لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"أصعب من الموت".. كيف مر الانفجار على دار استضافة مرضى معهد الأورام؟

07:50 م الإثنين 05 أغسطس 2019

دار استضافة مرضى معهد الأورام للسيدات

كتبت - رنا الجميعي وشروق غنيم​:

تصوير - شروق غنيم:

كان الحال مستقرًا في استضافة آل جابر لمرضى المعهد القومي للأورام، سهير يوسف تقرأ قبل نومها القرآن، فايزة محمد تتسامر مع زميلة لها في الغرفة، آية سعد تُهدهد صغيرها قبل موعد الكشف في الغد، الحاجة بخيتة تستعد لتناول وجبة العشاء رفقة زملائها، لكن ثمة لحظة لم يعد الحال كما كان، بعنف اهتزّت البناية، التي تبعد شارع واحد عن المعهد.

يقع دار استضافة آل جابر خلف معهد الأورام مباشرة، لا يفصل بينهم سوى شارع صغير، تقوم الدار باستضافة مرضى السرطان القادمين من محافظات للعلاج بمعهد الأورام طيلة فترة تلقيهم لعلاج أو إجراء فحوصات، وخصصت مبنيين إحداهما للنساء وآخر للرجال.

1

في البداية اعتقد سُكان المكان، والمكوّن من ٣٠ سيدة، بأن البناية تنهار: "عشان هي أثرية وقديمة شوية"، لم يكن من سهير يوسف صاحبة الخمسين عامًا سوى التزام مكانها، سيدة أخرى "كانت على كرسي متحرك ومش عارفة تتحرك لحد ما جه واحد من الشباب الجدعان نزلها". سرى الخوف في أقدام ابنة المنصورة "مقدرتش أقوم، قولت ما كدة كدة هموت هي مسألة وقت فخليتني في مكاني"، لكن الهلع الذي أصاب زملاؤها في الغرفة كان أكبر مما تحتمله طاقتها "بقيت اكمل قراية قرآن بصوت عالي وأحاول أهديهم".

لم تفلح الكلمات في تهدئة فايزة محمد، ظلت ابنة محافظة بني سويف تتردد في الغرفة مجئيًا وذهابًا لكنها قررت مغادرة البناية بأسرع شكل، لم يكن خوفًا على حياتها هي بل زوجها الذي يسكن في دار استضافة الرجال والتي تجاورهم "هو اللي بياخد باله مني، جريت ألحق أشوف هو كويس ولا حصل عندهم حاجة"، باتت حركتها أسرع، لم يعد يشغلها الورم الذي أصاب حوضها قبل عامين "كنت حاسة الموضوع مش مجرد بيتنا بس اللي بيقع.. وكنت عاوزة ألحقه".

في دار استضافة الرجال كان حال نفس زوجها، حين سمع دوي الانفجار؛ قلق على زوجته، نزل مُسرعًا من مكانه إلى مقر إقامتها المؤقتة "لما نزلت الشارع لقيته جاي يطمن عليا، جرينا على شارع جانبي نقف فيه لإني قولتله العمارة بتقع"، في شارع جانبي تجمّعت أغلب السيدات التي تقيم مؤقتًا في دار الاستضافة "والرجالة جت تقف معانا لحد ما نشوف إيه بيحصل لأن الوقت كان بليل متأخر".

على كتفها حملت آية سعد صغيرها حسن، نزلت سريعًا من الطابق الثاني محاولة الخروج من المبنى بعدما أفزعها صوت الانفجار، رفقة السيدات توجهت ابنة المحلة إلى الشارع، حين جلست السيدات، تفاجئن أن الأمر لم يكن هزة يتعرض له المبنى، بل انفجار عند معهد الأورام "شفنا دخان كتير طالع"، تمسكت بخيتة من رباطة جأشها وقررت الذهاب لمكان الحادث، لكنها لم تتوقع ما رأته عيناها.

مشهد مرعب فاق الأفلام، تصف بخيتة مشاهد منه "جثث كتير وعربية مولعة مفيهاش حتة سليمة وأشلاء كتير أد كف الإيد"، كما شاهدت ميكروباص كسر سور كورنيش النيل ووقع داخل المياه "فيه ست شفتها عقلها شّت كان ليها تلاتة في الميكروباص ماتوا".

حين مرت الدقائق بسلام داخل دار الاستضافة، اطمئن قلب سهير قليلًا، لكنها لم تعلم ما جرى حتى جاءتها مكالمة من ابنها الأكبر "لقيته بيطمن عليا جرالي حاجة، استغربت عرف منين موضوع إن الدار كان هيقع"، غير أنه أخبرها مطالعته لبعض الأخبار عن معهد الأورام على مواقع التواصل الاجتماعي "اكتشفت إن الموضوع كبير قوي لدرجة إن جوزي اللي مقاطعني من سنتين كلمني".

لم تكن بخيتة هي المريضة التي تستضيفها الدار، بل ابنتها جهاد ذات العشرين عامًا، قد أصابها مرض سرطان الدم منذ ثلاث سنوات، لتأتي من أسيوط إلى المعهد للحصول على العلاج "بنيجي كل ٢١ يوم". لحسن حظ جهاد أنها لم تكن داخل الدار وقت وقوع الحادث" كانت بايتة عند ناس قرايبها"، كانت جهاد برفقة والدتها داخل المعهد أمس صباحًا لعمل بعض التحليلات "وكنا جايين النهاردة عشان تاخد علاجها بقى".

بعد وقت عادت بخيتة إلى الدار، لم تصعد السيدات بل جلسن خلف المبنى حتى يستقر الأمر "كنا خايفين وفيه ناس مننا مشيت بس فيه زيي اللي محبش يسيب الدار فاضية فقولنا نقعد"، كانت أصوات الفزع في كل مكان، تقول بخيتة إن الشرطة والإسعاف والمطافى قدموا في وقت قياسي حوالي الربع ساعة "دا غير الشباب اللي اتلموا يساعدوا".

عند الساعة واحدة صباحًا عادت السيدات إلى الدار، ما إن سكنت الأجواء "وصاحبة الدار جت تطمن علينا". رغم الرعب إلا أن بخيتة غفت قليلًا، إذ لديها موعد صباحًا مع ابنتها بالمعهد، في السابعة صباحًا كانت جهاد ووالدتها أما المعهد، رائحة الدم ما زالت تسكن المكان، والفزغ على وجوه المارة، فيما لم يتسطعنا الدخول للمعهد "مكنش فيه دكاترة موجودين".

2

العودة ليست خيارًا متاحًا بالنسبة للسيدات، إذ جاؤوا من محافظات بعيدة، وبالنسبة لبخيتة فالأمر أصعب "بنيجي كل فترة وإحنا من الصعيد"، كما أن القلق الذي بداخلهم تجاه مرضهم أو أحبائهم يحول دون الرجوع، لذا حين حّلت الظهيرة ذهبت آية سعد برفقة صغيرها إلى المعهد لإجراء فحوصات "إحنا من المحلة وجايين نشوف الورم اللي عنده ده عبارة عن إيه".

3

هدأت الأوضاع كثيرًا داخل دار الاستضافة، عادت السيدات إلى أسّرتها، محاولن الحصول على بعض الراحة، لكن تفاصيل ما جرى لم يغادرهن "إحنا دايمًا جاهزين للموت بحكم مرضنا، بس اللي حصلنا إمبارح ده أصعب من الموت".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان