بالسياحة البيئية.. "جميل" يقاوم استغلال الاحتلال لصحراء فلسطين
كتبت-إشراق أحمد:
العام 2014. اكتفى جميل حمادين بما فرضه الاحتلال الإسرائيلي على سكان الصحراء في فلسطين من إقصاء مضاعف؛ سأم ابن قبيلة الجهالين المشهد المعتاد عليه صغيرا وحينما شب؛ فكلما قصد سائحون باديتهم، رافقهم دليل من المستوطنين، ليخبرهم أن ما يرونه من أثار ومساحات هي هبة "دولة إسرائيل"، فيما يواصل تحذيرهم من البدو "هدول بيضربوكم وبيخطفوكم لو قربتم عليهم"، ظلت الكلمات تؤثر في جميل، يعلم أنه فعل المحتل لكن كيف ينفيه للزائرين؟. قرر الشاب البدوي إطلاق مبادرة "صحاري للسياحة البيئية في فلسطين" ويكون وشباب البدو أدلاء سياحيين، لعلهم يعيدون الأرض في نظر السائحين إلى أصحابها، فيزول الاحتلال ولو كان ذلك من العقول.
على امتداد السفوح الشرقية للضفة الغربية "من شرق الخليل والقدس وبيت لحم. كل المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية للبحر الميت" كما يصف جميل. هنا سكنت قبيلة الجهالين وغيرها من قبائل البدو الفلسطيني، بعد التهجير من –تل عراد ومسعدة في النقب والبحر الميت- عام 1948. تتابعت السنوات، ولم تتغير الأحوال "الاحتلال بيمنع الخدمات على المجتمعات البدوية. ممنوع بناء المدارس أو إدخال الكهرباء وأي شيء"، في المقابل لا تتوقف مقاومة الفلسطينيين، لكن كثير ممن يتمكن من إتمام التعليم أو الالتحاق بوظيفة في المدن أو القرى يغادر الصحراء، إلا أن جميل لم يفعل.
تمسك جميل بالحياة في قرية النبي موسى –تبعد عن البحر الميت بنحو 5 كيلو مترًا. أنهى دراسة الهندسة الزراعية عام 2007، داوم العمل في وزارة الزراعة الفلسطينية، وظل على عهده "عندي حب للطبيعة والصحراء بنمشي وننام فيها وعارف تفاصيلها ليل ونهار"، أراد صاحب الأربعة وثلاثين ربيعًا أن يستثمر ما يهوى لصالح مجتمعات البدو، فيعكس الصورة الحقيقية لهم، وأيضًا يخلق فرصة لتوفير عمل للشباب البدوي المجبر على ترك مكانه، ولدعم ذلك أكمل دراسته في السياحة والتنمية المستدامة.
أغلب الأجانب يقصدون فلسطين بغرض السياحة الدينية في القدس، وعليهم قطع 40 كيلو مترًا كحد أقصى للوصول إلى صحراء فلسطين، لهذا كان التحدي أمام جميل بإعلام السائحين عن إمكانية قضاء ليلة أو أكثر في الخلاء، وممارسة الأنشطة من المشي ومطالعة التضاريس المتنوعة في المناطق القريبة من البحر الميت خاصة.
مع العام 2015 بدأت أولى رحلات "صحاري"، من سفاري وتخييم ومسارات مشي في بقاع صحراء الضفة الغربية. يصحب جميل وغيره من الأدلاء البالغ عددهم الآن 15 شاباً السائحين، يطلعونهم على ما تنطوي عليه باديتهم، ويعددها الشاب، من طرق تجارية قديمة، كانت تصل أسيا بإفريقيا، "وأخفض نقطة في العالم اللي هي البحر الميت ومطلات على جبال منها نطالع الشروق والغروب على منطقة القدس"، فضلا عن الهبات الطبيعية "عندنا 1600 نوع من النباتات و70 نوع من الثديات ونحنا منطقة هجرة الطير من إفريقيا لشرق أوروبا وآسيا".
في القلب من الرحلة، يكون الاحتكاك بالمجتمع البدوي الفلسطيني، يستمع الأجانب إلى حكايات المكان من أهله، يزيل الخوف وما قد يكون زرعه الاحتلال في دعايته، ومع هذا يشعر جميل أنه بلغ المراد "بيعرفوا حقيقة البدو عنا وفلسطين من التعامل المباشر معنا".
وصل عدد الزائرين لصحراء الضفة الغربية عبر مبادرة جميل، نحو 350 شخصًا عام 2015، فيما تضاعفت أعداد قاصدين الصحراء وبلغوا العام الماضي قرابة 3 آلاف سائحًا حسب قول جميل، كما تغيرت النسب "كان في العام الأول 70% من سكان الضفة والداخل الفلسطيني المحتل اليومية 90% من الأجانب".
راجت سياحة الصحراء في الضفة قبل عامين كما يقول جميل، في مواسم الخريف والربيع يتوافد السائحون من دول أوروبا وروسيا وأمريكا، كما ثمة اهتمام من مجموعات الشباب لدى عرب الداخل في مناطق الـ48 حسب قول صاحب "صحاري للسياحة البيئية".
ما بين يوم إلى 4 أيام ينفذ القائمون على صحاري أنشطتهم، وتتنوع بين 3 أشكال للمسارات، يصفها جميل بالسهلة والصعبة ومتوسطة الصعوبة. أما الأولى تنطلق من المخيمات، يسير الزائرون 4 كيلومترات ثم يعودون للتخييم لليلة، والمسار المتوسط يكون بقطع ما بين 10 إلى 12 كيلومترات، ولمحبي المشي يلائمهم النوع الثالث، إذ يسيرون لقرابة 25 كيلو مترات، ويتخلل كل منها مطالعة حياة المجتمع المحلي البدوي وثقافتهم.
تشكل مساحة فلسطين التاريخية 27 ألف كيلومتر مربع حسب مركز الإحصاء الفلسطيني، تحتل صحراء النقب نحو نصفها، فهي أكبر منطقة صحراوية فيها، وتتخذ شكل المثلث بين خليج العقبة جنوبا وغزة وبئر السبع شمالا، فيما تمثل الضفة الغربية بما تشمله من البحر الميت 5.842 كيلو متر مربع.
يبقى الاحتلال عائقا أمام جميل ورفاقه في صحاري "أي شيء ينبني بينهد تاني لكن بنعيد بناءه"، يتذكر تلك الروضة التي تأسست في قرية النبي موسى فصادرتها القوات الإسرائيلية في السادس من يونيو 2016 "ما بنسى وهم بيطلعوا الأطفال واحد واحد وما قدرنا نمنعهم"، فكل عائد للمجتمع البدوي من تزايد الحركة على مناطقهم مهدد، لكن جميل لا يستسلم.
مئات الرحلات نفدتها "صحاري"، يقترب عدد الزائرين عام 2019 من 3 آلاف، ويتوقع الشاب الثلاثيني أن يتجاوز معدل العام الماضي، لا يتوقف طموح جميل، يحلم أن ينفك أسر الشباب البدوي "التعليم منخفض فما في كتير يعرفوا لغات" وذلك عائقًا يتجاوزه شيئا فشيئا كما يقول، كما يسعى في توسيع الشراكة مع قبائل البدو في مناطق النقب بل وبلدان أخرى حال الأردن، تُقر عينيه بما أُنجز في السنوات الماضية، يتأكد "لو يتاح لنا السيطرة على مواردنا مئات فرص العمل هتنفتح ونكون أصحاب الشأن في هاي المناطق"، فتهنأ نفسه بأن الاحتلال إلى زوال والحرية قادمة لا محال.
فيديو قد يعجبك: