سينما "حلفايا".. رحلة ترميم وإعادة أقدم دور العرض بالسودان
كتب- محمد مهدي:
لسنوات عانت سينما "حلفايا" بالعاصمة السودانية، تحولت إلى موطن للخفافيش والكلاب الضالة رغم تاريخها العريق، إذ كانت واحدة من دور العرض التي اعتاد الجمهور السوداني التوافد إليها في الستينيات قبل أن تُغلق نتيجة لتدهور صناعة السينما وتعسف الحكومات السابقة، غير أن الأيام الماضية شهدت إعادة افتتاحها من جديد بعد ترميمها ليعيش عشاق السينما ليلة سعيدة "روحت حلفايا في 2015، وكان حلمي في يوم الأيام إني أعيد فتحها من جديد" يقولها مصطفى النعيم، مدير فريق "سينما الشباب" السودانية.
شهدت السودان عروضا سينمائية منذ عام 1911، وتطورت الصناعة داخلها عبر السنوات حتى صارت تمتلك أكثر من 50 دار سينما في العاصمة وأنحاء البلاء، لكن منذ الثمانينيات شهدت السينما أسوأ مراحلها في السودان، أُغلقت دور العرض واحدة تلو الآخرى صارت مهجورة، تهدم بعضها وتحول الآخر إلى بيوت للأشباح، لم يعد الجمهور السوداني يشاهد أفلامًا داخل "السينما" فيما حاول النعيم ورفاقه إحياء سِحر السينما مرة آخرى "قررنا عمل ختام مهرجان تاهرقا الدولي للسينما والفنون في حلفايا" حين رأها للمرة الأولى وجدها خاوية إلا من حارس وحيد "كانت في حالة سيئة" قمامة في الأنحاء، ماكينات عرض تالفة عمرها يعود إلى 1955، علم أنها تحتاج إلى كثير من الجهد والتنسيق مع مالكيها.
لم تكن فكرة ترميم "حلفايا" متاحة دون الرجوع إلى أصحابها، بحث عنهم النعيم" حتى عثر عليهم، فتوجه سريعًا إلى حسين السنوسي، حفيد مالكها، وعبدالله محمد مدير السينما، اقترح عليهم ما يدور في خلده، رحبا سريعا بالفكرة، فتحا أبواب المكان له وزملائه، شعر الشاب السوداني بالحماس والمسؤولية في الوقت نفسه "وضعنا خطة لتشجيع الشعب السوداني على التعاون معنا لأنه عمل جماعي ومجهود كبير" أطلق دعوة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي المنطقة المحيطة بالسينما القديمة "فوجئنا بعدد كبير من المشاركين من الشباب والأطفال" انضم نحو 500 شخص للتجربة "وزعنا المجهود سواء النظافة أو الترميم أو التعامل مع الماكينات".
بحماس بالغ انهمك الجميع في العمل داخل "حلفايا" بدا عليهم الاهتمام بالمحافظة على الصورة الأصلية للسينما "عدم التغيير في الشكل والاهتمام بتفاصيلها القديمة، نفس الطلاء الخارجي ما تم تغيره تكريما لقيمته وصموده طوال السنوات" أبقوا على ملصقات الأفلام القديمة فيما كانت العقبة الأبرز هي ماكينة عرض الأفلام "كان فيه مشكلة كبيرة، إعادة تشغيلها يتطلب ميزانية غير متاحة" طُرحت أفكار عديدة حتى استقروا في نهاية الأمر على الاستعانة ب"بروجكتور" لعرض الأفلام وبعد أيام من الجهد المتواصل صارت "حلفايا" جاهزة لاستقبال الجمهور في أقرب فُرصة.
على مواقع التواصل الاجتماعي وبكافة الطرق المتاحة، أعلن النعيم وزملائه عن إعادة افتتاح "حلفايا" لعرض أفلام ورشة "إنسان" التابعة لجائزة تهارقا، بالتزامن مع اليوم العالمي للسلام، وفي الليلة المشهودة عكف مدير مجموعة "سينما الشباب" مع عشرات من المتطوعين على إتمام التجهيزات النهائية للسينما، التأكد من جاهزية شاشة العرض، ترتيب الكراسي، تجهيز شباك التذاكر، ومراجعة خطوات التنظيم خلال استقبال الجمهور، ينظر الشاب الثلاثيني حوله متذكرًا العقبات التي طالما منعتهم من تجديد دور العرض في السودان "الحكومة السابقة كانت تخاف من عودة الثقافة، وخايفين من مهاجمة الحرامية للسينما ونهبها" يضحك ساخرًا من أرائهم الخاطئة التي ذهبت أدراج الرياح.
أمام أبواب "حلفايا" وقف النعيم، قبل ساعة من حفل افتتاح السينما وبدء العروض، يخفق قلبه من القلق والترقب، قبل أن يتوافد عشاق السينما إلى المكان، دهشة سعادة ارتسمت على وجهه "الناس حضرت بالأزياء الكلاسيكية لفترة السبعينيات، كأنهم يستعيدون ذكرياتهم مع حلفايا" المئات من الحضور، كبار وصغار، عائلات وأصدقاء "عدد كبير كان بيبكي ويتذكر أيام الشباب" العيون مشدوهة إلى تفاصيل السينما، ملصقات الأفلام القديمة، رهبة تسري داخل القلوب، بينما اندفع عبدالله-مدير المكان- نحو الشباب "يبكي ويحتضن الجميع، سعيد بإنه شاف السينما تفتح من تاني.
جلس الحضور في الكراسي المخصصة لهم، أمامهم الشاشة الكبيرة لـ "حلفايا"، استمتعوا بمشاهدة عدد من الأفلام القصيرة "رقراق شمس للمخرجة مودة شرارة، وكذب حقيقة لللهادي داركي، والفن العاطل لعلاء الدين الفيل وأسبار أحمد إسماعيل، و19 ديسمبر لأحمر قمر، وتسامي لطارق سليمان" أمسية سينمائية رائعة، امتزج فيها الضحك بالبكاء تفاعلا مع أحداث الأعمال الفنية المعروضة، كان السؤال الأبرز في نهاية الليلة، عن مصير باقي دور العرض المنتشرة في كافة أنحاء السودان "حلفايا خطوة لترميم عدد من السينمات، هناك شباب بدأوا بالفعل في أماكن مثل كوبر وأم درمان الثورة، وإنشاالله ملاك السينمات يوافقوا وتعود السينما بقوة في بلدنا".
فيديو قد يعجبك: