لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

طبيب سوري في إيطاليا.. عاد للخدمة بعد المعاش وقتله "كورونا" (صور)

08:20 م الأحد 22 مارس 2020

الطبيب السوري

كتب- محمد زكريا:

عندما بلغ من العمر 65 عاما، كان على الطبيب السوري أن يتقاعد، لكن كفاءته وسيرته الطيبة بين الإيطاليين، دفعت السلطات لأن تمد في خدمته، ليواصل 10 أعوام أخرى كطبيبا للأسر في مدينة بياتشنزا، قبل أن ينخر وباء كورونا جسد البلد الأوروبي، ويموت عبدالستار عيرود مصابًا بالفيروس المستجد، الذي انتقل إليه خلال تطبيبه لواحد من مرضاه.

صورة 1

قبل 45 عاما، ترك عيرود سوريا، مدينة حلب، إلى جنوب أوروبا، درس الطب في إيطاليا، وتخرج في الجامعة هناك، ليخوض غمار الحياة المهنية "اشتهر عبدالستار بحلمه وعلمه والتزامه، كان محترما من الدرجة الأولى، ولا تسمع له صوتا إلا همسا"، يحكي عبد الله تشينا، إمام مسجد ميلانو سيستو، والذي تعرف على عيرود قبل 30 عاما.

على مدار سنواته في الغربة، عاش عيرود في بياتشنزا شمالي إيطاليا، لكنه حرص يوميا على "قطع 75 كيلومترا ذهابا وأيابا، للصلاة في مسجد ميلانو سيستو، والمساعدة في أعمال الخير والبر للمسلمين"، وهناك تعرف على تشينا، وقوت علاقتهما "امتاز الرجل بجلوسه الطيب، بلطفه وحياءه، كان تواضعه يسبق علمه، مما زاده رفعة عند كل من تعامل معه، فلم يكن يترك أحدا لا يحدثه أو يهتم به، دائما كانت هناك مزحة في نظراته، في ابتسامته وفي حكمته" يسترسل صديقه الجزائري في ذكر محاسنه.

صورة 2

كان لتميز عيرود في الطب وتفانيه في خدمة سكان بياتشنزا، الفضل في مد السلطات الإيطالية لخدماته، رغم بلوغه سن المعاش القانوني في البلد الأوروبي "فلم يكن يكتفي الطبيب بمتابعة أحوال الأسر الذي وكِل برعايتها صحيا، بل قوت علاقته بتلك الأسر درجة الصداقة"، حتى أُسنِد إليه مؤخرا الإدارة والإشراف الطبي على أحد دور المسنين في المدينة.

لم يعرف عيرود في عمله غير التفاني، كما يقول تشينا، حتى بعد أن تفشى فيروس كورونا المستجد في إيطاليا، ليُصيب ما يقرب من 55 ألف شخص حتى الآن، أقل من 7 آلاف منهم فقط تعافى من المرض، ويودي بحياة ما يقرب من 5 آلاف شخص، واصل الطبيب المسن نشاطه في متابعة أحوال الأسر، تلك التي وكِلت إليه السلطات مسؤولية رعايتهم الصحية، ضمن نظام تأمين صحي مُتبع في البلد الأوروبي.

في عز اشتداد الأزمة، تلقى عيرود مكالمة من أحد مرضاه، أصر عليه الحضور إلى منزله، ليُلبي من وصل لعمر 75 عاما نداء الواجب، ويتم الكشف على المريض "اللي اكتُشف فيما بعد أنه مصاب بكورونا".

صورة 3

لم يكن ذلك معلوما للطبيب، الذي عاد إلى منزله، قبل أن يتعرض لوعكة صحية، على إثرها نُقل إلى المستشفى، ليُجرى له الكشوفات الطبية "في البداية طمأنوه أنها مش كورونا، فعاد إلى بيته"، لكن اشتداد المرض عليه، أعاده إلى المستشفى للمرة الثالثة "لتؤكد التحاليل تلك المرة إصابته بكورونا، لكن كان الأمر تأخر كثيرا، فلم يمر أكثر من ثلاثة أيام على اكتشاف المرض، حتى فارق عبدالستار الحياة" يحكي تشينا بتأثر.

صورة 4

في السنوات الأخيرة، لم يكن لقاء عيرود بتشينا يوميا "أُسس مسجد كبير في بياتشنزا، وبات عبدالستار يرتاده، بدلا من قطع عشرات الكيلومترات إلى ميلانو، سبب هذا شيء من البعد بيني وبينه، لكنه يبقى من أصحاب البصمات التي لا تُمحى من مخيلة كل من تعامل معه، فالرجل كان يَكفُل 14 يتيما في حياته مما يُكلفه 700 يورو شهريا، وهذا فقط ما عرفناه عن أعماله الخيرية، لكن هناك الكثير مما لا يعلمه أحدا.. كان دائما يفعل الخير صامتا".

صورة 5

بمجرد أن علم تشينا بخبر الوفاة "فَتحتُ نافذة على حياة رجل عرفته منذ ثلاثين سنة، رجل سخي، نظراته تشفي المعلول، وكلماته عسل مُصفى"، ليُتابع بنفسه مراسم الغُسل والدفن، وينفي إمام المسجد لمتابعيه شائعات حرق جثمان عيرود "المسلمين بعيدين عن هذا الأمر. أما بالنسبة لحرق الجثامين، فكثيرا من الإيطاليين ليس عندهم الحرج النفسي أو الثقافي أو الديني في ذلك من الأساس، فيكون الأفضل بالنسبة للسلطات حرق جثامينهم وحرق الفيروس معهم".

صورة 6

صُلي على جثمان الطبيب السوري، في المكان الذي دُفن فيه. ورغم تقديم تشينا، منذ بداية أزمة كورونا، لطلب إلى السلطات الإيطالية، بدفن المسلمين في المقابر الإسلامية بميلانو، رُفض مقترحه "للأسف لا تسمح إيطاليا بدفن أي شخص إلا في مقابر تتبع المدينة التي يقيم فيها"، ليُوارى جثمان عيرود الثرى في "مقابر عامة في بياتشنزا.. وتوخت السلطات أن تكون مقبرته بعيدة عن المقابر الأخرى، لمنع انتقال فيروس كورونا للأصحاء".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان