"الكيف زي الستر".. كيف يفضل المصريون السجائر والخمور على التعليم؟
كتبت- مها صلاح الدين ومحمود عبدالرحمن:
إنفوجرافيك: حسين مصطفى
مثل كل عام في الأعوام الثلاثة الأخيرة، اصطف علي عاطف بين آخرين أمام أحد متاجر الخمور، بحي العمرانية، قبل أيام من عيد الأضحى، ليحصل على حصته من بيرة "ستيلا": "أنا بصرف كل أسبوع 150 جنيها على ستيلا".
اعتاد الشاب الحاصل على شهادة فوق متوسطة أن ينهي عمله في أحد متاجر الموبايلات يوم الخميس، ويبدأ إجازته الأسبوعية بعبوتين من البيرة: "بشربهم زي البيبسي.. هما بيعملوا دماغ ومفيهاش حاجة لو كل أسبوع مرة".
تعلم "علي" شرب الخمور في حفلات الزفاف: "كنت معزوم في فرح أخت صاحبي شربنا ومن يومها وأنا بشرب".
يومية "علي" 100 جنيه، تقسم نفسها بانتظام بحكم العادة: "بشتري علبة سجائر بـ30 جنيه، وبيرة بـ35 أحيانا.. والباقي أكل ومواصلات".
"علي" واحد من ملايين آخرين قدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أنهم ينفقون 4.7% من دخلهم على التدخين والمشروبات الكحولية، أي تقريبًا بقدر ما ينفقون على الملابس، وأكثر مما ينفقون على التعليم، والثقافة التي جاءت في آخر وجوه إنفاقهم.
أيام الأعياد لها طقوسها الخاصة، الزبائن لا تشتري قدر حاجتها فقط، لكنها تشتري أحيانا للأفراح والعزائم: "الناس بتحب تشرب مع اللحمة".. يشترون النبيذ الأحمر رغم ارتفاع سعره من 60 جنيها للزجاجة إلى 100 جنيه، فيضطر إيميل في الأعياد إلى زيادة الكميات والعمالة وساعات العمل.
كان "رمضان" طفلا صغيرًا حينما كان يأتي أصدقاء والده إلى البيت، يسهرون، ويلعبون ويشربون، في الثالثة عشرة من عمره، قاده الفضول إلى أن يجرب، بدأ يسرق القليل من المشروب من زجاجات والده: "في الأول كنت بتعب، بعدين اتعلمت أجيب مع أصحابي ونتشرب".
بدأ الرفاق في شرب الـ"كينا": "كان مشروب بيدفي.. ميخليناش نحس بالبرد"، وبعدها البيرة، ثم "ستيلا" حينما كان ثمن العلبة جنيهين.
خرج من التعليم مبكرًا، وبدأ يعمل في ورشة تصليح سيارات برفقة والده، بدأ يحصل على أجر، ثم يعزم أصدقاءه على الخمور بكل ما حصل عليه: "فضلت أعزم صحابي، ونتسابق مين اللي يشرب أكتر".
يتجمعون ويضحكون على من يترنح منهم مبكرًا حينما يسكره المشروب: "كنا لما نحب نضحك نجيب شاب صغير نشربه علشان نضحك عليه لحد ما يتعلم".
أصبحت الخمور شيئا مقدسا في حياة "رمضان" حتى بعد أن بلغ الثالثة والخمسين: "دلوقتي بشرب 3 زجاجات في الأسبوع.. يوم الخميس ده بالنسبالي مقدس، واتعودت ع البيرة مفيش حاجة بتظبط دماغي غيرها".
تفوق الريف على الحضر في حجم الإنفاق على التدخين والمشروبات الكحولية، وفقًا لبحث الدخل والإنفاق الذي صدر حديثًا عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
شركة الأهرام لبيع الكحوليات، التي تمتلك سلسلة محلات "درينكيز" أهم مستورد للخمور في مصر، كان محمد النجار يجلس بأحد فروعها، يتابع حركة البيع والشراء في الموسم: "إحنا بنبيع قطاعي في الفرع، وبنبيع بالجملة للمحلات اللي حوالينا".
يقول محمد إن الأسعار زادت ثلاث مرات في الفترة الأخيرة، لكن حركة البيع لا تتوقف: "عيد بقى والناس بتحب تبسط نفسها"، ولا يقلق موظف الفرع من تأثير زيادة الأسعار بشكل شديد: "اللى بيشرب نوع هيفضل طول عمره يشرب علشان دى زي السجاير وممكن أكتر من السجاير".
بينما تزداد نسبة المبيعات بشكل ملحوظ في رأس السنة وأعياد المسيحيين، وأي مناسبة أو إجازة رسمية، وفقًا للنجار.
في الأحياء والطبقات الغنية، لا تختلف طقوس شرب الخمور إلا في الأنواع، يقول عمرو - اسم مستعار - الذي يدير شركة والده، ويقطن في التجمع الخامس، إنه اعتاد منذ صغره على مشاهدة والده ورفاقه يحتسون المشروبات الكحولية، في المنزل والحفلات، لهذا أصبح الأمر عاديًا بالنسبة له.
اعتاد الشاب الذي في منتصف العشرينيات أن يسهر ويشرب برفقة أصدقائه في النوادي الليلية بالإجازة الأسبوعية، لا يفضل الشاب نوعًا معينا، لكنه يحب الفودكا والتكيلا: "مرة في الأسبوع بس بصرف من 500: 1000 جنيه".
اعتاد الشاب الذي درس إدارة الأعمال في الجامعة الأمريكية أن يشرب النبيذ الأحمر والويسكي في منزل العائلة: "الشرب مع الضيوف بيكون من باب المجاملات الاجتماعية.. أهلنا علمونا كده".
للتدخين عالم آخر كبير، سوق ربما تتراجع قليلا بفعل زيادة الأسعار، لكنها أبدًا لا تخسر، يقول صاحب إحدى المتاجر المتخصصة في بيع لوازم التدخين: "السجاير إدمان.. اللي بيشربها هيفضل يشربها.. مش هيبطلها".
وفقًا له، أثرت موجات ارتفاع الأسعار وفرض الضرائب في الدخان على كميات الشراء، لكنها لم تؤثر في حركة البيع: "كان زمان بيجيلي واحد يشتري بالـ10 علب مرة واحدة، دلوقتي بييجي يشتري واحدة واحدة".
كما أثر ارتفاع الأسعار أيضًا في أنواع السجائر الأكثر طلبًا: "جزء من الناس اللي كانوا بيشربوا مستورد، دلوقتي بقوا بيشربوا مصري".
ورغم أن التدخين عادة يومية، فالكميات المبيعة تزداد في المواسم: "إحنا بنقفل في العيد.. علشان كده الناس بتيجي تشتري كميات كبيرة قبل العيد".
يقول الرجل إن الشيشة ومستلزماتها أيضًا أصبح عليها رواج كبير، لهذا يحرص المحل على شراء أنواع متعددة من المعسل، لترضي جميع الأذواق.
بسبب السجائر، مكث طالب كلية التجارة، خالد مصطفى، طريح الفراش بالمستشفى لفترة من الزمن، وبعد أن خرج، لم يستطع الإقلاع عنها: "أنا بشرب علبتين في اليوم".
تعلم خالد التدخين من ابن عمته الأكبر: "كان بيشرب هو وأبوه.. بقيت أشرب معاهم".
حينما أصبح خالد بالثانوية العامة أصبح يدخر من أموال الدروس الخصوصية ويشتري السجائر: "كنت بجيبها بالواحدة وأخبيها في أي مكان في البيت".
اعتاد خالد أن يدخن السجائر المستوردة، وما إن حدث زيادات متتالية في أسعار السجائر، اتجه للسجائر محلية الصنع: "لكن لما بقبض بشتري علبة مستوردة علشان صدري يرتاح شوية".
يعمل خالد في فترة إجازة الكلية في مطعم مشويات، تبتلع السجائر تقريبًا نصف راتبه، يتمنى أن يقلع عنها توفيرًا للصحة والمال، لكنه لا يستطيع.
لم يعد الأمر مقتصرا على الرجال، قام مصراوي بجولة عشوائية على ثلاثة مقاهٍ بمستويات مختلفة، في ثلاث مناطق هي "المهندسين وسط البلد ومصر الجديدة"، كانت نتيجتها تفشي ظاهرة تدخين الشيشة والسجائر بين النساء "حيث كان هناك من 3: 10 نساء يدخنّ الشيشة والسجائر في كل مكان منها.
"تدخين النساء مش بس في مصر" تقول ياسمين - اسم مستعار - فهي ترى منذ سنوات شيوع تدخين السجائر والشيشة في البلاد العربية، خاصة في بلاد الشام والخليج العربي.
بدأت ياسمين تدخين الشيشة منذ 4 سنوات: "ضغوط الشغل والعصبية مش بس ع الرجالة.. الستات كمان بيتعرضوا لده".. ترد ياسمين على منتقدي تدخين المرأة.
تعلمت ياسمين تدخين الشيشة من إحدى صديقاتها، وأصبح التدخين مرتبطا معها بالحالة النفسية السيئة.
لم تحب ياسمين السجائر، ولم تدمن الشيشة أيضًا: "مرة واحدة في الأسبوع داخل كافيه ناءٍ علشان متعرضش لنظرات الناس".
فيديو قد يعجبك: