للأطفال، تعلم أن التواصل مع هؤلاء النساء يجعلها أقوى "أعتقد أنني محظوظة لأني أفعل ذلك"، ترى في كل مناسبة للرسم هي فرصة جديدة لها لتتقرب منهن، بعضهن تتواصل معها حتى الآن وأخريات ابتعدن عن دربها، غير أن هناك سيدة وحيدة لا تنساها توندي أبدا.
كانت تلك السيدة من أوائل اللواتي رسمت لهن الشابة "كانت تحضر معها ابنتها داخل المكان"، لم تكن حياة تلك الأم يسيرة، فبعد إصابتها بالسرطان انفصل عنها زوجها، وبقيت كذلك حتى قابلت شخصا آخر "وجدت معه السعادة"، ظلا سويا لعدة أشهر، حتى تزوجا "رسمت لها الحنة في زفافها.. لم ترتدِ شعرا مستعارا إذ كانت فخورة بشكلها"، وعقب شهر ونصف تُوفيت السيدة بعد صراع مع المرض "أعتقد أنها رحلت في راحة بعدما عاشت مع شخص أحبها بغض النظر عما أصابها".
في التجربة، مرت توندي بالكثير؛ قصصٌ مأساوية وتفاصيل مُبهجة، تنقّل قلبها مرارا بين الوجع والانتشاء، مع رحيل أي سيدة ممن ترسم لهن توندي يغلبها الحزن، لكن ليس ثمة فرصة لإظهاره "يجب أن احتفظ بالابتسامة على وجهي طوال الوقت.. لا يمكنني إبراز الأسى أو التعاطف"، ليس بسبب مرضهن فقط، إذ تخجل الشابة أحيانا من ضعفها "أزمات حياتي لا تُذكر نسبة لهم.. ورغم ذلك هن مفعمات بالطاقة". تعلمت الفتاة أن الحياة رغم مآسيها تحتمل الكثير من الأمل، لا تنسى نصائح المحاربات لها "الموت سيأتي سواء بسبب المرض أو غيره.. لذا فلنحاول حتى يحين الأجل".
فيديو قد يعجبك: